عامان على الحرب في غزة.. جرائم إسرائيل عرض مستمر ومخطط التهجير لم يعد في السر
الأربعاء، 24 سبتمبر 2025 09:23 ص
مع اقتراب مرور عامين على اندلاع الحرب فى السابع من أكتوبر 2023، تبدو الكنائس والأديرة فى فلسطين شاهدة على فصل دموى جديد من فصول الصراع، إذ لم تسلم بيوت العبادة المسيحية من الصواريخ والضربات الجوية الإسرائيلية التى ألحقت بها دمارًا هائلًا وحولت جدرانها التى كانت تحمل صلوات المؤمنين إلى أنقاض تروى قصة معاناة إنسانية عميقة، إن الاعتداء على هذه الأماكن المقدسة لم يكن مجرد استهداف لأبنية حجرية بل كان ضربة لرمزية السلام والروحانية المتجذرة فى الأرض التى عرفت على مر العصور بأنها مهد الأديان.
كنائس تحت النار منذ الساعات الأولى
ومنذ الأيام الأولى للحرب، تحولت الكنائس في قطاع غزة إلى ملاجئ للمدنيين الذين فقدوا منازلهم، لكنهم وجدوا أنفسهم تحت مرمى القصف، ومن أبرز هذه الاعتداءات طال كنيسة القديس برفيريوس الأرثوذكسية التي تُعد أقدم كنائس غزة وأكثرها رمزية، حيث لجأ إليها العشرات من الأسر النازحة قبل أن تصيبها غارة إسرائيلية أدت إلى سقوط قتلى وجرحى تحت جدرانها العتيقة. الصور التي خرجت من داخل الكنيسة، حيث الأيقونات التاريخية سقطت أرضًا والمقاعد الخشبية تكسرت، حملت رسالة موجعة بأن حتى أماكن السلام لم تعد آمنة.
كما لم تسلم كنيسة العائلة المقدسة الكاثوليكية من نيران الحرب، فقد تعرضت محيطها لضربات عنيفة أحدثت دمارًا واسعًا وأجبرت النازحين على الرحيل مجددًا بحثًا عن ملجأ آخر في مدينة أضحت بلا مأوى.
الأديرة بين الصمود والخوف
الأديرة، التى لطالما كانت رمزًا للطمأنينة والتأمل، أصبحت بدورها ضحية مباشرة للقصف. ففي غزة تعرض دير الراهبات الوردية لأضرار جسيمة بعد استضافته عائلات كثيرة لجأت إليه هربًا من الموت، وقد تحولت بعض أجنحته إلى ركام كامل بينما تصدعت أجزاء أخرى جعلت الإقامة فيه مستحيلة. أما في القدس وبيت لحم، فقد عاش الرهبان والراهبات حالة من الذعر المتواصل بسبب القصف القريب الذي هزّ جدران الأديرة التاريخية، وأحدث تصدعات تهدد تراثًا روحانيًا وثقافيًا امتد لعصور.
استهداف لذاكرة ممتدة عبر القرون
ولم تكن خسارة الكنائس والأديرة مجرد دمار مادي بل ضياع لذاكرة ممتدة عبر قرون، إذ تعرضت الأيقونات القديمة والمخطوطات النادرة والزجاج الملون الذى يحكى قصص الأجيال للتلف أو التدمير. فى القدس الشرقية، دوّت الانفجارات بالقرب من كنيسة القيامة، أقدس كنائس العالم المسيحي، ما زرع الخوف في قلوب المؤمنين الذين اعتادوا أن يجدوا فيها ملاذًا للصلاة. وفي بيت لحم، التي تحتضن كنيسة المهد، أثارت الغارات القريبة مخاوف من أن تمتد يد الحرب إلى المواقع التي تعتبر قلب الهوية المسيحية في العالم.
جراح الروح ومعاناة المجتمع المسيحى
المجتمع المسيحي في فلسطين، وهو أقلية عريقة متجذرة في الأرض المقدسة، وجد نفسه أمام تهديد وجودي مضاعف؛ إذ لم يقتصر الخطر على فقدان البيوت والأرزاق بل تعداه إلى فقدان رمزية الأماكن المقدسة التي تمثل هوية وانتماء. تحولت الأعياد إلى صلوات استغاثة، وارتفعت التراتيل في مذابح محطمة، فيما باتت دموع المؤمنين جزءًا من الطقس اليومي للعبادة. الاعتداءات أصابت الروح في الصميم، حيث فقد كثيرون أحباءهم بينما كانوا يحتمون بجدران الكنيسة، ما ضاعف من حجم المأساة.
إدانات كنسية وعجز دولى
ولم تمر الاعتداءات بصمت على الساحة الدولية، فقد أدان الفاتيكان فى أكثر من مناسبة قصف الكنائس وطالب باحترام حرمة الأماكن الدينية، فيما أصدرت مجالس كنائس الشرق الأوسط بيانات حادة اللهجة اعتبرت استهداف الأديرة والكنائس جريمة حرب وخرقًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، ومع ذلك، ظل تأثير هذه الإدانات محدودًا على أرض الواقع، إذ واصل القصف الإسرائيلي ضرباته، ما كشف عن عجز المجتمع الدولي عن توفير حماية فعلية للمقدسات الدينية في قلب النزاع.
الذكرى الثانية: جراح لم تلتئم
ومع اقتراب مرور عامين على الحرب، ما زالت الكنائس والأديرة في فلسطين ترزح تحت أثقال الدمار، جدران متصدعة ومذابح محطمة وأيقونات باهتة الألوان باتت جزءًا من المشهد اليومي الذي يختلط فيه الحزن بالصمود. لكن رغم عمق الجراح يصر المسيحيون على البقاء وممارسة طقوسهم الدينية من بين الأنقاض، رافعين صلواتهم للسلام والنجاة. لقد أثبتوا أن الكنيسة ليست مجرد بناء من الحجر، بل هي جماعة مؤمنة قادرة على النهوض من الركام وإعادة الحياة إلى أروقة كانت شاهدة على الدمار.
صمود الروح فى مواجهة الحرب
وتعتبر الاعتداءات الإسرائيلية على الكنائس والأديرة منذ السابع من أكتوبر وحتى اليوم ليست مجرد أحداث عابرة، بل جرح غائر فى جسد فلسطين الروحى والثقافى. فالصواريخ لم تدمر فقط جدرانًا عتيقة بل أصابت هوية وذاكرة ممتدة عبر قرون. ومع ذلك، يظل صمود المسيحيين الفلسطينيين، الذين يرفعون صلواتهم وسط الركام، علامة فارقة على أن الروح لا تنكسر مهما اشتدت قسوة الحرب. الكنائس المدمرة، برغم ما لحق بها من أنقاض، ما تزال رمزًا لقوة الإيمان وقدرته على البقاء، لتكتب بدموع ودماء أبنائها قصة جديدة من قصص الصمود الفلسطيني في وجه أعتى العواصف.