مجاعة من صنع الاحتلال
السبت، 26 يوليو 2025 10:06 م
جريمة إسرائيلية جديدة في غزة.. حصار 2 مليون فلسطيني في 12% من القطاع بدون طعام ومياه
انتفاضة دولية ضد جرائم تل أبيب.. دول غربية تطالب بوقف الحرب.. 111 منظمة إنسانية دولية ترفض "مصائد الموت" والمجازر
يعاني قطاع غزة منذ ما يقارب 21 شهراً من عدوان إسرائيلي متواصل أدى إلى أزمة إنسانية غير مسبوقة، حيث تحولت الحياة اليومية لسكان غزة إلى معاناة مستمرة، وأصبح نقص الغذاء يهدد حياة آلاف المدنيين من الأطفال والشباب والنساء وكبار السن، فالمجاعة التي تفشت في القطاع أصبحت واقع مرير يلتهم بطون الأبرياء الذين باتوا مضطرين للبحث عن لقمة العيش كل يوم وسط ظروف قاسية ومخاطر متزايدة، واليوم لا أحد في غزة يشعر بالأمان، فبالإضافة إلى ندرة المواد الغذائية، يعاني المواطنين من انعدام الأمان حيث أن محاولات الحصول على المساعدات الإنسانية قد تكون محفوفة بالمخاطر، وقد تعرض البعض للقتل أو الإصابة في أي لحظة، هذا الوضع الكارثي يفاقم من معاناة السكان ويهدد بإنهيار شامل في حياة المجتمع الفلسطيني في غزة.
وتسببت ممارسات الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته اليومية في جعل الحياة شبه مستحيلة داخل قطاع غزة المحاصر، فقد فرضت سلطات الاحتلال حصارًا خانقًا، شمل تشديد القيود على دخول الغذاء والدواء والوقود، وتقييد حركة الأفراد والبضائع، إلى جانب الاستهداف المباشر للمرافق الحيوية والبنية التحتية، ومع تفشي المجاعة، بات واضحًا أن السياسة الإسرائيلية لا تقتصر على مجرد العقاب الجماعي، بل تتجاوز ذلك إلى استخدام الجوع كأداة حرب، فالتضييق المتعمد على دخول المساعدات الإنسانية، والدقة المفرطة في التفتيش، ومنع دخول المواد الأساسية، جميعها تشير إلى هدف أعمق يتمثل في دفع السكان إلى النزوح القسري وتهجيرهم بشكل طوعي تحت ضغط الجوع والخوف وانعدام الأمل.
وأثارت حالة المجاعة التي اجتاحت قطاع غزة خلال الأشهر القليلة الماضية موجة واسعة من الانتقادات والإدانات على المستوى الدولي، فقد وصفت منظمات حقوقية، إلى جانب هيئات تابعة للأمم المتحدة، الوضع الإنساني في القطاع بـ"الكارثي" و"غير المسبوق"، محذّرة من تبعات استمرار هذه المجاعة على السكان المدنيين، لا سيما الأطفال والنساء وكبار السن، كما عبّرت العديد من الدول الغربية عن قلقها العميق إزاء تدهور الأوضاع، مطالبة بضرورة التدخل العاجل لوقف الممارسات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، وضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن ودون عوائق، ما يعكس إجماعاً دولياً متزايداً على ضرورة وضع حد للكارثة المتفاقمة في غزة، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من حياة المدنيين الذين يواجهون شبح الجوع والموت يومياً.
في الوقت نفسه، أشارت الأمم المتحدة إلى معاناة السكان في قطاع غزة، متحدثة عن بلوغ الجوع وسوء التغذية مستويات غير مسبوقة في غزة، البالغ عدد سكانه أكثر من مليوني شخص، وقال المتحدث باسم منظمة اليونسف في فلسطين كاظم أبو خلف إن "الوضع يزداد سوء"، وهو ما تؤكده جهات طبية وجهاز الدفاع المدني و"أطباء بلا حدود"، فيما جددت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) الدعوة إلى رفع الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة لإنهاء المجاعة فيه.
وقالت الوكالة إنها تتلقى رسائل يائسة عن المجاعة من غزة، بمن في ذلك من موظفيها، وأفادت بارتفاع أسعار المواد الغذائية 40 ضعفا، في إشارة إلى تداعيات الحصار المتواصل، مؤكدة "أن الأونروا تحتفظ بكمية كافية من الغذاء المخزّن في مستودعاتها لتغطية احتياجات جميع سكانها لأكثر من 3 أشهر"، في حين لا يسمح الاحتلال بدخول المساعدات.
لكن رغم كل الصرخات الدولية المطالبة بوقف الحرب وإغاثة القطاع، بالإضافة إلى المؤشرات الصارخة وتواتر التحذيرات من المنظمات الإنسانية، إلا أن الأمم المتحدة لا زال موقفها يثير الريبة وخاصة وأنها لم تعلن رسميًا حتى الآن قطاع غزة منطقة مجاعة، رغم تحقق شروط التصنيف الأممي للمجاعة من حيث نسبة الجوعى، ومعدل الوفيات المرتفع، وتشير تقارير اليونيسيف والبرامج الدولية إلى أن الشروط الثلاثة لإعلان المجاعة متوفرة في غزة.
والأسبوع الماضى، وقعت 111 وكالة ومنظمة دولية، من بينها أطباء بلا حدود، وأوكسفام الدولية، ومنظمة العفو الدولية، إسرائيل مجددًا إلى السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة في ظل تفاقم المجاعة والهجمات العسكرية الإسرائيلية على الفلسطينيين الذين يسعون للحصول على المساعدة، وكتبت الوكالات: "خارج غزة مباشرة، في المستودعات - وحتى داخل غزة نفسها - تقبع أطنان من الطعام والمياه النظيفة والإمدادات الطبية ومواد الإيواء والوقود دون أن تُمس، في ظل منع المنظمات الإنسانية من الوصول إليها أو تسليمها. إن قيود حكومة إسرائيل وتأخيراتها وتشرذمها في ظل حصارها الشامل قد خلقت فوضى وجوعًا وموتًا".
هذه الرسالة جاءت في ظل تزايد الاهتمام بالمجاعة في غزة وقتل إسرائيل للمدنيين، إلا أن الوضع على الأرض لا يزال على حاله إلى حد كبير. وصف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، غزة بأنها "مسرحية رعب" خلال حديثه أمام مجلس الأمن الدولي، وقال: "إن سوء التغذية يتفاقم، والجوع يطرق كل باب في غزة. والآن نشهد آخر هدر لنظام إنساني قائم على المبادئ الإنسانية. يُحرم هذا النظام من الظروف اللازمة للعمل. يُحرم من مساحة لتقديم المساعدات. يُحرم من الأمان اللازم لإنقاذ الأرواح".
وأكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) أن 2.1 مليون فلسطيني باتوا محاصرين في 12٪ فقط من مساحة قطاع غزة، محرومين من الطعام والمياه النظيفة، في ظل حصار خانق وقصف مستمر، موضحاً أن الوضع الإنساني في القطاع هو الأسوأ على الإطلاق، مشيرًا إلى أن من نجا من القصف والغارات يواجه خطر الموت جوعًا أو عطشًا، في ظل انهيار شبه كامل للبنية التحتية الصحية والتموينية.
وأكد محمد أبو عفش مدير جمعية الإغاثة في غزة، أن الاحتلال الإسرائيلي يتعمد تعطيل عمل المؤسسات الصحية والانسانية في القطاع، موضحا أن نحو 650 ألف طفل في غزة يعانون المجاعة الكاملة، لافتاً إلى أن إسرائيل لا تريد للمؤسسات الدولية أو الفلسطينية أن تساعد أهالي غزة.
وقال فيليب لازاريني المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، إن الموظفين بالوكالة والأطباء والعاملين في المجال الإنساني يصابون بالإغماء في أثناء تأدية واجبهم بسبب الجوع والإرهاق، لافتاً إلى أن "مقدمو الرعاية، بمن فيهم زملاؤنا في الأونروا داخل غزة يحتاجون إلى رعاية طبية عاجلة، فالأطباء والممرضون والصحفيون والعاملون في المجال الإنساني، ومنهم موظفو الأونروا، يعانون من الجوع. ويعاني كثيرون منهم من الجوع والإرهاق في أثناء تأدية واجباتهم".
وسبق أن حذرت أونروا من أن سوء التغذية بين الأطفال دون سن الخامسة قد تضاعف بين شهري مارس ويونيو، نتيجة للحصار الإسرائيلي على قطاع غزة.
جاء ذلك فيما أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة، أن عدد الشهداء جراء الحرب الإسرائيلية على القطاع تجاوز 59 ألف شهيد، فيما ارتفع عدد المصابين إلى أكثر من 141 ألف منذ بدء العدوان في أكتوبر 2023، موضحة أن غالبية الشهداء هم من النساء والأطفال وكبار السن، وأن الأرقام لا تزال مرشحة للارتفاع في ظل استمرار الغارات الجوية والقصف المدفعي، وصعوبة الوصول إلى كثير من المناطق المنكوبة بسبب الحصار والانهيار الكامل للمنظومة الصحية.
وأعرب وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي عن "فزعه واشمئزازه" من الاستهداف "الشنيع" للفلسطينيين الجائعين الذين يسعون للحصول على الطعام من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، محذرًا من فرض عقوبات إضافية إذا لم تنتهِ الحرب قريبًا.
