صوت الأمة تدق ناقوس الخطر: هل أموال تيك توك باب خفي لتمويل الفوضى واستهداف الدولة؟

السبت، 16 أغسطس 2025 05:07 م
صوت الأمة تدق ناقوس الخطر: هل أموال تيك توك باب خفي لتمويل الفوضى واستهداف الدولة؟
أرشفية
دينا الحسيني

منذ سنوات، ومع سقوط جماعة الإخوان الإرهابية بعد 30 يونيو 2013، وإفشال خطط الفوضى، أصبحت الأدوات التقليدية لتمويل الإرهاب والتحريض تحت عين الأمن؛ من تجارة المخدرات والسلاح، إلى التحويلات غير المشروعة. هذه القنوات أصبحت مكشوفة، ورُصدت، وضُربت بقوة.

لكن التطور التكنولوجي أفرز تحديًا جديدًا أكثر خفاءً، وأكثر قدرة على التسلل إلى المجتمع دون أن يثير الشبهات في البداية، وهنا يأتي دور منصات التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها موقع "تيك توك"، حيث يمكن أن تتحول «الهدايا الرقمية» والبث المباشر، من وسيلة ترفيه، إلى باب خفي لتمويل الفوضى والتحريض على العنف.

 

من تجارة السلاح إلى تجارة اللايكات

في الأسابيع الأخيرة، فتحت النيابة العامة تحقيقات واسعة مع عدد من مشاهير تطبيق "تيك توك"، على خلفية اتهامات تتعلق بغسل الأموال، أبرزهم: سوزي الأردنية (15 مليون جنيه)، مداهم (65 مليون جنيه)، وشاكر محظور (100 مليون جنيه تقريبًا).

التحقيقات كشفت عن تحويلات مالية ومقتنيات باهظة الثمن، ووصفتها بأنها دلائل على أن بعض إيرادات البث المباشر لم تكن دائمًا بريئة أو ناتجة عن نشاط مشروع، بل قد تكون واجهة لتدفقات مالية مشبوهة.

هذه الوقائع دفعت عددًا من الخبراء إلى دق ناقوس الخطر، مؤكدين أن «أموال التيك توك» قد تكون الباب الخلفي لتمويل الفوضى، خاصة إذا ما جرى استغلالها لتوجيه الرأي العام وإشعال قضايا داخلية.

غسل الأموال بثوب جديد

اللواء نجاح فوزي، مساعد وزير الداخلية الأسبق للأموال العامة، أوضح أن غسل الأموال، كما يُعرفه القانون، هو إخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع للأموال عبر دمجها في مشروعات أو أنشطة تبدو قانونية. وتاريخيًا، كانت هذه الأموال تأتي من تجارة السلاح أو المخدرات أو الاتجار بالبشر، لتُضخ في مشاريع عقارية أو شركات وهمية، وتظهر في شكل أرباح مشروعة.

وأضاف "فوزى" لـ"صوت الامة": اليوم، ومع وجود منصات مثل تيك توك، ظهرت آلية جديدة منها شراء العملات الافتراضية (Coins) بالمال الحقيقي، وإرسال الهدايا الرقمية (Gifts) لصانعي المحتوى أثناء البث المباشر، وتحويل الهدايا إلى ألماسات (Diamonds) ذات قيمة نقدية، ثم سحب الأموال عبر حسابات مصرفية أو وسطاء دفع، وعلى الورق، تبدو العملية «دخلًا طبيعيًا» من محتوى ترفيهي، لكن في الواقع يمكن أن تكون أموالًا مُموهة قادمة من جهات مشبوهة، تستخدم في اكثر من غرض مشبوه، حيث يكون صاحب الحساب بمثابة الوسيط الذى يتولى استقبال هذه الأموال وتوزيعها في الداخل وفق المتفق عليه مع مصدر هذه الأموال، وقد يكون مصدر الأنفاق هو تمويل عمليات إرهابية.

كيف يتحول الترفيه إلى أداة تحريض؟

أما اللواء محمود الرشيدي، مساعد وزير الداخلية للمعلومات سابقًا، فأجاب عن تساؤل مهم: كيف يتحول الترفيه إلى أداة استقطاب وتحريض؟ قائلاً إن الخطورة لا تكمن فقط في الآلية المالية، بل في التأثير الفكري والتوجيهي على صانع المحتوى، حيث يتم إغراء التيك توكرز بالأموال والهدايا وزيادة عدد المتابعين، حتى يصبح لديهم جمهور ضخم وولاء من المتابعين.

وأوضح الرشيدى لـ"صوت الأمة" أنه مع الوقت، يمكن توجيههم تدريجيًا لإبداء الرأي في قضايا حياتية تمس المواطن، مثل: قانون الإيجار القديم، ارتفاع أسعار الغاز والكهرباء والمياه، أزمات المرور أو الخدمات. تُطرح هذه الموضوعات في البداية بشكل يبدو «عفويًا» أو «حرية رأي»، لكنها قد تُستخدم كمدخل لإثارة السخط الشعبي وبث رسائل سلبية عن الدولة. ومن هنا، الخطر الأكبر أن بعض هؤلاء “التيك توكرز” قد لا يدركون أصلًا أنهم أصبحوا أداة في يد جهات تسعى لإشعال الفوضى.


نمط قديم بثوب جديد

ومنذ أحداث ما قبل 2013، والأجهزة الأمنية ترصد نمط استقطاب الشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بدايةً من استغلال المنتديات، مرورًا بالفيسبوك وتويتر، وصولًا إلى تيك توك. الفارق اليوم أن أدوات التحويل المالي أصبحت أكثر سرعة ولامركزية، وحجم التفاعل والجمهور على تيك توك أسرع نموًا، إضافة إلى أن المنصة تمنح شعورًا بالخصوصية والبعد عن الرقابة، ما يسهل تمرير الرسائل.

واتفق اللواءان فوزي والرشيدي على أن آليات غسل الأموال عبر تيك توك تشمل: شراء متابعين ولايكات لزيادة المصداقية والجاذبية، إرسال هدايا ضخمة من حسابات وهمية أو عبر وسطاء، تمرير الأموال بين حسابات متعددة قبل الوصول للمستفيد، وإيهام الجمهور بأن الأموال نتيجة نجاح جماهيري، بينما هي أموال مجهولة المصدر.

متى يصبح الأمر تمويلًا للإرهاب؟

من الناحية القانونية، يصبح التمويل إرهابيًا إذا: وُجهت الأموال إلى جهات أو أفراد مصنفين كإرهابيين ودُعموا، كان هناك علم أو نية لدى المرسل أو المستقبل بغرض التمويل، أو ارتبط التمويل بمحتوى أو نشاط تحريضي أو عنيف.

لكن من الناحية الأمنية، حتى التمويل غير المباشر أو غير الواعي قد يشكل خطرًا إذا استُخدم في دعم أنشطة تحريضية أو فوضوية.

التحقيقات والتحذيرات

وفتحت النيابة العامة بالفعل ملفات لعدد من مشاهير تيك توك بتهم غسل أموال، وتم طلب: كشوف الحسابات البنكية، بيانات التحويلات من تيك توك، سجلات شركات الدفع الإلكتروني، مراجعة المحتوى لرصد أي تحريض أو توجيه للرأي العام.

وفي ظل هذه المعطيات، تبدو الحاجة ملحّة لرقابة أكثر صرامة على مصادر تمويل صانعي المحتوى، ومراقبة أي تحركات أو اتصالات مشبوهة، مع رفع وعي الرأي العام والتحذير بخطورة الانجرار وراء المحتوى الموجه، الذي قد يبدو عفويًا في ظاهره، لكنه يحمل في طياته أهدافًا تتجاوز الترفيه أو الربح.

التحذير هنا لا يعني اتهام كل صانعي المحتوى، بل الدعوة لليقظة: على المنصات فرض إجراءات تحقق من الهوية (KYC)، على الجمهور التفكير قبل إرسال أموال أو هدايا لأشخاص مجهولين، وعلى صناع المحتوى الوعي بالمخاطر وفهم أن بعض «الدعم» قد يكون لأهداف أخرى غير الترفيه.

هل تيك توك هو الساحة الجديدة للصراع؟

منذ 2013، نجحت مصر في كشف وتمييز أدوات التمويل التقليدية، لكن اليوم ظهر فصل جديد من الحرب الرقمية، حيث قد يُستخدم «الترند» والشاشة الصغيرة لتحويل الناس إلى أدوات في ساحة فوضى مُموّهة، وإذا كانت سوزي، مداهم، وشاكر محظور بالفعل أرقامًا حقيقية في هذا الملف، فإن الرسالة واضحة: الحذر واجب، فالأمن الرقمي يبدأ من إدراكنا بأن الهدايا الرقميّة يمكن أن تخفي وراءها تحريضًا وتمويلًا لا يدركه مُتلقيها.

وبصفة عامة، ما زالت التحقيقات جارية، وقد تحمل الأيام القادمة الكثير في ضوء ما ستكشفه جهات التحقيق في هذا الشأن.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق