المتحف المصري الكبير شامخًا أمام الأهرامات ليُكمل دائرة المجد
السبت، 20 سبتمبر 2025 06:13 م
استعدادات مكثفة للافتتاح العالمى لأكبر صرح ثقافي وسياحي عالمي.. وإطلاق خطة لوجستية لاستقبال الضيوف
50 ألف قطعة أثرية جاهزة لإبهار الزوار من كل دول العالم.. ونسبة الإنجاز في المنطقة المحيطة تتجاوز 95%
ينتظر العالم أجمع بفارغ الصبر لحظة افتتاح المتحف المصري الكبير، ذلك الصرح الحضاري المهيب الذي يُعد أكبر مشروع متحفي في العالم مُكرس لحضارة واحدة.
في الأول من نوفمبر المقبل، ستسلط أنظار البشرية نحو الجيزة، حيث يقف المتحف المصري الكبير شامخًا أمام أهراماتها الخالدة، ليُكمل دائرة المجد التي بدأت منذ آلاف السنين.
يمتد المشروع الطموح على مساحة تتجاوز 500 ألف متر مربع، ويضم في جنباته أكثر من 50 ألف قطعة أثرية، من بينها كنوز الملك الذهبي توت عنخ آمون، والتي تُعرض للمرة الأولى بشكل كامل في مكان واحد، بالإضافة إلى مقتنيات تغطي مراحل التاريخ المصري من عصور ما قبل الأسرات وحتى العصرين اليوناني والروماني.
لكن المتحف ليس فقط مخزنًا للآثار، بل هو مجمع ثقافي متكامل يعكس التزام الدولة المصرية بمواكبة العصر وتقديم مزيج متناغم من التاريخ، التكنولوجيا، والسياحة المستدامة، ليصبح بوابة مصر الجديدة إلى العالم.
الحكومة تسابق الزمن في تجهيزات الافتتاح
وتتسابق الجهات الحكومية المصرية لتجهيز كل التفاصيل الخاصة بافتتاح المتحف المصري الكبير، الذي يُعد حدثًا عالميًا على مستوى التراث والثقافة.
والأسبوع الماضى، تفقد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، المنطقة المحيطة بالمتحف المصري الكبير؛ استهلها بتفقد الأعمال الجارية لتطوير مطار سفنكس الدولي، حيث أكد مدبولى أن المطار يعد إحدى الواجهات الجوية الحديثة لمصر، وبوابة استراتيجية تربط غرب القاهرة بالمناطق السياحية والأثرية، لافتا إلى أهميته المتزايدة مع اقتراب افتتاح المتحف المصري الكبير، باعتباره مشروعا حضاريا عالميا سيجذب ملايين الزوار من مختلف أنحاء العالم، كما أكد أن مطار سفنكس الدولي يتميز بموقعه الجغرافي الفريد قرب منطقة الأهرامات والمتحف المصري الكبير، مما يجعله مركزا محوريا لاستقبال الوفود الرسمية والسائحين، ويعزز دوره كبوابة جوية رئيسية تخدم حركة السياحة والسفر في مصر.
وشدد مدبولي على مراعاة الحرص الدائم على صيانة المرافق والمناطق الخدمية بمطار سفنكس الدولي، مؤكداً ضرورة الالتزام التام بحُسن استقبال جميع الضيوف والزائرين، وتقديم مختلف التيسيرات اللازمة لإنجاز مهامهم أثناء تواجدهم في المطار، مع استمرار الصيانة لجميع المرافق، وتواجد المسئولين بصفة دائمة في مواقع العمل والإشراف التام على تذليل أي معوقات قد تطرأ في أسرع وقت.
كما تفقد رئيس مجلس الوزراء أعمال التطوير الجارية أمام المطار، حيث أوضحت الدكتورة هند عبد الحليم، نائب محافظ الجيزة، أنه تم الانتهاء من زراعة النخيل والأشجار بنسبة 100%، كما تم الانتهاء من شبكات الري، وحفر الآبار ومغطيات التربة، وفيما يتعلق بأعمال الكهرباء، أشارت نائب المحافظ إلى أنه تم الانتهاء من فرد الكابلات الكهربائية، كما تم الانتهاء من تركيب كشافات الإنارة بنسبة تنفيذ تبلغ 90%.
وبعدها تابع مدبولى أعمال التطوير الجارية بالمنطقة المحيطة بالمتحف المصري الكبير والطرق المؤدية إليه، ضمن ترتيبات الاستعداد لافتتاح المتحف، حيث شدد رئيس الوزراء على ضرورة الانتهاء من تنفيذ أعمال التطوير الجارية بالمنطقة المحيطة بالمتحف، بصورة تليق وتتناسب مع أهمية المتحف كأكبر صرح لعرض الآثار في العالم، وبما يتماشى وقيمته الحضارية والثقافية، مؤكداً اهتمام الدولة بتطوير ورفع كفاءة هذه المنطقة على أعلى مستوى، باعتبارها واجهة حضارية وسياحية لمصر، وبما يُسهم في تحسين الرؤية البصرية للمنطقة، وجذب المزيد من الحركة السياحية لها، وتوفير تجربة فريدة للزائرين.
وقالت هند عبد الحليم، نائب محافظ الجيزة، أنه يتم تنفيذ الأعمال وفقاً لأعلى معايير الجودة بما يضمن ظهور المنطقة في أبهى صورة حضارية تعكس مكانة مصر أمام العالم، موضحة أن أعمال التطوير شملت الطرق والميادين والأرصفة وأعمال الإنارة والتشجير والزراعات وتنسيق الموقع وتنسيق اللافتات الإعلانية، مضيفة أنها تضمنت أيضًا رفع كفاءة البنية التحتية وتحسين السيولة المرورية بالمحاور المؤدية إلى المتحف.
وتفقد "مدبولى" منطقة "ميدان الرماية"، حيث تم الانتهاء من أعمال الدهانات وتركيب الانترلوك بنسبة 100%، وفيما يتعلق بأعمال الزراعات تم الانتهاء من زراعة النخيل وأعمال شبكة الري بنسبة 100%، وفيما يخص موقف "أعمال الكهرباء" تمت الإشارة إلى الانتهاء من تركيب وحدات الإنارة بنسبة 100 %، ثم توجه لتفقد طريق الفيوم من ميدان الرماية حتى الطريق السياحي، مروراً بالركاب، حيث تم الانتهاء من أعمال الدهان والإنترلوك وصب الخرسانة بنسبة 100%، كما تم الانتهاء أيضاً من زراعة النخيل والأشجار وأعمال شبكة الري بنسبة 95%، بينما تم الانتهاء من تركيب كشافات النخيل وقواعد كشافات الأشجار بنسبة 100%، إلى جانب الانتهاء من تركيب لوحات الكهرباء بنسبة 80%، وأعمال تركيب وحدات الإنارة بنسبة 90 %.
وبشأن "شارع مساكن الضباط"، تم التنويه إلى الانتهاء من أعمال دهانات سور نادي الرماية وتركيب الإنترلوك بنسبة 100%، كما تم الانتهاء من تركيب محطات الانتظار والمقاعد الخشبية وسلات المهملات بنسبة 100%، إلى جانب التطرق إلى موقف "أعمال الزراعات" والتي تضمنت الانتهاء من زراعة النخيل والأشجار وشبكات الري بنسبة 100%، وفيما يخص "أعمال الكهرباء" تمت الإشارة إلى تركيب كشافات النخيل وقواعد كشافات الأشجار بنسبة 100%، وتركيب لوحات الكهرباء وأعمدة ووحدات الإنارة بنسبة 100 %.
كما تفقد مدبولي منطقة خلف المتحف بجوار توسعات الطريق الدائري، حيث تم الانتهاء من أعمال الدهانات وتركيب الإنترلوك بنسبة 100%، والانتهاء من توريد وتركيب الرخام بنسبة 100%، وفيما يخص "أعمال الزراعات" تمت الإشارة إلى الانتهاء من شبكة الري وزراعة الأشجار بنسبة 100%، وفيما يتعلق بـ "أعمال الكهرباء" تم الانتهاء من تركيب كشافات الإنارة بنسبة 100 %.
وخلال جولته التفقدية للممشى السياحي، استمع رئيس الوزراء إلى شرح من شريف فتحي، وزير السياحة والآثار، والذي أشار إلى أن الدولة تستعد لافتتاح المتحف المصري الكبير بما يعزز مكانة مصر كوجهة سياحية عالمية رائدة، لافتاً إلى أن افتتاح المتحف هو أحد الأحداث المهمة المرتقبة عالمياً، مُشيداً بالجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة بمختلف أجهزتها لإنهاء جميع الترتيبات الخاصة بالافتتاح، وتطوير المنطقة المحيطة بالمتحف، موضحاً أن "الممشى السياحي" يربط بين المتحف المصري الكبير ومنطقة الأهرامات، لافتاً إلى أنه يتمتع بطابع حضاري ومعماري متميز، ويصل إلى منطقة الأهرامات الأثرية محافظاً على الهوية البصرية للمنطقة.
وقال اللواء عاطف مفتاح، المشرف العام الهندسي لمشروع المتحف المصري الكبير والمنطقة المحيطة، إن الممشى يمتد على مسافة تقارب 1.27 كم، ويبلغ متوسط عرضه ما بين 13.5 متر إلى 27.5 متر، لافتاً إلى أن "الممشى السياحي" يبدأ من منطقة الانتظار الخاصة بالمتحف المصري الكبير مروراً بطريق الفيوم، حيث الهوية البصرية للمتحف المصري الكبير، ليصل داخل المنطقة الأثرية بهويتها ونسيجها التاريخي والحضاري، موضحاً أن الممشى تم تصميمه وتنفيذه على مستوى عالمي يليق بأهمية وقيمة المنطقة، في إطار الخطة السياحية الشاملة للدولة للنهوض بمنطقة الأهرامات الأثرية ومحيط المتحف، ليوفر مسارًا مباشرًا ومريحًا بين المتحف ومنطقة الأهرامات، يشمل إمكانية السير مشيًا أو باستخدام مركبات كهربائية صديقة للبيئة.
الاحتفال على مستوى عالمي
في 11 سبتمبر الجارى، عقد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، اجتماعًا مع كبار المسؤولين لمتابعة الاستعدادات النهائية للاحتفالية الكبرى، بحضور شريف فتحي، وزير السياحة والآثار، والدكتور أحمد غنيم، الرئيس التنفيذي لهيئة المتحف المصري الكبير، والسفير ياسر شعبان، مساعد وزير الخارجية للشئون الثقافية، والمهندس أحمد يوسف، الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للتنشيط السياحي، والسفير الدسوقي يوسف، المشرف على افتتاح المتحف المصري الكبير "من وزارة الخارجية"، ومحمد السعدي، عضو مجلس إدارة الشركة المتحدة، المشرف العام على التجهيز لاحتفالية افتتاح المتحف المصري.
وأكد رئيس الوزراء أن الاحتفال سيكون على مستوى عالمي، مع حضور كبار الشخصيات الرسمية والقيادات الثقافية من مختلف دول العالم، حيث تم إرسال الدعوات وتنسيق ترتيبات الإقامة والتنقل للوفود الرسمية بدقة عالية، مشيداً في الوقت نفسه بحصول المتحف على تقرير معتمد دوليًا لقياس انبعاثاته الكربونية خلال تشغيله، في خطوة تعكس التزام مصر بالمعايير البيئية الدولية، ومفهوم الاستدامة ضمن رؤية تطوير المتحف وصيانته.
وخلال الاجتماع، استعرض السفير ياسر شعبان مستجدات الوضع بالنسبة للجهود التي قامت بها وزارة وزارة الخارجية ــ حتى الآن ـ بشأن تأكيدات الدعوات المرسلة لكبار المسئولين والشخصيات المهمة والبارزة لحضور الاحتفالية، كما تم استعراض الإجراءات والتحضيرات الجارية بالتنسيق بين مختلف الوزارات والجهات المسئولة المعنية بالدولة بشأن الاستضافة والتنقلات للوفود الأجنبية المختلفة، وما يتضمنه ذلك من حجوزات الإقامة بالفنادق وغيرها.
واستعرض محمد السعدي، الفقرات المقترحة لفعاليات الاحتفالية، ومختلف الترتيبات المتعلقة بها، والتي تشرف عليها الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية.
وخلال الاجتماع تم ايضاً استعراض معدلات التنفيذ المتقدمة للأعمال بالساحات الخارجية للمتحف، والتجهيزات الخاصة بتهيئة المتحف من الداخل لفعاليات الافتتاح، كما تم تناول الموقف الخاص بتنفيذ الممشى السياحي الذي يربط المتحف بمنطقة الأهرامات وينقل الزوار بين النقطتين، وأعمال الإنارات المنفذة لهذا الممشى التي تخلق تجربة زيارة ليلية مميزة، وموقف استكمال مشروعات تطوير المنطقة المحيطة بالمتحف المصري الكبير، ضمن ترتيبات الاستعداد للافتتاح، بما في ذلك الطرق المؤدية إليه، وأيقونات الهوية البصرية للمتحف، كما تم استعراض عدد من الأعمال المطلوبة لاكتمال الترتيبات الخاصة بهذا الجانب.
ويشهد المتحف المصري الكبير منذ 16 أكتوبر الماضي تشغيلاً تجريبياً لعدد من الأماكن به، كما بدأت هيئة المتحف بداية من شهر فبراير الماضي، في تطبيق مواعيد الفتح الرسمية الجديدة لهذه الأماكن، حيث يستقبل المتحف زائريه صيفاً وشتاءً طوال أيام الأسبوع من الساعة التاسعة صباحاً وحتى الساعة السادسة مساءً، كما يشهد المتحف فتحاً مسائياً يومي السبت والأربعاء من كل أسبوع من الساعة التاسعة صباحاً وحتى الساعة التاسعة مساءً.
قصة ولادة صرح عالمي
بدأت فكرة إنشاء المتحف المصري الكبير في تسعينيات القرن الماضي، حين شعرت الدولة المصرية بالحاجة إلى متحف جديد يليق بعظمة الحضارة المصرية القديمة، ويخفف الضغط عن المتحف المصري بالتحرير. ففي عام 2002، تم وضع حجر الأساس لهذا المشروع العملاق في موقع استراتيجي متميز على بُعد 2 كيلومتر فقط من أهرامات الجيزة، ليكون أقرب نقطة اتصال بين الماضي العريق والمستقبل الواعد.
وأُعلنت آنذاك مسابقة معمارية دولية برعاية منظمة اليونسكو والاتحاد الدولي للمعماريين، تنافس فيها أكثر من 1500 تصميم من 83 دولة، وفاز بها التصميم المقدم من مكتب Heneghan Peng Architects الأيرلندي، والذي استلهم شكله الهندسي من أشعة الشمس الممتدة من قمم الأهرامات الثلاثة، لتتقاطع عند نقطة تشكل كتلة المتحف الرئيسية.
وفي عام 2005 بدأ العمل فعليًا على تجهيز الموقع والإنشاءات، وفي عام 2006 تم افتتاح أكبر مركز لترميم الآثار في الشرق الأوسط داخل المتحف، ليكون بمثابة ورشة علمية متكاملة لترميم وصيانة وحفظ الآثار. وقد وُضع هذا المركز تحت إشراف نخبة من العلماء المصريين والدوليين، وهو ما عكس التزام مصر بالمعايير الدولية في إدارة التراث الثقافي.
وصدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2795 لسنة 2016 بإنشاء وتنظيم هيئة المتحف المصري الكبير، قبل أن يصدر القانون رقم 9 لسنة 2020 بإعادة تنظيم هيئة المتحف كهيئة عامة اقتصادية تتبع الوزير المختص بشئون الآثار، كما أصدر رئيس الجمهورية قراراً بتشكيل مجلس أمناء هيئة المتحف المصري الكبير برئاسته، وعضوية عدد من الشخصيات البارزة والخبراء الدوليين والمصريين، ويختص المجلس بإقرار السياسة العامة والخطط اللازمة لهيئة المتحف، ودعم ومتابعة نشاطه. فيما يتولى إدارة المتحف مجلس للإدارة برئاسة الوزير، وعضوية كلٍ من: الرئيس التنفيذي لهيئة المتحف المصري الكبير، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، الرئيس التنفيذي لهيئة المتحف القومي للحضارة المصرية، الرئيس التنفيذي للهيئة المصرية العامة للتنشيط السياحي، الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، رئيس مجلس إدارة الاتحاد المصري للغرف السياحية، والمستشار القانوني للوزير، إلى جانب عدد من الخبراء المتخصصين في مجالات (الآثار، الاقتصاد، القانون، الإدارة، التعاون الدولي، والتسويق).
وخلال السنوات التالية، ورغم التحديات السياسية والاقتصادية التي مرت بها البلاد، استمر العمل على هذا المشروع بتصميم وإصرار، حتى اكتمل تشييد المبنى الرئيسي للمتحف في عام 2021، لتبدأ بعده مراحل التجهيز الداخلي والتشغيل التجريبي.
هندسة المكان وروعة التصميم الداخلي
يشكل المتحف المصري الكبير تحفة معمارية فريدة من نوعها، حيث صُمم ليكون أكثر من مجرد متحف، بل بيئة ثقافية متكاملة تمزج بين عبق التاريخ وحداثة التكنولوجيا.
يمتد المبنى على مساحة تزيد عن 300 ألف متر مربع، ويضم داخله مجموعة ضخمة من القاعات المخصصة للعرض، والمرافق الثقافية والترفيهية والخدمية، ومن أبرز المعالم التي تصادف الزائر فور دخوله إلى المتحف هو البهو العظيم (Grand Hall)، والذي يستقبله بتمثال ضخم للملك رمسيس الثاني يبلغ وزنه أكثر من 80 طنًا، بالإضافة إلى عدد من التماثيل الملكية الأخرى من عصور مختلفة.
أحد الابتكارات اللافتة هو المسلة المعلقة، وهي الأولى من نوعها في العالم، حيث عُلقت مسلة ضخمة فوق حفرة زجاجية، تتيح للزوار مشاهدتها من الأسفل، في تجربة تجمع بين الجرأة المعمارية والتفاعل البصري.
تتوزع داخل المتحف مجموعة من القاعات الدائمة، أهمها قاعة الملك توت عنخ آمون، والتي تضم أكثر من 5000 قطعة أثرية من كنوزه، يتم عرضها لأول مرة كاملة في مكان واحد.
وتستخدم القاعات أساليب عرض حديثة، تشمل الشاشات التفاعلية، الواقع المعزز، والعرض ثلاثي الأبعاد، مما يسمح للزائر بفهم خلفيات القطع وسياقها الحضاري بطريقة سهلة وغامرة، كما يحتوي المتحف على متحف مراكب خوفو، الذي تم نقل مركبه الشهير من جوار الأهرامات إلى مبنى مجهز خصيصًا داخل المتحف، في عملية تقنية هندسية دقيقة استمرت سنوات، ليُعرض هناك كأحد رموز الحضارة المصرية.
لا يقتصر المتحف على الجانب الأثري فقط، بل يضم أيضًا مرافق خدمية وثقافية مثل متحف للأطفال، مركزًا تعليميًا، قاعة مؤتمرات، مسرحًا، مكتبة، مناطق تجارية، مطاعم وكافيتريات، وحدائق متنوعة، ما يجعله مجمعًا متكاملًا يجذب فئات الزوار المختلفة.
ويُعد التصميم الداخلي للمتحف انعكاسًا لرؤية حديثة في مفهوم المتاحف، فهو لا يكتفي بعرض الماضي، بل يقدمه بأساليب عصرية تجعل الزائر جزءًا من الحكاية، في تجربة تجمع بين المعرفة والمتعة والترفيه.
محتويات المتحف وأبرز القطع الأثرية
يضم المتحف المصري الكبير مجموعة استثنائية من الآثار التي تحكي قصة الحضارة المصرية عبر آلاف السنين، بدءًا من عصور ما قبل الأسرات وحتى العصور اليونانية والرومانية، ومن بين الكنوز الأثرية الأبرز التي يعرضها المتحف للمرة الأولى بشكل كامل، مجموعة الملك توت عنخ آمون، منها المجوهرات، الأثاث، التماثيل، والعربات الملكية، والتي لم يسبق أن تم عرضها كلها معًا منذ اكتشاف مقبرته عام 1922.
كما يحتوي المتحف على مجموعة أثرية مميزة للملكة حتب حرس أم الملك خوفو، المشيدة الهرم الأكبر، بالإضافة إلى متحف مراكب الملك خوفو الذي يعرض المركب الشراعي الشهير الذي اكتُشف بجوار الهرم الأكبر ونُقل إلى المتحف بحرفية عالية.
إلى جانب القطع الملكية، يعرض المتحف آلاف القطع التي تمثل الحياة اليومية، الفن، الديانة، والعلوم في مصر القديمة، مثل تماثيل، نقوش، أدوات، وأوانٍ تستخدم في الحياة الروحية واليومية.
ويعتمد المتحف على أحدث تقنيات الترميم والصيانة، حيث تم إنشاء أكبر مركز لترميم الآثار في الشرق الأوسط داخل المتحف، مزود بأجهزة متقدمة تضمن حفظ وصيانة القطع الأثرية بجودة عالية.
وإضافة إلى العرض الدائم، يخصص المتحف قاعات للمعارض المؤقتة التي تستضيف قطعًا من متاحف أخرى حول العالم، كما يُنظم ندوات وورش عمل تعليمية تستهدف مختلف شرائح المجتمع، خاصة الشباب والأطفال لتعزيز الوعي بالتراث المصري.
ولا يقتصر المتحف المصري الكبير على كونه مكانًا لعرض القطع الأثرية فقط، بل يضم مجموعة واسعة من المرافق الثقافية والتعليمية التي تهدف إلى تقديم تجربة متكاملة للزوار.
كما يحتوي المتحف على متحف للأطفال مصمم خصيصًا ليتيح للصغار التعرف على تاريخ مصر القديمة بطريقة ممتعة وتفاعلية، مع أنشطة تعليمية وألعاب تعليمية تجمع بين الترفيه والتعلم، ويضم مركزًا تعليميًا متطورًا يُستخدم لعقد ورش عمل، دورات تدريبية، وندوات حول علوم الآثار والحضارة المصرية، ويستهدف الباحثين والطلاب والمهتمين بالتاريخ والثقافة.
ويحتوي المتحف أيضًا على مكتبة ضخمة تضم كتبًا ومراجع متخصصة في مجال الآثار والتاريخ المصري، بالإضافة إلى أرشيف رقمي يتيح للباحثين الاطلاع على قواعد بيانات موثقة للقطع الأثرية، بالإضافة إلى ذلك، هناك قاعة مؤتمرات ومسرح كبير يُستخدمان لعقد الفعاليات الثقافية والفنية، والعروض السينمائية والمحاضرات التي تغطي موضوعات متنوعة تتعلق بالتراث والآثار.
توجد أيضًا مناطق تجارية تشمل محال بيع الهدايا التذكارية، والمقاهي والمطاعم التي تقدم تجربة طعام مميزة، مع المحافظة على الهوية الثقافية المصرية في التصميم والخدمات.
الحدائق المحيطة بالمتحف تشكل جزءًا من التجربة السياحية، إذ تضم حديقة المنحوتات، وحديقة النخيل، والحديقة المدرجة التي توفر للزوار مساحات خضراء للاسترخاء والتمتع بجمال الطبيعة المحيطة.
ويُدار المتحف بشراكة بين جهات مصرية ودولية متخصصة في الإدارة والتسويق، ما يضمن جودة عالية في تقديم الخدمات وراحة الزوار، كما يوفر نظامًا متطورًا لحجز التذاكر والجولات الإرشادية لتسهيل تجربة الزيارة.
أهمية المتحف المصري الكبير ودوره في تعزيز السياحة والثقافة
يُعتبر المتحف المصري الكبير صرحًا حضاريًا عالميًا يعكس عظمة الحضارة المصرية القديمة، وهو مشروع وطني ضخم يسهم في تعزيز مكانة مصر على الخارطة السياحية والثقافية الدولية، ويمثل نقطة جذب رئيسية للسياح من جميع أنحاء العالم، خاصة عشاق التاريخ والآثار، حيث يوفر تجربة فريدة ومتكاملة تتيح للزائر التعرف على تفاصيل حياة قدماء المصريين بكل أبعادها الثقافية والفنية والعلمية.
كما يسهم المتحف بشكل كبير في تنشيط السياحة، التي تعد أحد الركائز الاقتصادية المهمة لمصر، من خلال توفير فرص عمل، وتعزيز الصناعات المرتبطة بالسياحة مثل الضيافة والنقل والتجارة.
إلى جانب الجانب الاقتصادي، يلعب المتحف دورًا مهمًا في توعية المجتمع المصري والعالمي بأهمية الحفاظ على التراث، ورفع الوعي بالقيمة الحضارية التي تمثلها الحضارة المصرية القديمة، مما يعزز الانتماء والهوية الوطنية، كما يعكس التزام مصر بالتنمية المستدامة من خلال تبني معايير بيئية متقدمة، وتقديم نموذج يحتذى به في دمج التكنولوجيا الحديثة مع الحفاظ على التراث الثقافي.
المتحف المصري الكبير ليس مجرد مكان لحفظ الآثار، بل هو مركز ثقافي وتعليمي عالمي، يربط الماضي بالحاضر ويمهد الطريق لمستقبل مشرق يتماشى مع رؤية مصر 2030 للتنمية الشاملة.