وأعرب لامي عن أسفه العميق لعدم امتلاك المملكة المتحدة صلاحية إنهاء الحرب من جانب واحد، وأصرّ، رغم انتقادات جماعات حقوق الإنسان، على عدم إصدار المملكة المتحدة تراخيص أسلحة يمكن استخدامها في غزة، وعلى أن رحلات الاستطلاع التابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني لم تُشارك المعلومات الاستخباراتية مع جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وانضمت المملكة المتحدة إلى 27 دولة أخرى، منها أستراليا وكندا وفرنسا، في إدانة إسرائيل لحرمانها الفلسطينيين من "الكرامة الإنسانية"، وحثّ الحكومة الإسرائيلية على رفع القيود المفروضة على تدفق المساعدات، معتبرةً أن معاناة المدنيين "بلغت مستويات غير مسبوقة"، ووصفت جماعات حقوقية، منها منظمة العفو الدولية، هذا البيان بأنه "كلام فارغ"، وطالبت بوقف جميع صادرات الأسلحة، سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر، بما في ذلك مكونات طائرات إف-35 المقاتلة.
كما أكدت الممثلة العليا للشئون الخارجية والسياسة الأمنية بالاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، أن قتل المدنيين الذين يطلبون المساعدة في غزة أمر لا يمكن تبريره أو الدفاع عنه، مشددة على "إن جميع الخيارات مطروحة إذا لم تف إسرائيل بوعودها".
وفي تطور لافت على صعيد المواقف الدولية، طالبت 25 دولة غربية، من بينها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وكندا وأستراليا الإثنين، بإنهاء فوري للحرب الدائرة في قطاع غزة، مؤكدة أن معاناة المدنيين بلغت مستويات "غير مسبوقة" في ظل تفشي المجاعة وانهيار الأوضاع الإنسانية. وجاء هذا البيان المشترك بعد مرور 21 شهراً على بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع، والذي خلف دماراً واسعاً، ونزوحاً جماعياً، وأدى إلى تدهور خطير في الظروف المعيشية لأكثر من مليوني فلسطيني.
واتهمت الدول الموقعة إسرائيل بتقييد دخول المساعدات الإنسانية الأساسية إلى القطاع، مشددة على أن رفض الحكومة الإسرائيلية السماح بوصول الإغاثة إلى المدنيين "أمر غير مقبول". كما عبّرت عن صدمتها من مقتل أكثر من 800 فلسطيني أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات، ما يسلط الضوء على الخطر الذي يواجهه المدنيون حتى في بحثهم عن الغذاء والماء والدواء، مؤكدين على ضرورة التوصل إلى وقف إطلاق نار فوري، دائم، وغير مشروط، داعياً الأطراف كافة، والمجتمع الدولي، إلى التوحد في جهود عاجلة لوقف النزاع وإنقاذ ما تبقى من الأرواح، ووضع حد لما وصفته الدول بـ"النزاع المروع".
ورحبت مصر ببيان وزراء خارجية الـ25 دولة بشأن الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة وأكدت وزارة الخارجية، أنها تدعم بشكل كامل موقف الدول المنضمة للبيان الرافض لمقترح نقل السكان الفلسطينيين لما يسمى "مدينة إنسانية"، وموقفها الواضح من رفض تهجير الفلسطينيين باعتباره انتهاكاً صارخًا للقانون الدولي الإنساني.
كما رحبت مصر بما تضمنه البيان من رفض للتوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية وللعنف الذى يرتكبه المستوطنون الإسرائيليون، مشددة على استمرار جهودها الساعية للتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، بالشراكة مع قطر والولايات المتحدة، كما شددت على ضرورة تبني المجتمع الدولي للمزيد من الخطوات العملية لتنفيذ حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط 4 يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، بما في ذلك من خلال الاعتراف بالدولة الفلسطينية ودعم مسار سياسي واضح وفعال لإرساء السلام بصورة دائمة في الشرق الأوسط.
ومنذ أن تولّت "مؤسسة غزة الإنسانية" الأمريكية الإسرائيلية ملف المساعدات، باتت مراكز توزيع الغذاء بمثابة مصائد، حيث استشهد أكثر من 995 فلسطينيًا بنيران إسرائيلية خلال محاولتهم الحصول على الغذاء، ويؤكد سكان القطاع أن هذه النقاط تُقصف عمدًا في ذروة الاكتظاظ، لتحوّل مشاهد الجوع إلى مجازر موثقة.
يعاني أكثر من 71 ألف طفل في غزة من سوء تغذية حاد، وفقًا لتقارير اليونيسيف، بينما تواجه 17 ألف امرأة، معظمهن حوامل، خطر الإجهاض والتشوهات الخلقية بسبب انعدام الرعاية الغذائية، وفي مؤتمر صحفي مؤخرًا، قال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى إن إسرائيل تقتل الفلسطينيين بالتجويع، وتستهدف طالبي المساعدات في "مصائد الموت".
ورغم التحذيرات المتكررة من "يونيسيف" و"أنقذوا الأطفال" و"الأونروا"، لا يزال رد الفعل الإقليمي والدولي دون الحد الأدنى، وبينما الجوع ينهش أرواح الفلسطينيين، تواصل إسرائيل قصف المستشفيات، والمدارس، والمراكز الصحية، ومخيمات الإيواء.