الأزهر في عقول وقلوب الآسيويين

الخميس، 18 سبتمبر 2025 04:18 م
الأزهر في عقول وقلوب الآسيويين
يوسف أيوب

الثلاثاء الماضي، وأثناء عودتي من رحلة عمل في إمارة الشارقة، وأثناء وجودي داخل مطار دبي، وجدت عشرات من الشباب والفتيات الآسيويين أمام المدخل المخصص لركوب الطائرة المتجهة إلى القاهرة. واللافت أنهم جميعًا كانوا يرتدون سترات كُتب عليها: "مركز العربية في قلوبنا". وبينما كنت أتساءل عن هذه المجموعة، ولماذا هم ذاهبون إلى القاهرة، هل للدراسة أم لشيء آخر؟ والأهم: ما هي جنسيتهم؟
 
وبينما الأسئلة تتدفق في ذهني، اقترب مني أحدهم وسألني بلغة عربية بدت وكأن صاحبها يخطو أولى خطوات تعلمها:
"هل أنت مصري؟"
فأجبته: "نعم، أنا مصري."
حينها ارتسمت ابتسامة واسعة على وجهه، وسرعان ما انضم إلينا أربعة من زملائه، يبدو أنهم تلقوا إشارة منه. فسألتهم عن جنسيتهم، فأجابوا: "من إندونيسيا."
كِدتُ أسبقهم بالأسئلة التي تدور في خاطري عن رحلتهم وغرضها، لكن أحدهم باغتني بسؤال مباشر: "أين تسكن في مصر؟"
قلت له: "في الجيزة."
فرد سريعًا: "جميل جدًا.. نحن سنسكن في الحي السابع". لكنه بدا مترددًا وكأنه نسي بقية التفاصيل، فتدخل زميله وأكمل: "في مدينة نصر."
 
سألتهم عن سبب زيارتهم للقاهرة، فقال أحدهم: "ذاهبون للتعلم في جامعة الأزهر."
ومن هنا بدأت خيوط الحوار، وتولى أحدهم الإجابة عن أسئلتي:
 
ما الكليات التي ستدرسون بها؟
بعضنا سيلتحق بكلية أصول الفقه، وآخرون بكلية أصول الدين.
 
كم عددكم؟
على هذه الرحلة نحن 76 طالبًا وطالبة، وقبل أسبوع سبقتنا دفعة أولى إلى مصر.
 
هل هذه أول مرة تزورون فيها مصر؟
نعم، كلنا نزورها لأول مرة.
 
هل كان اختياركم الدراسة في جامعة الأزهر بمنحة من الأزهر أو من الحكومة الإندونيسية؟
لا، بل من أموالنا الخاصة. كل المجموعة جاءت على نفقتها الخاصة.
 
ولماذا لم تحصلوا على منحة؟
لأن لدينا القدرة على الإنفاق، كما أننا نريد ترك المنحة لغيرنا.
 
ولماذا اخترتم الأزهر تحديدًا ما دامت ليست منحة؟
لأن الأزهر قبلة العلم والعلماء، وهو أفضل جامعة تقدم تعليمًا إسلاميًا. نحن مسلمون ونريد أن نتعلم الدين وأصوله من الأزهر، وقد كان هذا حلمًا لنا جميعًا، والحمد لله تحقق اليوم.
 
من أين جئتم؟ وكيف تعلمتم اللغة العربية؟
نحن من جاوا، وتعلمنا العربية في "مركز العربية" بجاوا الشرقية. وخلال دراستنا في الأزهر سيتحسن مستوانا في العربية أكثر مما تسمعه الآن.
 
وقبل أن يُنادى على الركاب للصعود إلى الطائرة، بادرني أحدهم بسؤال: "سمعنا كثيرًا عن مصر.. هل هي فعلًا جميلة؟"
فأجبته: "لن أحدثك عن مصر، بعد أربع ساعات ستكون هناك، وسترى بنفسك جمالها، وتحكم عليها بعينيك لا بأعين الآخرين."
 
ودعتهم وتمنيت لهم التوفيق في مهمتهم العلمية.
 
كان هؤلاء الشباب والفتيات لا يتجاوز عمر الواحد منهم 19 عامًا، ومن نظراتهم شعرت بشدة شوقهم إلى مصر والأزهر الشريف. وقد أيقنت أن حب الأزهر أمر متجذر في عقول وقلوب الآسيويين، وخاصة الإندونيسيين. ولولا ذلك ما قرر هؤلاء الشباب والفتيات أن يقطعوا كل هذه المسافة من إندونيسيا إلى مصر للدراسة على نفقتهم الخاصة، رغم قدرتهم على الذهاب إلى أوروبا أو غيرها من الوجهات. لكن ما رأيته في عيونهم أكد أنهم يملكون رغبة صادقة في دراسة العلوم الإسلامية في المكان الذي سمعوا عنه كثيرًا، وعن وسطيته وعلمه، فأرادوا أن يكونوا من خريجيه.
 
إنه الأزهر الشريف.. الذي كان وسيبقى منبر الوسطية، وأحد أقوى عناصر القوة الناعمة لمصر.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق