يوسف أيوب يكتب: قميص غزة.. التحالف الإخوانى الإسرائيلي يوجه سهامه السامة تجاه القاهرة لتبرئة جرائم تل أبيب في القطاع
السبت، 16 أغسطس 2025 10:30 م
منصات إعلامية إخوانية تدار من الخارج بتمويل 1.25 مليار دولار تقود حملة ممنهجة لتشوية دور مصر في فلسطين
الخطة تستهدف إنهاك وإرباك الدولة المصرية بالشائعات والأكاذيب.. والترويج لمخطط التهجير بقصص إنسانية وهمية
أحداث 7 أكتوبر والتجربة السورية منح قبلة الحياة للجماعة الإرهابية.. وتحركات لاستقطاب الشباب لتنفيذ أعمال عدائية ضد مصر
يخطئ من يعتقد لوهلة أن جماعة الإخوان الإرهابية انتهت، فهى لا تزال قائمة، بعناصر وقيادات متوزعة على بعض العواصم الغربية والإقليمية، يتلقون تعليمات بتحركات معينة، يسعون إلى تحقيقها لخدمة مصالح دول معروفة بعينها، ترى في قوة الدولة المصرية واستقرارها خطراً يهدد مصالح هذه الدول، فكانت الجماعة، هي رأس الحربة لمحاولات وخطط هذه الدول في محاربة الدولة المصرية.
فمحاولة العودة قائمة ولا تزال تسيطر على تفكير جماعة الإخوان الإرهابية، وتمتلك تمويل مالى كبير، وصل في جانب واحد منه فقط إلى 1.25 مليار دولار لتمويل المنصات الإعلامية الإخوانية، فالثابت أن الجماعة لديها استراتيجية أو خطة قوامها أنه بحلول 2030 يصلوا إلى تحقيق هدف إسقاط النظام، بعد إدخال مصر في حالة من الفوضى والإرباك، واستنفاذ موارد الدولة في مواجهة التحديات والمخاطر.
ولا يخفى على أحد أن الجماعة التي تأخذ من الدين ستاراً لتحركاتها، ولتجنيد أكبر عدد من الشباب للعمل تحت رايتها، كانت منذ تأسيسها سلاح في يد قوى أجنبية "الاحتلال البريطاني" لضرب حركات التحرر الوطنى، وتنفيذ أهدافاً خفية، ومع مرور الوقت، تشعبت علاقات الجماعة، وتلاقت مصالحها مع مصالح دول أخرى، خارج إطار لندن، إلى أن وصل بها الحال إلى التلاقى الواضح مع إسرائيل، وهو ما كشفت عنه مظاهرة قيادات إخوانية تعيش في إسرائيل، وفى مقدمتهم رائد صلاح وكمال الخطيب، امام السفارة المصرية في تل أبيب، ضد الدولة المصرية، واتهامها بأنها المسئولة عن حصار قطاع غزة، وهو أمر فضح التكتيكات الإخوانية الانتهازية التي جعلتها لعبة في يد إسرائيل، تحركها كيفما شاءت، ووصل بها الحال إلى حصول أعضاء التنظيم على تصريح بالتظاهر أمام السفارة المصرية من إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومى الإسرائيلي الذى لا هدف له سوى القضاء على كل الفلسطينيين، فوضعت الجماعة يدها في يد "بن غفير"، ويتعللون في الوقت نفسه أنهم يريدون رفع الحصار عن الفلسطينيين في القطاع!.
الشاهد ان الإخوان لازالوا يحاولون استعادة الدور السياسى، وأن يكون لهم أراء سياسية، والارتكان إلى خطاب مدنى في محاولة لإيجاد قبول شعبى، من خلال الظهور في صورة المعارض المدنى، وهو ما تمثله اليوم ما تسمى بحركة "ميدان"، التي تعد الوجهة التي تستخدمها الجماعة للدخول من خلالها إلى الداخل، والترويج لحركة حماس وتشوية الدور المصرى، وإظهار مصر وكأنها مقصرة تجاه فلسطين.
بعد هذه المقدمة، ربما يكون السؤال الذى طرأ على الأذهان حالياً.. ماذا تريد الجماعة الإرهابية؟.. وما هدفها وكيف تحققه؟..
الجماعة الإرهابية، لا تريد شيئاً لنفسها، بل تحقق ما يطلب منها، وتستغل ذلك لتحقيق أهدافاً لبعض قياداتها، علهم يصلون إلى مرحلة العودة إلى مصر مرة أخرى، وربما الحكم، وتسعى لتنفيذ ذلك من خلال تحركات مدروسة.
بداية يجب أن نفسر شئ، وهو لماذا نشطت الجماعة الان سياسياً، وعبر وسائل التواصل الإجتماعى، من خلال إنشاء صفحات ومنصات جديدة، بعضها غير مرتبط رسميا بالجماعة، وأيضاً نشهد تحرك من بعض القيادات للتواصل مع قيادات "مدنية" في الداخل والخارج، للاتفاق على تشكيل جبهة معارضة تكون جاهزة لأى طارئ.
التفسير هنا يكمن في حدثين، رأت الجماعة الإرهابية، وفق ترتيبات وتنسيق مع مموليها ومحددى تحركاتها، أنه من المهم استغلالهما لإعادة التموضع سياسياً، وتغيير الصورة النمطية في الشارع المصرى تحديداً، والعمل على العودة المأمولة.
قبلة الحياة للتنظيمات الإرهابية
أول حدث، كان طوفان الأقصى الذى أطلقته حماس في 7 أكتوبر 2023، وأعتبرته الجماعة الإرهابية "قبلة الحياة" بالنسبة لهم، ومن المعروف أن حماس أحد التنظيمات المنضوية تحت التنظيم الدولى للإخوان المسلمين، وكانت ولا تزال تعمل تحته، وتنفذ ما يريده التنظيم منها، خاصة تشوية الدور المصرى كل فترة، ببيانات وتصريحات من قيادات حمساوية.
فقد كانت أحداث 7 أكتوبر قبلة الحياة للإخوان وبعض التنظيمات الإرهابية التي نظرت له باعتباره فرصة لإعادة أحياء نفسها من جديد، من خلال الترويج لنفسها، واستخدام خطاب حماسى وتحفيزى للجماهير، وهدفهم من ذلك استقطاب وتجنيد عناصر شبابية جديدة، وفى نفس الوقت تصعيد الهجمات الإعلامية والسوشيالية ضد الدولة المصرية، من خلال لجان إلكترونية تعمل في عواصم معروفة، وتدار بذكاء شديد خاصة من جهة اختيار توقيتات التعامل، وأيضا الموضوعات المستخدمة، والتصريحات المنسوبة لقيادات حمساوية وأخرى إخوانية من دول مختلفة، كلها تصب في اتجاه واحد، وهو تشوية الدور المصرى، والإيحاء بأن القاهرة مقصرة في مساندة ومساعدة الفلسطينيين في غزة.
وكان لافتاً أن البيانات التي استهدفت من خلالها لجان الجماعة الإرهابية، مصر، كانت تتجه في المقام الأول إلى سيناء، التي تنظر لها الجماعة وكأنها الجائزة الكبرى، فبعد 2011 حولت الجماعة كل تركيزها على سيناء لتكون ملاذ آمن لقياداتها وعناصرها الإرهابية، وبعد نجاح الدولة المصرية في تنظيف أرض الفيروز من الإرهاب، عادت الجماعة إلى سيناء مرة أخرى، من خلال الدعوة إلى فتح الحدود مع غزة، لتعود سيناء كما هي في الأدبيات الإخوانية "الملاذ الآمن والدولة الإسلامية".
وهنا نستعيد سريعاً قصة تكشف جزء من تفاصيل المؤامرة الإخوانية الإسرائيلية ضد مصر. هذه القصة طان بطلها الرئيس الإخواني الأسبق محمد مرسي الذى قدّم عرضًا رسميًا للرئيس الفلسطيني محمود عباس، يتضمّن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى سيناء المصرية، حيث قال أبو ممازن أنه أجهض مخططا لـ"مرسي" بتوطين جزء من الفلسطينيين في شبه جزيرة سيناء المصرية في إطار مشروع "دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة"، وقتها قال عباس في كلمة أمام المجلس الوطني الفلسطيني، إنه تلقى عرضا من مرسي أثناء فترة رئاسته التي استمرت لعام تقريبا، بالحصول على قطعة أرض من سيناء ليعيش عليها الفلسطينيون، وتابع: "في أيام مرسي عرض علينا إعطاءنا قطعة من سيناء لشعبنا لكي يعيش هناك في مشروع اسمه إيغور آيلاند".
واعتبر عباس أن هذا المشروع "تصفوي للقضية الفلسطينية، وأنا قلت هذا الكلام بصراحة لمرسي"، وأكد أن حركة حماس أبدت موافقتها على مشروع "الدولة ذات الحدود المؤقتة" ككل. هذا العرض لم يكن إلا حلقة من حلقات مشروع خبيث يمتد بجذوره إلى العقل الإسرائيلي الاستراتيجي، ويتلبّس بلبوس الدعم الإنساني لكنه في جوهره يحمل نوايا التصفية الجغرافية لقضية شعب بأكمله. والتي تعود الجماعة إلى الترويج له من جديد، لكن هذه المرة من داخل إسرائيل!.
التجربة السورية
الحدث الثانى، كان في التغير الدراماتيكى الذى شهدته سوريا، وصعود جبهة تحرير الشام ورئيسها أحمد الشرع "أبو محمد الجولانى سابقاً" إلى سدة الحكم، فهذا التغيير منح الجماعة الامل في العودة مرة أخرى، لما لا وهم يرون التهافت الغربى على دمشق، ووصلات الود والغزل المتبادلة بين النظام السورى الجديد والدول الغربية، التي رأت في "الشرع" ونظامه البديل للسياسة التي أفشلتها الثورة المصرية في 2013 ضد الفاشية الدينية الإخوانية.
فالتجربة السورية منحت حافز قوى للتنظيمات الإرهابية، خاصة تنظيم الإخوان، الذى رحب وهلل بمجئ الشرع، واعتبروا ذلك مفتاح أمل لهم.
الحدثين السابقين، جعلوا الجماعة الإرهابية أكثر نشاطاً مؤخراً، فالوضع الإقليمى غير مستقر، وما يحدث في غزة، يعتبر فرصة من وجهة نظرهم لتوجيه سهامهم إلى الداخل المصرى، من خلال استهداف الدولة المصرية.
ومن يتابع التفاعل الإخوانى مع الوضع في قطاع غزة، سيجد أنهم لا يهمهم الدماء التي تراق يوميا على يد الاحتلال الاسرائيلى، ولم يوجهوا ولو نقد مخفف لسياسات حماس التي أوصلت القطاع إلى ما هو عليه اليوم بسبب سياساتها غير المدروسة، بل أن الجماعة الإرهابية، تستخدم الوضع في غزة لتحقيق هدفين لا ثالث لهما، توجيه سهام النقد الدائم تجاه الدولة المصرية، ودعم المخطط الإسرائيل بتهجير الفلسطينين من قطاع غزة، بما يقضى بالكامل على مفهوم الدولة الفلسطينية المستقلة.
لذلك نرى أن الجماعة الإرهابية، وبمساندة من التنظيمات والتيارات الإسلامية التي تحمل الفكر المعادى للدولة المصرية، تنشط لتكوين تحالفات مع قوى معارضة لتأجيج مشاعر المتعاطفين مع القضية الفلسطينية، واستقطابهم للقيام بأعمال عدائية ضد الدولة المصرية، وأخرهم دعوة حماس في بيان رسمي الأسبوع الماضى، "الشعب المصري لقيادة الجماهير نحو معبر رفح للضغط لفتحه وإدخال المساعدات وكسر الحصار"، وهى دعوة معروف هدفها، وهى أحداث ارتباك في الداخل المصرى، تحاول ان تستغله عناصر الجماعة الإرهابية الخاملة لتنفيذ أجندة التحرك في الداخل.
خلق صورة ذهنية كاذبة
والمتتبع للخطاب الإخوانى في الوقت الراهن، سيجد أنه يعمل بكل قوة على رسم صورة ذهنية لدى الشعب أن النظام المصرى مرتبك وبه أخطاء، وأن ما يحدث في غزة، هو أحد أخطاء هذا النظام، بالإضافة إلى السير في مسار حقوقى يعيد نشر تقارير حقوقية عن انتهاكات "كاذبة"، من خلال كيانات حقوقية تنشئ في الخارج تحت مسميات مختلفة.
كما يظهر من خلال الخطاب الإخوانى أنهم بداءوا في التحالف مع عناصر إيثارية لتكوين جبهة تظهر وكأنها بديل سياسى، ويتخذوا من حركة ميدان الستار لهذه الجبهة، أخذا في الاعتبار أن "ميدان" المسئول عنها الإخوانى الهارب يحيى موسى، تحاول أن تضاحى فكر وشكل حركة حماس، من خلال مكتب وجود سياسى وإعلامى وجناح عسكرى يعتمد على في الأساس على حركة حسم.
الشاهد من كل ما سبق أن جماعة الإخوان الإرهابية، تحالفت مع إسرائيل، وتناست أن الحرب الإسرائيلية على القطاع انتجت تأثيرات كبيرة منها تدمير البنية التحتية، وتقسيم القطاع ومنع تحركات المواطنيين من خلال إنشاء العديد من المحاور العسكرية بهدف فصل الشمال عن الجنوب، وتدمير المستشفيات والقطاع الطبي، فضلاً عن استهداف عدد كبير من قيادات حركتى حماس والجهاد، خاصة أعضاء سرايا القدس وعز الدين القسام، بالإضافة إلى المجاعة المستمرة التي يفرضها الاحتلال على الفلسطينيين.. يحدث كل ذلك في غزة، والجماعة الإرهابية لا ترى في إسرائيل أي خطر أو مهدد، بل أن مصر هي الخطر من وجهة نظرهم!.
وربما يكون هذا التلاقى الفكرى والمصالحى بين الإخوان وتل أبيب، يعيدنا إلى الأساس الذى بناء عليه تم تأسيس حركة حماس. التاريخ يقول أن حماس منذ أن تأسست عام 1987، كانت شوكة في ظهر حركة فتح، ومنظمة التحرير الفلسطينية، وهو رفع من أسهم تفسير قدمه كثيرون مدعوم بقرائن، وهو أن تأسيس الحركة لم يكن بعيد عن الفكر الإسرائيلي الذى يحاول دوماً خلق خلق كيان لتهديد إسرائيل، ونجحت في تحقيق ذلك من خلال تقوية حركتى حماس والجهاد الإسلامى خلال الفترة الماضية، ليكونوا التهديد لهم.
الموقف المصرى ثابت رغم التحالف الإسرائيلي الإخوانى
تبقى نقطة مهمة، مرتبطة بالموقف المصرى تجاه ما يحدث اليوم في فلسطين، وفى القلب منها قطاع غزة. موقف مصر يتركز في الضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار، واحباط مخطط التهجير، والضغط لفتح المعابر وإدخال المساعدات.
مصر تؤمن أن أمنها وأمن المنطقة مرتبط ارتباطًا وثيقًا بإنهاء الاحتلال وتجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وهذا الموقف يستند إلى رؤية ثابتة تعتبر القضية الفلسطينية جوهر الاستقرار الإقليمي، وأن أي مساس بها هو مساس مباشر بالأمن القومي المصري، لذلك فإن القاهرة تؤكد دوماً على رفض إعادة الاحتلال العسكري للقطاع، وضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية، والإفراج عن الرهائن والأسرى، مع التشديد على رفض تهجير الفلسطينيين.
والدولة المصرية منذ 7 أكتوبر 2023، قالتها واضحة وصريحة، لم ولن تقبل بسياسة الأمر الواقع، وستظل تتصدى بكل قوة لمخططات تصفية القضية الفلسطينية، خاصة مع السعي الإسرائيلي المستمر، إلى طمس القضية الفلسطينية بالكامل، ومحو كل ما تبقى من حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، عبر سياسات القتل والتجويع والترهيب، مع التأكيد على أن الإعاقة الممنهجة لوصول المساعدات، واستخدام سياسة التجويع كسلاح، تهدف لتحويل غزة إلى منطقة غير قابلة للحياة، في تحد صارخ لكل قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي الإنساني.
وتتحرك مصر على أكثر من مستوى؛ سياسيا وإنسانيا وأمنيا، لحماية الشعب الفلسطيني، منذ بدء العدوان، والعمل على استعادة التهدئة ووقف نزيف الدم.
والأسبوع قبل الماضى، أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي على ضرورة وقف التصعيد وإنهاء الحرب على غزة ودعم الشعب الفلسطيني وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وقال إن مصر تقوم بجهود كبيرة من أجل التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وستظل بوابة لدخول المساعدات لشعب فلسطين وليست بوابة لتهجيره، وقال إن الحرب على غزة لم تعد لتحقيق أهداف سياسية وإطلاق سراح الرهائن، بل تجاوزت أي منطق أو مبرر، وأصبحت حرب تجويع وإبادة جماعية وتصفية للقضية الفلسطينية، لافتاً إلى أن الضمير الإنساني يقف متفرجا على ما يحدث في قطاع غزة، منوها إلى الجهود المصرية لإدخال المساعدات للشعب الفلسطيني، وأن أكثر من 70% من المساعدات خلال الفترة الماضية تقوم مصر على تقديمها، ولم تتخل يوما عن دورها الداعم لشعب فلسطين .
ومن المعروف أن رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو يتخذ من شعارات مثل "القضاء على حماس" و"إعادة المخطوفين" شماعات لتبرير سياساته، وهي أهداف تتماشى مع أجندات اليمين الإسرائيلي المتطرف الساعية لتصفية القضية الفلسطينية بالكامل، وفرض التهجير القسري أو الطوعي للفلسطينيين من قطاع غزة، ويسانده في ذلك تحركات جماعة الإخوان الإرهابية التي تعمل على تخفيف الضغط عليه، بإظهار مصر وكأنها شريكة في حصار القطاع.
وربما يكون من المفيد للجماعة الإرهابية أن تعيد قراءة الموقف المصرى تجاه القضية الفلسطينية بوضوح، لأن مصر بذلت عبر العقود المتتالية جهودًا عظيمة من أجل دعم القضية الفلسطينية، ولم تتخلَّ يومًا عن هذا الالتزام، رغم التحديات والاتفاقيات الدولية، وفي مقدمتها اتفاق السلام مع إسرائيل، وخاضت مصر أربع حروب كبرى، وقدّمت آلاف الشهداء من جنودها دفاعًا عن فلسطين، واحتضنت منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية في ستينيات القرن الماضي، كما ساندت فلسطين في كل مراحل نضالها السياسي، وأن ما تقوم به القاهرة حاليًا من جهود لوقف إطلاق النار وتقديم المساعدات هو امتداد طبيعي لهذا الإرث العميق، حيث يتصدر الرئيس السيسى المشهد الإقليمي والدولي دفاعًا عن الحقوق الفلسطينية، وإفشال المخططات الإسرائيلية–الأمريكية التي تسعى إلى إعادة هندسة القضية وفق مصالح الاحتلال.
وكان لافتاً أن الموقف المصري استطاع أن يفرض تأثيرًا واضحًا على مواقف عدد من الدول الأوروبية التي كانت متواطئة أو صامتة، وهذا التأثير أسهم في تحول بعض المواقف باتجاه دعم الشعب الفلسطيني، وأن دولًا عدة بدأت تعلن نيتها الاعتراف بدولة فلسطين، كما أن مصر واجهت الانحياز السافر لإسرائيل، ورفضت الضغوط الأمريكية، وقالت "لا" في أكثر من محطة دولية عندما تعارضت السياسات الأمريكية مع الحقوق الفلسطينية
ومع ثبات الموقف المصرى، فإن هناك مجموعة من التحديات تواجه التحركات المصرية أبرزها، رغبة حماس في الحصول على ضمانات أمريكية واضحة لإنهاء الحرب بشكل كامل، وكذلك الخطة الإسرائيلية لبسط السيطرة الكاملة على القطاع مستقبلاً، وتقنين مخطط التهجير، ومن التحديات أيضاً، سيطرة إسرائيل على حركة إدخال المساعدات، وتدمير معبر رفح من الجانب الفلسطيني، واستغلال الإعلام واللجان الإلكترونية للجماعت الإرهابية، الحرب الإسرائيلية للهجوم على مصر وتشوية دورها.
لكن رغم هذه التحديات لاتزال القاهرة وستظل تعمل على تحقيق مصالح الشعب الفلسطيني، والثبات على الموقف الرافض بشكل تام وقاطع للتهجير، مع العمل على دعم عودة السلطة الفلسطينية إلى إدارة القطاع من خلال لجنة إدارية مستقلة لفترة انتقالية محددة لحين إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وصولاً إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، والرفض التام للفصل بين غزة والضفة الغربية، في سبيل ذلك قامت الدولة المصرية بمجموعة من الإجراءات، منها حركة إقناع حماس بعدم التواجد في أي ترتيبات مستقبلية للقطاع، مع بذل جهد مع السلطة الفلسطينية لاتخاذ إجراءات تدعم مكانتها سياسيا وأمنيا، وكان من نتاج ذلك تعيين حسين الشيخ نائباً لرئيس السلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى تدريب عناصر أمنية من السلطة الفلسطينية، وأخيراً، إعلان امتلاك مصر خطة متكاملة لإعادة إعمار القطاع وإدارته مستقبلاً بعد وقف إطلاق النار.
وفى رد عملى وواقعى على الكذبة الإخوانية بأن مصر تمنع إدخال المساعدات إلى غزة، علينا هنا ان نعود إلى الوقائع على الأرض، فمن المعروف ان معبر رفح له جانبان، واحد داخل الحدود المصرية، والثانى داخل الحدود الفلسطينية في قزاع غزة، والجانب المصري من المعبر لم يُغلق مطلقاً، أما الجانب الفلسطيني من المعبر فقد تعرض للتدمير أربع مرات أثناء هذه الحرب من خلال العدوان الإسرائيل، وقامت مصر بإصلاحه وترميمه، حتى سيطرت القوات الإسرائيلية على الجانب الآخر من المعبر.
والمعبر رغم أنها كان مخصصا لعبور الأفراد، وغير مهيأ لدخول المساعدات، الا أن مصر أعادت تاهيله سريعاً لإدخال المساعدات، وكان يُدخل المساعدات طالما لا توجد قوات إسرائيلية متمركزة على الجزء الخاص بالجانب الفلسطيني منه، واليوم هناك أكثر من 5 آلاف شاحنة على الأراضي المصرية محملة بالمساعدات سواء من مصر أو من دول أخرى تنتظر الدخول لقطاع غزة، لكن تبقى المشكلة الرئيسية الواضحة للعالم كله أن إسرائيل هي من تقف عائقاً امام إدخال هذه المساعدات، لذلك، أطلق الرئيس السيسى نداءً للعالم كله وللأوروبيين وللرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أجل وقف الحرب وإدخال المساعدات إلى قطاع غزة.