المظهر في المدارس.. بين الانضباط والحرية الشخصية

الإثنين، 22 سبتمبر 2025 07:20 م
المظهر في المدارس.. بين الانضباط والحرية الشخصية
شيرين سيف الدين تكتب:

في الأيام الأخيرة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تُظهر منع بعض الطلاب من دخول المدارس بسبب قصات الشعر أو الملابس غير اللائقة ، ورغم أن الهدف من هذه الإجراءات هو الحفاظ على الانضباط والالتزام بالمظهر المدرسي، إلا أن طريقة التعامل العنيفة والمنفرة قد تأتي بنتائج عكسية، وتزيد من عناد الطلاب بدلاً من تقويم سلوكهم.
 
لا أحد يرفض فكرة الانضباط أو يهوّن من شأن المظهر الخارجي ، بل على العكس أصبح من الضروري اليوم أن نؤكد على قيمة الالتزام بالمظهر الراقي والمهذب، خاصة داخل أسوار المدارس التي تُعد منابر للتربية قبل التعليم ، فالمظهر ليس مجرد حرية شخصية مطلقة، بل هو انعكاس لاحترام الطالب لنفسه ولمكان وجوده ، والاهتمام بالنظافة الشخصية، من قصّ الأظافر والشعر، وارتداء الزي المدرسي بطريقة لائقة، هو جزء من تكوين شخصية متوازنة تدرك قيمة الالتزام والانضباط.
 
ومع ذلك فإن المشكلة لا تكمن في القواعد ذاتها بقدر ما تكمن في أسلوب تطبيقها ، لذا فإن الحوار المنطقي المقنع أكثر تأثيراً من أي عقاب أو طرد ، ومن واجب المؤسسات التعليمية أن تضع قواعد واضحة وملزمة، تُعلن لأولياء الأمور وتُعلّق على أبواب المدارس، مع التأكيد على عدم التهاون في تطبيقها، لكن الأهم هو أن يتم شرح هذه القواعد للطلاب بطريقة تناسب مراحلهم العمرية وإقناعهم بها ، وهنا يبرز دور الحوار الهادئ الذي يوضح أن المظهر الخارجي جزء لا يتجزأ من شخصية الإنسان، وأنه رسالة أولى تعكس بيئته ومستوى وعيه وتظهر المجتمع كله بشكل متحضر وراقٍ .
 
ولعل من المفيد أن تستعين المدارس بأطباء نفسيين وتربويين لعقد ندوات دورية، خاصة مع بداية العام الدراسي، لتوعية الطلاب بأصول الذوق العام، من طريقة الحديث المهذب، إلى أسلوب تناول الطعام، والحفاظ على النظافة الشخصية والعامة واحترام الآخرين ونبز العنف والتنمر ، كي يتعلم الطلاب أن احترام الذات لا ينفصل عن احترام الآخرين والمكان الذي ينتمون إليه.
 
عندما نتأمل الأعمال الفنية في الأربعينيات والخمسينيات ندرك حجم الفارق ، فقد كان أبناء الأحياء الشعبية يتشبهون بأبناء الطبقات العليا في المظهر والكلام، وكان الرقي سمة عامة، حتى في أبسط البيئات ، ويكفي أن نتذكر على سبيل المثال كيف كان عبد الحليم حافظ يظهر في أدوار ابن الحارة بملابس مهندمة وقصة شعر أنيقة، أو كيف كانت فاتن حمامة في دور الطالبة الفقيرة تحلم بارتداء فستان راقٍ، فتقوم زينات صدقي بخياطة فستان أنيق من قماش الستائر ، إن الفن آنذاك لم يكن مجرد تسلية، بل كان انعكاساً لمجتمع يقدّر الذوق العام ويحترم البساطة الممزوجة بالاحترام.
 
اليوم، ومع ضغوط الحياة وتراجع دور بعض البيوت في التربية السليمة، باتت المدارس مطالبة بأن تسد هذه الفجوة بقوة ، لكن الحل لن يكون أبداً في العنف أو الطرد، بل في التقرب من الطلاب بالحوار والإقناع، خاصة في المراحل الأولى من التعليم، حيث إن "التعليم في الصغر كالنقش على الحجر".
 
إننا بحاجة إلى أن تعيد وزارة التربية والتعليم النظر في سياسات التعامل مع الطلاب، وأن تُلزم المدارس بتنظيم دورات مستمرة في التربية والسلوك، يستعينون فيها بمتخصصين قادرين على مخاطبة عقل الطالب ووجدانه ، فبدلاً من أن نصنع جيلاً متمرداً، يمكننا أن نصنع جيلاً واعياً، يدرك أن الالتزام ليس قيداً، بل هو بوابة إلى الاحترام والرقي وأنه يضيف للإنسان ويرفع من شأنه .
 
خلاصة القول:
المدارس ليست مجرد مكان لتلقين المعلومات، بل هي مؤسسة لتشكيل الشخصية ، ولن يتحقق ذلك إلا إذا انتقلنا من أسلوب العقاب الفوري إلى أسلوب التربية بالحوار والإقناع إلى جانب العقاب لم يستحقه بالطبع ، فبهذا فقط يمكن أن نرتقي بأبنائنا، ونستعيد صورة المجتمع الراقي الذي كان يوماً ما عنواناً لمصر.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق