من 11 سبتمبر إلى 9 سبتمبر: عندما تتحول ذريعة «مكافحة الإرهاب» إلى غطاء لإعادة تشكيل الشرق الأوسط بالدم والنار

الأربعاء، 10 سبتمبر 2025 06:00 م
من 11 سبتمبر إلى 9 سبتمبر: عندما تتحول ذريعة «مكافحة الإرهاب» إلى غطاء لإعادة تشكيل الشرق الأوسط بالدم والنار
الضربة الإسرائيلية على الدوحة
دينا الحسيني

قبل يوم واحد فقط من الذكرى الرابعة والعشرين لهجمات 11 سبتمبر على أمريكا والتي هزت العالم وغيرت وجه السياسة الدولية، فجرت إسرائيل ضربة جوية في قلب العاصمة القطرية الدوحة استهدفت مقرًا لقيادة حركة حماس. ضربةٌ أثارت موجة إدانات، ووضعت الولايات المتحدة في موضع الاتهام مجددًا باعتبارها على علم مسبق بالعملية، لتعود إلى الواجهة نفس الأسئلة التي طُرحت منذ عقدين: هل مكافحة الإرهاب المزعومة هدفا في حد ذاته، أم ذريعة لتبرير التدخلات الأمريكية والإسرائيلية وإعادة تشكيل المنطقة بما يخدم مصالح واشنطن وحلفائها؟

في صباح 11 سبتمبر 2001 تغيّرت خريطة العالم إلى الأبد. الطائرات التي اصطدمت ببرجي مركز التجارة العالمي لم تسقط فقط رموز الاقتصاد الأمريكي، بل دشنت مرحلة جديدة من الهيمنة السياسية والعسكرية على الشرق الأوسط. ومنذ تلك اللحظة، أصبح «مكافحة الإرهاب» العنوان العريض الذي دخلت تحته الولايات المتحدة حروبًا لا تنتهي، وجعلت من منطقتنا ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات.

وبعد 24 عامًا بالتمام والكمال، ، جاء التاسع من سبتمبر 2025 بضربة إسرائيلية في الدوحة وقعت تحت أعين وبتنسيق مسبق مع واشنطن – حسبما أكدت تقارير متعددة – لم تكن مجرد عملية عسكرية عابرة، بل امتداد طبيعي لمسار بدأ مع 11 سبتمبر. وهى الضربة التى مهد لها بنيامين نتنياهو متبجحا بمحاربته الإرهاب متجاهلا جرائمه الغير مسبوقة فى غزة.

من أفغانستان إلى العراق، ومن سوريا إلى اليمن، كانت الذريعة دائمًا واحدة: القضاء على الإرهاب، رفعت واشنطن هذا الشعار لتبرير الغزو والاحتلال، بينما كان الواقع أن الخريطة السياسية للمنطقة تُعاد تشكيلها بالنار والدم.

في 2001 دخلت القوات الأمريكية كابول بحجة مطاردة القاعدة، فخرجت بعد عقدين تاركة وراءها دولة منهكة وعصابات مسلحة أكثر خطورة

في 2003 غزت العراق بحجة «أسلحة الدمار الشامل» المرتبطة بالإرهاب، فنتج احتلال دموي وانهيار الدولة وصعود «داعش».

في سوريا واليمن، استُخدم نفس المنطق لتبرير التدخلات، وكانت المحصلة واحدة: فوضى بلا نهاية.

اليوم، تعيد إسرائيل إنتاج نفس الرواية بمباركة أمريكية. تُستهدف الدوحة تحت شعار ملاحقة «قادة حماس»، تمامًا كما كانت بغداد وكابول وصنعاء ودمشق مسرحًا للذرائع ذاتها. الفرق أن الفاعل المباشر هذه المرة ليس واشنطن وحدها، بل تل أبيب، فيما الولايات المتحدة تحافظ على دور «المظلة» التي تمنح الغطاء وتحدد سقف اللعبة.

المفارقة المؤلمة أن من 11 سبتمبر إلى 9 سبتمبر، من نيويورك إلى الدوحة، يظل الثمن مدفوعًا من الشرق الأوسط: ملايين القتلى والجرحى في العراق وأفغانستان وسوريا واليمن، تدمير اقتصادات وتشريد شعوب بأكملها، إضافة إلى صعود موجات متتالية من التنظيمات الإرهابية، التي وُلدت من رحم الحروب والفوضى نفسها، فضلا عن تهديد سيادة الدول العربية، حتى تلك التي حاولت أن تلعب دور الوسيط والضامن للاستقرار.

الضربة في قطر لم تكن مجرد استهداف لمبنى أو شخصية، بل كانت استهدافًا لدور سياسي حاول أن يوازن بين الأطراف. الرسالة واضحة: لا حصانة لأحد عندما تتعارض المصالح الأمريكية والإسرائيلية مع حسابات أي طرف إقليمي.

وسط هذه المعادلة، يبقى لمصر دور محوري. فبينما تضعف الوساطات الأخرى تحت وقع الضربات أو الحسابات الضيقة، تستطيع القاهرة أن تقدم نفسها كقوة إقليمية متوازنة تدير الملفات بحساسية أكبر، بعيدًا عن منطق «الحرب بلا نهاية» الذي لم يحقق استقرارًا لأي طرف.

هذه اللحظة التاريخية بالنسبة لمصر تحمل معنى خاصًا. فمنذ 11 سبتمبر دفعت المنطقة كلها ثمن السياسات الأمريكية، لكن مصر استطاعت أن تحمي نفسها من مصير شبيه بالعراق أو سوريا أو اليمن، بفضل ثورة 30 يونيو التي أغلقت الباب أمام مشروع تحويلها إلى ساحة للفوضى. واليوم، مع ضربة الدوحة، تتأكد الحاجة إلى الدور المصري كوسيط قوي ومتزن، قادر على أن يملأ فراغ الوساطات الأخرى ويمنع انزلاق المنطقة إلى مزيد من التوتر.

مصر تدرك أن استمرار منطق «الحرب على الإرهاب» كما تفهمه واشنطن وتل أبيب يعني ببساطة استمرار النزيف. لذلك، هي الأكثر تمسكًا بفكرة الحلول السياسية، والتوازن بين الأمن والاستقرار، بعيدًا عن معادلة «الذريعة الدائمة» التي لم تنتج إلا المزيد من الأزمات.

من 11 سبتمبر 2001 إلى 9 سبتمبر 2025، مرّ ربع قرن تقريبًا، لكن الخيط لم ينقطع: ذريعة الإرهاب تُستخدم مرارًا لتبرير الحروب، والسياسات تُرسم في واشنطن وتُنفذ في تل أبيب، والضحايا دائمًا من شعوب المنطقة.

ويبقى السؤال الذي يجب أن نطرحه نحن – أبناء هذه المنطقة – بوضوح: إلى متى سيظل الشرق الأوسط يدفع ثمن سياسات الآخرين؟ ومتى يتحول من ساحة تُفرض عليها المعارك إلى قوة تصنع قراراتها وتفرض إرادتها.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة