الملتقى الفقهي بالأزهر: مكانة الجار في الإسلام والالتزام بحقوقه كاملة تعزز تماسك المجتمع ووحدته
الثلاثاء، 22 يوليو 2025 05:00 م
منال القاضي
عقد الجامع الأزهر، أمس الاثنين، اللقاء الأسبوعي للملتقى الفقهي (رؤية معاصرة) تحت عنوان: حقوق الجار"رؤية فقهية"، واستضاف الملتقى: أ.د ربيع الغفير، أستاذ اللغويات بجامعة الأزهر، وأدار الملتقى الشيخ أحمد الطباخ، مدير المكتب الفني للجامع الأزهر.
وأوضح فضيلة الدكتور ربيع الغفير، أن مكانة الجار في الإسلام عظيمة جدا، وهو ما يبنته وصية سيدنا جبريل عليه السلام، من حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه"، وهذه الوصية تشير إلى قدسية العلاقة بين الجيران، مما يعني أن حق الجار مرتبط بالدين، كما جاء في قوله تعالى: "وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ".
وتابع: هذا الأمر الإلهي بالإحسان للجار يجعله أحد الأسس التي قام عليها الدين الإسلامي، لأن "الدين المعاملة"، وهذا المعنى أكد عليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما سأله رجل: "ما الدين يا رسول الله؟" فقال: "الدين حسن الخلق"، ومن رقي فهم العلماء الإجلاء لهذا المعنى العظيم "حسن الخلق" قال الإمام ابن القيم: "الدين حسن الخلق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين".
كما أشار فضيلة الدكتور ربيع الغفير، إلى أن الإحسان إلى الجار قرين الإيمان، فمن لا يحسن لجاره فلا إيمان له، وهو ما نراه عمليا في موقف للنبي صلى الله عليه وسلم عندما قال لأصحابه الكرام: "من يأخذ عني هذه الكلمات الخمس فيعمل بهن أو يعلم من يعمل بهن؟" فقال أبو هريرة رضي الله عنه: "أنا يا رسول الله".، فقال صلى الله عليه وسلم: "اتق المحارم تكن أعبد الناس، وارضى بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنًا، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلمًا، ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب" ففي هذا الحديث تأكيد على أن الإحسان إلى الجار من الإيمان، كما أن الإساءة إلى الجيران هي سبيل خسران وندم في الدنيا والآخرة، لأنه اقترف أمرا منهيا عنه، قال رسول الله صلى الله عليه: "والله خاب وخسر، قالوا: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه" لأن المجتمع الذي لا تسوده علاقة الود بين الجيران هو مجتمع سيء، لهذا توعد رسولنا صلى الله عليه وسلم كل من كان مسيئا لجيرانه بالخسران والخيبة.
وفصل الغفير، حقوق الجار في الإسلام، وهي على ثلاثة مستويات، فهناك الجار القريب المسلم له ثلاثة حقوق، وهي: حق الإسلام، القربة، والجوار، أما الجار الغريب المسلم له حقان، وهما: حق الإسلام، وحق الجوار، بينما الجار غير القريب غير المسلم له حق واحد، وهو حق الجوار، هذه الشمولية في حقوق الجوار، تدعونا إلى احترام هذه العلاقة والحفاظ على قدسيتها، وهو ما بينه حديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما سأله أحدهم: "ما حق أحدنا على جاره يا رسول الله؟" فقال صلى الله عليه وسلم: "إذا استعانك أعنته، وإذا استقرضك أقرضته، وإذا مرض عدته، وإذا مات اتبعت جنازته، وإذا أصابه خير سرك وهنأته، وإذا أصابه شر ساءك وواسيته، ولا تستطل عليه بالبنيان فتحجب عنه الريح والشمس إلا بإذنه، ولا تؤذه بقتار ريح قدرك إلا أن تغرف له منها"، هذا التفصيل الدقيق فيما للجار من حقوق، عندما التزم به سلفنا الصالح كان المجتمع متماسكا ومترابطا لدرجة أن المجتمع بأكمله كان يعيش كاسرة وأحدة.
وبين فضيلة الدكتور ربيع الغفير أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب النموذج الأروع في التعامل مع الجار، عندما قام بزيارة جاره الذي كان يؤذيه، فما كان من هذا الجار البهودي، إلا أن دخل في الإسلام، وهو المنهج ذاته الذي سار عليه الصحابه الكرام والرعيل الأول من الأمة من حسن الخلق في التعامل مع الجار، ومن مأثورات القصص التي تؤكد حسن تعاملهم مع جيرانهم، ما روي في قصة الرجل الذي كان جارا لعبد الله بن المبارك، هذا الرجل عرض بيته للبيع بضعف ثمنه، وعندما سُئل عن السبب قال: "أبيع البيت بألف للدار وألف للجوار؛ لأن جاري عبد الله بن المبارك منذ عشرين عامًا ما اشترى طعامًا لعياله إلا دخل به على عيالي". مبينا أن المتتبع لأقوال العرب في أشعارهم وأمثالهم يفهم كيف كانوا يقدرون الجار ويعلون من شأن هذه العلاقة، ومن هذه الأمثال "الجار قبل الدار".