طلال رسلان يكتب: ملامح المستقبل.. مدبولي في مواجهة التساؤلات

السبت، 20 سبتمبر 2025 10:00 م
طلال رسلان يكتب: ملامح المستقبل.. مدبولي في مواجهة التساؤلات

المواطن أولوية.. والصعيد على خريطة التنمية..لا مساس بالصحة ولا تراجع عن التنمية

في لحظة حوارية حملت بين طياتها رسائل ثقة وطمأنينة، جلس الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، مع رؤساء تحرير الصحف والمواقع الإلكترونية، ليفتح الملفات الكبرى ويجيب بصراحة عن الأسئلة الأكثر إلحاحًا في وجدان الشارع المصري.

جاءت كلمات مدبولى في هذا اللقاء محملة بتأكيدات على ثوابت الدولة، ورؤية شاملة للمستقبل، وإصرار على أن المواطن سيظل محور كل قرار حكومي.

منذ البداية، ظهرت ملامح الثبات في الموقف المصري تجاه القضية الفلسطينية، إذ لم يترك، رئيس الوزراء، مجالاً للالتباس حول رفض أي محاولة لاقتلاع الفلسطينيين من أرضهم أو تصفية قضيتهم، مع الإصرار على استمرار الدعم الإنساني والسياسي لحقوقهم المشروعة. كان ذلك بمثابة إعلان صريح بأن ما يخص الأمن القومي والقضايا العربية لا يخضع لمساومات.

وحين طُرح ملف الاقتصاد، لم يبدُ رئيس الوزراء متردداً في وصف الطريق الذي تسلكه الدولة. الإصلاحات الجارية إذا استمرت بالوتيرة نفسها كفيلة بمنح الاقتصاد جرعة إضافية من الاستقرار، غير أن رياح المنطقة بما تحمله من صراعات وتوترات تظل عاملاً لا يمكن تجاهله. حديثه في هذا الشأن لم يتسم بالمبالغة أو التهوين، بل جاء متوازناً بين التفاؤل والحذر.

أما عن هموم الناس اليومية، فكانت له مقاربة مختلفة؛ إذ تحدث عن منظومة تجمع ما يكتبه الإعلام وما يتداوله الناس على شبكات التواصل، إضافة إلى تقارير يومية ومنصة شكاوى موحدة. بدا وكأن الهدف هو أن تكون الحكومة أقرب إلى نبض الشارع، لا مجرد مؤسسات مغلقة في مكاتبها.

ملف الصعيد كان حاضراً بقوة، حيث جرى استعراض ما تحقق خلال عقد كامل من مشروعات غير مسبوقة، لكن مع إدراك أن ما ينتظر هذه المناطق أكبر مما تحقق، سواء في الخدمات أو في فرص العمل التي يحتاجها الشباب.

وفي شأن الأسعار، لم ينكر "مدبولى" صعوبة المراقبة الكاملة لآلاف المنافذ المنتشرة في المدن والقرى، لكنه وضع الرهان على وعي المواطن نفسه، باعتباره شريكاً في مواجهة الاحتكار. هذه الشراكة بين الدولة والمجتمع بدت وكأنها خط الدفاع الأول عن العدالة في الأسواق.

وأكد الدكتور مصطفى مدبولي أن ما يُعرف بالاقتصاد الحر هو أحد آليات تشجيع القطاع الخاص، وفي المقابل فإن الإجراءات الجبرية لم تعد موجودة في آليات الأسواق في مختلف الدول، ونوه بضرورة أن يُساعد المواطن أجهزة الدولة الرقابية عبر الإبلاغ عن أي ممارسات احتكارية، خاصة أن لدينا مئات الآلاف من نقاط البيع والتوزيع، وهو الأمر الذي يجعل من الصعب تحقيق رقابة كاملة على مئات الآلآف من منافذ البيع خاصة في القرى، لذلك فإن دعم المواطن للأجهزة الرقابية مُهم للغاية في هذا الإطار.

الحديث عن الثقافة والإعلام أخذ بعداً مختلفاً؛ فالتوجه الرئاسي الذي يستند إليه رئيس الوزراء يقوم على إشراك المؤسسات الإعلامية والفنية في صياغة خارطة طريق جديدة، حيث لا يكون الإعلام مجرد ناقل للأخبار، بل صناعة مؤثرة في الوعي العام، جنباً إلى جنب مع المسرح والسينما والدراما.

وعند التطرق إلى القضايا الوجودية، كان ملف المياه حاضراً بقوة. النيل بالنسبة لمصر ليس مورداً طبيعياً فحسب، بل شريان حياة لا يمكن التفريط فيه. هذا اليقين جاء مصحوباً بالإشارة إلى التعاون مع دول حوض النيل، لكن دون أن يغيب عن الأذهان أن حماية الحقوق المائية مسألة لا تحتمل التهاون.

الطاقة بدورها شكلت محوراً مهماً، خصوصاً ما يتعلق بحقل "ظهر" الذي شهد تذبذباً في الإنتاج. ومع عودة الأمور إلى طبيعتها بعد تسوية المستحقات، يُنتظر أن تستعيد الحقول مستويات إنتاجها القصوى خلال أعوام قليلة، ما يعزز الثقة في قدرة الدولة على تأمين احتياجاتها.

وعندما طُرحت مسألة انسحاب الدولة من الصحة والتعليم، جاء الرد عملياً بالأرقام والحقائق، فأكد مدبولى أن: ملايين العمليات الجراحية التي تمت على نفقة الدولة، توسع غير مسبوق في الجامعات والمدارس، وتطوير ملموس للتعليم الفني. بدا وكأن الدولة تسعى لإثبات حضورها في هذه القطاعات لا للتراجع عنها.

وفي مشهد آخر من الرؤية المستقبلية، برزت مشروعات استصلاح الأراضي وتشييد البنية التحتية العملاقة في قلب الصحراء. لا يقتصر الأمر على إضافة أراضٍ جديدة للزراعة، بل على بناء مدن جديدة كالعاصمة الإدارية والعلمين، باعتبارها ضرورة وجودية تستوعب الأجيال القادمة وتوسع الحيز العمراني الذي يعيش عليه المصريون منذ عقود.

ملفات أخرى حملت الطابع الاجتماعي والاقتصادي ظهرت أيضاً في تصريحات مدبولى الذى قال إن الإيجارات القديمة التي تحتاج إلى إعادة توازن يحمي المستأجرين من جهة ويعيد الحياة إلى العقارات من جهة أخرى؛ الدعم العيني الذي يمهد الطريق للتحول إلى دعم نقدي أكثر دقة وعدالة؛ وإيرادات قناة السويس التي تأثرت بالاضطرابات لكنها ما زالت تمثل شرياناً أساسياً للاقتصاد الوطني.

وحين جاء الحديث عن المستقبل البعيد، لم يغب الذكاء الاصطناعي أو نظام البكالوريا الجديد عن ذهن رئيس الحكومة، فالأول بات جزءاً من المناهج الدراسية ابتداءً من العام المقبل بالتعاون مع مؤسسات دولية، والثاني يشكل نقلة تدريجية في النظام التعليمي تمنح الأسرة المصرية خيارات أوسع.

ويشأن التعامل مع منطقة وسط البلد ، قال رئيس الوزراء إن منطقة وسط البلد مسجلة كمنطقة ذات طابع عمراني خاص ولا يستطيع أحد التغيير من هذا الطابع المعماري أو العمراني الخاص بها، مستشهدا في هذا الإطار بجهود إعادة إحياء عدد من المعالم التاريخية في منطقة وسط البلد مثل حديقة الأزبكية التي عادت الآن أفضل مما كانت عليه ، وأوضح أن أعمال إعادة إحياء المنطقة تتم بالشراكة بين الدولة والقطاع الخاص.

وعقّب الدكتور مصطفى مدبولي على تساؤل خاص بجهود الحكومة للتحول من الدعم العيني إلى الدعم النقدي، حيث أشار إلى أن هذا التحول يتطلب إعداد قاعدة بيانات متكاملة يمكن من خلالها الانتقال من الدعم العيني إلى الدعم النقدي، وهذا يتم العمل عليه من خلال وزارة التموين، مضيفًا: يتم الان وضع الخطط اللازمة لبدء التطبيق التجريبي في أول مرحلة، حيث تم التوافق على اختيار محافظة سيتم التطبيق التجريبي بها.

وردًا على سؤال من أحد الحضور حول موقف خروج الأموال الساخنة، أكد مدبولي أن هذه الأموال ليست محسوبة على الاطلاق في الاحتياطيات الخاصة بالبنك المركزي، وبالتالي نستخدمها كأداة لتساعد في اتزان السوق المحلية في هذه المرحلة، ولكن لا يتم الاعتماد عليها في الأرقام والمؤشرات.

وحول ربط صندوق النقد الدولي مسألة المراجعات بإجراءات محددة، قال رئيس الوزراء إن الحكومة المصرية هي التي وضعت البرنامج وحددت مستهدفات بعينها، والصندوق يقوم بالمراجعة بناء على الاتفاق الذي تم توقيعه، وتوجد بعض الإجراءات ، نتيجة للظروف والمستجدات ، نجد أن التوقيت ليس مناسبا لاتخاذها أو تنفيذها، مؤكدًا أن الدولة المصرية لا يملى عليها أي شيء، وعندما ترجئ الدولة مراجعة ما لتوقيت معين يكون نتيجة أنه ليس في صالح الدولة التنفيذ في ذلك الوقت.

وفي ختام اللقاء، لم تكن كلمات رئيس الوزراء مجرد عبارات بروتوكولية، بل إصرار على أن التنمية ستستمر، وأن المواطن سيبقى في قلب الخطة، وأن الإعلام شريك لا غنى عنه في ترسيخ الثقة بين الدولة والمجتمع. كانت رسائل تطمئن الداخل وتواجه الشائعات وتفتح نوافذ الأمل على المستقبل.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق