أمل غريب تكتب: «إسرائيل الكبرى» فكرة خبيثة جذورها صهيونية ومتغلغلة في العقلية الإسرائيلية
السبت، 23 أغسطس 2025 11:20 م
الرئيس السادات اول من حذر من مخططات تل أبيب التوسيعية.. و«مصر» تصدت بقوة لأحلام اليمين المتطرف
منذ الإعلان عن تأسيس دولة الاحتلال الإسرائيلي عام 1948، ظلت فكرة «إسرائيل الكبرى» حاضرة في الخطاب السياسي والعقائدي الصهيوني، تتأرجح بين طموح أيديولوجي يسعى إلى إعادة صياغة الجغرافيا والتاريخ، وبين مشروع سياسي واقعي يتغذى على التوسع والاستيطان والهيمنة الإقليمية، كما أن هذه الفكرة التي تتجاوز كونها مجرد شعار، تعد انعكاسا لرؤية صهيونية متغلغلة في الوعي الإسرائيلي، وكذلك ركيزة لفهم سياسات الاحتلال والعدوان التي اتبعتها إسرائيل لعقود طويلة.
الجذور الفكرية والتاريخية لفكرة «إسرائيل الكبرى»
تعود فكرة «إسرائيل الكبرى» إلى النصوص التوراتية التي استخدمها المفكرون الصهاينة في القرن الـ 19 كغطاء ديني لإقامة وطن قومي لليهود، الذين زعموا بأن حدود الأرض الموعودة، كما وردت في بعض التفاسير التوراتية، تمتد «من النيل إلى الفرات»، حيث تحول هذا الشعار إلى مرجعية أيديولوجية، وظفها قادة الحركة الصهيونية للتأكيد على أن إقامة دولة الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، ليس هو نهاية المطاف، بل بداية لمشروع أوسع يستند إلى الوعد الإلهي.
وبينما انطلقت الحركة الصهيونية في أوروبا كمشروع قومي علماني بالأساس، إلا أنها لم تتردد في استدعاء الرموز الدينية والأساطير التاريخية، من أجل تبرير أهدافها السياسية الغير المشروعة، وهكذا، تشابكت الفكرة القومية مع الرؤية التوراتية، لتشكل قاعدة صلبة لنزعة التوسع والاستيطان، المستمر في السياسات الإسرائيلية.
»إسرائيل الكبرى» في أدبيات بني صهيون
ظهر الشعار مبكرا، في كتابات زعماء الصهيونية، ومنهم زعيمهم «تيودور هرتزل»، مؤسس الحركة الصهيونية العالمية، وإن لم يصرح به بشكل مباشر، إلا أنه مع مرور الوقت، صارت الفكرة أكثر وضوحا، في وثائق رسمية وأدبيات سياسية، كان أبرزها ما عرف بـ«خطة ينون»، التي صدرت في 1982، ودعت إلى إعادة رسم خرائط المنطقة العربية، على أسس طائفية وعرقية، بشكل يتيح لإسرائيل السيطرة والتفوق، كما تبنت بعض الحركات الدينية-السياسية، داخل تل أبيب، هذا الشعار بشكل علني، واعتبرته التزاما عقائديا، مرتبطا باليهودية، كذلك الأحزاب اليمينية المتطرفة، وعلى رأسها حزب «الليكود»، طالما رددت في برامجها الانتخابية شعارات تتعلق بالسيطرة على كامل «أرض إسرائيل التاريخية»، أو ما يسمونه بـ «أرض الميعاد»، بما يشمل «الضفة الغربية، وقطاع غزة، وأجزاء من الأردن، وسوريا، وسيناء، ولبنان».
»إسرائيل الكبرى» من العقيدة إلى الممارسة
الفكرة التوسعية لم تبق مجرد شعارات، بل ترجمت إلى سياسات عملية على الأرض، فالكيان الإسرائيلي، منذ نشأته، تبنى استراتيجية توسعية واضحة، حيث توسعت إسرائيل عام 1948، لتشمل أراضي تفوق بكثير حدود قرار التقسيم الأممي، وفي 1967، احتلت الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة وسيناء والجولان، في وقت واحد، ولم تتوقف منذ ذلك الحين عن بناء المستوطنات، وتهويد القدس وفرض وقائع جديدة، تخدم مشروع السيطرة، ما أوضح أن
كافة هذه الممارسات الاستيطانية ليست مجرد نزاعات حدودية، بل انعكاس لعقلية ترى في الوجود الإسرائيلي مشروعاً غير مكتمل، وأن تثبيت السيادة يحتاج إلى توسع دائم وإضعاف محيطها العربي بشكل كلي.
كيف كشف الرئيس السادات خطة «إسرائيل الكبرى»؟
كان الرئيس محمد أنور السادات، أول من أوائل القادة العرب الذين تحدثوا بشكل صريح، عن فكرة إسرائيل الكبرى، دون مواربة، وربطها بالسياسات التوسعية الإسرائيلية في المنطقة، فبعد حرب أكتوبر 1973، كان يرى أن الصراع مع إسرائيل، لا ينحصر فقط في فلسطين أو سيناء، بل يرتبط بمشروع أكبر تسعى لتحقيقه، وقال ذلك في خطاباته العلنية وتصريحاته للصحافة، وحذر من أن إسرائيل لا ترى في حدودها الحالية نهاية لمطامعها، بل تعتبر نفسها بمرحلة أولى نحو ما يسمى بـ «إسرائيل الكبرى».
وتحدث الرئيس السادات، أمام مجلس الشعب عام 1974، وقال: «إن إسرائيل، تسعى للسيطرة على المنطقة كلها، من خلال مخطط استراتيجي طويل المدى»، وأشار إلى أن فكرة «إسرائيل الكبرى»، ليست مجرد وهم، بل سياسة واضحة تعتمد على الاحتلال العسكري، والتوسع الاستيطاني، واستغلال الدعم الأمريكي والغربي.
وخلال مفاوضات السادات، مع الولايات المتحدة الأمريكية، بعد نصر حرب أكتوبر المجيدة، شدد على أن الهدف الإسرائيلي يتجاوز حدود 1967، كما أنه كان دائم التصريح إلى المسؤولين الأوروبيين والوسطاء: «إسرائيل لن تكتفي بما عندها، هي تسعى للتمدد من النيل إلى الفرات، وما لم توقفوها فستدخل المنطقة كلها في دوامة حروب لا نهاية لها».
وفي كتابه «البحث عن الذات» عام 1978، كتب الرئيس السادات، أن ما يسميه الإسرائيليون بـ «أرض الميعاد»، هو الأساس العقائدي لفكرة «إسرائيل الكبرى»، واعتبر أن هذه الفكرة تتجلى في سياسة الاستيطان، ورفض الانسحاب من الأراضي المحتلة، وهو ما شاهده مباشرة خلال المفاوضات مع قادة إسرائيل بعد نصر أكتوبر 1973، فعندما ذهب إلى القدس، عام 1977، كان واعيا بأن إسرائيل، تحاول تطبيع وجودها لتقنن مشروعها التوسعي، لذلك ركز في خطابه أمام الكنيست على ضرورة الانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة، وأن الأمن لا يتحقق بالتوسع بل بالسلام، وهو الخطاب الذي كشف فيه للعالم، أن إسرائيل، تستخدم شعار الأمن كذريعة لمشروع «إسرائيل الكبرى»، و فضح التناقض بين ادعاء تل أبيب، البحث عن الأمن وممارستها سياسات توسعية، وطموحها في الهيمنة الإقليمية.
توظيف «إسرائيل الكبرى» في السياسة الإسرائيلية
على الرغم من أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، لم تعلن رسميا، تبني شعار «إسرائيل الكبرى»، إلا أن سياساتها تسير في اتجاه يخدم هذا المشروع، خاصة أن المفاوضات مع الفلسطينيين، على سبيل المثال، منذ بداية الصراع العربي الإسرائيلي، لم تتجاوز كونها وسيلة لشراء الوقت وتثبيت الاستيطان، فضلا عن أن استراتيجيات إسرائيل الأمنية والعسكرية، التي أقيمت على ضرب العمق العربي وإثارة النزاعات الداخلية في دول المنطقة، تعكس رؤية «خطة ينون»، التي تسعى إلى إعادة تفكيك الدول العربية المحيطة بإسرائيل، إلى كيانات ضعيفة يسهل السيطرة عليها.
كذلك فإن إسرائيل، في علاقاتها الدولية، تحاول تسويق نفسها كقوة إقليمية مركزية، لا غنى عنها للغرب في إدارة الشرق الأوسط، حيث يتناغم هذا الطموح مع فكرة التوسع، إلا أنه ليس بالضرورة عبر الاحتلال المباشر، بل من خلال النفوذ السياسي والاقتصادي والأمني.
في المقابل، ومع تغير الظروف الإقليمية والدولية، وجدت تل أبيب، نفسها، مضطرة لإعادة صياغة استراتيجياتها، ففكرة «إسرائيل الكبرى»، بصيغتها الكلاسيكية، أي السيطرة الجغرافية المباشرة من النيل إلى الفرات، باتت صعبة التحقيق في ظل المتغيرات الدولية، وفشل مخطط ثورة الربيع العربي في مصر «درة تاج الشرق الأوسط»، رغم نجاحه في دول عربية أخرى، ضمت تونس وليبيا وسوريا واليمن، فضلا عن صعود قوى إقليمية مثل إيران والصين وروسيا، واستمرار المقاومة الفلسطينية، إلا أن العقلية الصهيونية لم تتخل عن الفكرة الإجرامية، بل أعادت إنتاجها في شكل جديد، يعتمد على عدة محاور، أبرزها الاختراق الاقتصادي، عبر اتفاقيات التطبيع، وتوسيع الشراكات التجارية والتكنولوجية مع بعض الدول العربية، ثانيا التفوق العسكري، وهو ضمان تفوق نوعي على كل دول المنطقة، بمساعدة أمريكية وغربية، بالإضافة إلى التفتيت السياسي، من خلال تشجيع الانقسامات الداخلية في الدول العربية والإسلامية لإضعافها، وأخيرا، الحضور الثقافي والإعلامي، في محاولة لفرض روايتها للتاريخ، وتطبيع وجودها في الوعي العربي الجمعي.
لمقاومة العربية والفلسطينية للفكرة
على الجانب الآخر، لم تقف الشعوب العربية والفلسطينيون، مكتوفي الأيدي أمام هذا المشروع الإجرامي، حيث شكلت المقاومة بمختلف أشكالها، سواء المسلحة أو السياسية أو الثقافية، حاجز صد أساسي، أمام تحقيق فكرة «إسرائيل الكبرى»، فتل أبيب، رغم قوتها العسكرية والدعم الغربي والأمريكي، لها، إلا أنها لم تنجح في فرض سيطرة كاملة على فلسطين، ولا على محيطها العربي، خاصة الشعب المصري، حتى أن التطبيع السياسي الذي حدث في السنوات الأخيرة، مع عدد من الدول العربية، يظل هشاً على مستوى الشعوب، حيث لا يزال الكل الشعب العربي، يرفض الاعتراف بإسرائيل، ككيان طبيعي في المنطقة، ولن يقبل بها، إذ أن هذا الرفض الشعبي، يعكس وعيا متجذرا، بأن المشروع الصهيوني قائم على التوسع والهيمنة، وليس على التعايش.
ويمكن القول إن «إسرائيل الكبرى»، ليست مجرد حدود جغرافية، بل رؤية أيديولوجية متغلغلة في العقلية الإسرائيلية، ومشروع يستند إلى نصوص توراتية وتفسيرات أيديولوجية، يعكس نزعة توسعية لم تتوقف منذ نشأة الكيان وحتى اليوم، وإن اختلفت أدواتها وأساليبها، يستند على الاستعلاء الديني والقومي، اعتبار من أن اليهود «شعب الله المختار»، يحق له السيادة على الآخرين، كذلك الهوس الأمني والإيمان بأن أمن إسرائيل، لا يتحقق إلا عبر السيطرة على الجوار، علاوة على التوسع المستمر، ورفض الاكتفاء بالحدود القائمة والسعي الدائم لفرض واقع جديد.
لكن فكرة «إسرائيل الكبرى»، مهما بدت متجذرة، فإنها تحمل في طياتها بذور فشلها، فالمشروع الذي يقوم على نفي الآخر واغتصاب أرضه، محكوم بمقاومة دائمة، كما أن المتغيرات الدولية، وتعدد الأقطاب وصعود قوى جديدة، إلى مسرح السياسة الدولية، إلى تنامي وعي الشعوب، تجعل من الصعب على إسرائيل فرض هيمنة مطلقة داخل المنطقة العربية، خاصة أن فكرة «إسرائيل الكبرى»، ليست وهما من الماضي، بل رؤية حاضرة ومتجددة، في العقلية والعقيدة الإسرائيلية، قد تتخذ أشكالا مختلفة ومتعددة، عبر الزمن، سواء من الاحتلال العسكري المباشر إلى الاختراق الاقتصادي والسياسي، لكنها تبقى مشروعا توسعيا، يستهدف إعادة تشكيل المنطقة العربية لصالح التفوق الصهيوني، يستوجب تفكيكه، من خلال قراءة واعية لجذور الفكرة التاريخية والدينية، وفهم كيف تترجم إلى سياسات عملية، كما يتطلب من الدول العربية والفلسطينيين، على مستوى الحكومات والشعوب، إدراك أن مواجهة المشروع الصهيوني لا تتم فقط بالعمل العسكري، بل أيضا عبر بناء قوة داخلية متماسكة، وتنمية اقتصادية، ووحدة سياسية، ومقاومة ثقافية تحافظ على الهوية والوعي، ففي الوقت الذي قد تراهن فيه إسرائيل، على أن الزمن في صالحها، لكن حقائق التاريخ والجغرافيا والمقاومة الشعبية العربية، أثبتت بما لا يدع مجالا للشك، أن المشاريع القائمة على العدوان والهيمنة، لا يمكن أن تقوم ولا تدوم، وأن فكرة «إسرائيل الكبرى»، ستبقى حلماً مستحيلاً، عصيا، ما دامت هناك شعوب تؤمن بحقها في الوجود والحرية، وما زالت هناك «مصر» صخرة تتحطم عليها أوهام المستعمرين.