لا تقنطوا فهذا الليل سينتهي
الأحد، 28 سبتمبر 2025 09:00 ص
سقطت بغداد في 1258 وضرب الوجع قلب كل عربي ومسلم لكنها كانت ضربة الصحو والاستفاقة فبعد صراع مرير توحدت مصر تحت قيادة القائد الفذ سيف الدين قطز
أنظرُ أنا المسلم العربي المصري جنوبًا، فلا أشاهد سوى السودان الحبيب الشقيق وهو يتمزق تحت وطأة حرب جنونية، الرابح فيها خاسر، أنظر غربًا فلا أجد سوى ليبيا الشقيقة الحبيبة وهى تدفع ثمن الأهواء والتشرذم والفرقة، أذهب ببصري شرقًا فلا أبصر سوى قواعد لا تحمي أحدًا، لا تحمي حتى الذين أنفقوا عليها الغالي النفيس، أذهب ببصري شمالًا فأجد الحبيب الشقيق لبنان العصفوري التكوين وهو ينزف دماء قلبه، ثم أجد أحد جناحي دولة الوحدة، سوريا الحبيبة الشقيقة والعدو يقصفها مع كل وجبة، أكاد أجن، ثم أصرخ أما لهذا الليل من آخر؟
أقلب كتبي القديمة، ليس من باب إضاعة الوقت أو من باب دغدغة المشاعر أو من باب بث الطمأنينة في غرفات القلب الذي تمزقه سياط الحزن على أمتي التي كانت عظيمة مهابة.
أقلب كتبي القديمة فأجد ورقة تقول: عندما حل العام 1258 كان المغول هم سادة الأرض، لقد أصبحوا أقوى قوة عسكرية عرفتها البشرية، كانوا يقضون على الأخضر واليابس، وأيامها كانت ممالك ودول المسلمين هي الأغنى والأكثر تقدمًا ومدنية وتحضرًا، هجم المغول على كل ما هو إسلامي، فلم تصمد أمامهم مملكة أو دولة، لقد فتكوا بالدولة الخوارزمية ثم تمكنوا من كل بلدان الشام وعلى رأسها فلسطين، ثم قرروا الحصول على الجائزة الكبرى، إنهم الآن في طريقة إلى عاصمة الدنيا وقلعة الإسلام والعروبة، إنهم ذاهبون إلى بغداد عاصمة الخلافة العباسية التي شكلت عبر قرون إمبراطورية لم تكن الشمس تغيب عنها، أين مصر في تلك الملحمة؟.. لقد كانت مصر واقعة أيامها في قبضة خلافات داخلية مهلكة، فكل أمير من أمراء المماليك كان يحارب أخاه!
تقدم هولاكو بجيشه المتوحش باتجاه بغداد فحاصرها لأيام قلائل، قبل أن تنهار دفاعتها ويفر حرسها!.
هل تعرف وطأة سقوط العاصمة؟
اللهم لا تجربنا، اللهم لا تكتب علينا يومًا كيوم سقوط بغداد.
تضيف كتبي القديمة: لقد بدأت جيوش المغول في الوصول إلى مشارف العاصمة بغداد في اليوم التاسع والعشرين من شهر يناير من العام 1258 (احتفظ بالتاريخ فسنعود إليه)، وفي صباح العاشر من فبراير من العام ذاته تم للمغول ما أرادوا، لقد خربوا العاصمة وقتلوا الخليفة ودمروا كل شيء، حتى الكتب التي هي كتب قاموا بتدميرها، لقد قضوا على كل معالم الحضارة التي حكمت العالم لقرون.
كل الجناح الآسيوي من العالم الإسلامي هو الآن في قبضة المغول، لقد حقق هولاكو فوق ما كان يحلم به، هل سيعود الآن إلى بلاده قائدًا منتصرًا فذًا، لقد قضى على إمبراطورية المسلمين والعرب.
لا، يا صاحبي، ما تزال درة التاج بعيدة عن يديه، وما درة التاج سوى مصر، لو أخذ مصر فيحصل مجانًا على كل إفريقيا ولن تقف في وجهه قوة، مصر هي رمانة الميزان، وهي الكتلة الصلبة الصلدة التي لو فتتها فسينتهي كل شيء مرة واحدة وإلى الأبد.
تعالوا نسترجع تاريخ سقوط بغداد، لقد سقطت في العام 1258، لقد ضرب الوجع قلب كل عربي ومسلم، ولكنها كانت ضربة الصحو والاستفاقة، فبعد صراع مرير توحدت مصر تحت قيادة القائد الفذ سيف الدين قطز الذي تمكن من توحيد صفوف المماليك وضم إليه أشدهم في القتال وعلى رأس هؤلاء القائد التاريخي الظاهر بيبرس.
لقد أمعن القادة المصريون النظر في خارطة المعارك، فأدركوا أن المغول تمركزوا على بعد حجر من مصر، قواتهم المتقدمة وقاعدتهم المركزية في قلب فلسطين، هم يريدون مصر لا شك في ذلك.
الصحوة جعلت قطز والذين معه، يستعدون على أكمل وجه ممكن لمعركة فاصلة، نحن الآن في العام 1260، لقد مر عامان فقط على نكبة اقتلاع الخلافة وقتل الخليفة وتدمير العاصمة بغداد، مر عامان فقط، وكان المغول يقدرون أن العرب والمسلمين لن تقوم لهم قائمة إلا بعد مئة سنة على أقل تقدير، ولكن "ليس سوى أن تريد"، لقد أراد المصريون القضاء على تلك الهمجية الجنونية التي تدمر كل شيء وتبيد كل شيء ولا تحترم معنى أو قيمة.
ترى كيف كانت مشاعر الجيش وقياداته؟
إنه جيش شاهد بعينيه عاصمة خلافته وهي تدمر، وشاهد الحليفة وهو يقتل وشاهد كنوز الحضارة وهي تباد.
إنه جيش ذاهب إلى معركة صفرية، نكون أو لا نكون، للأسف لا تتحدث كتبي القديمة عن الأحاسيس أو المشاعر، ولكني أجزم الآن أن الخوف لم يكن يعرف طريقًا لقلوب هؤلاء السادة.
تقدم جيشنا العظيم حتى وصل إلى سهل عين جالوت الواقع بين بيسان ونابلس، لقد ذهب الجيش إلى قاعدة المغول المركزية، وفي صباح يوم الخامس والعشرين من شهر رمضان المبارك من العام 658 هجرية الموافق للثالث من سبتمبر من العام الميلادي 1260، جرت ملحمة عين جالوت.
في عامين فقط وبعد قاصمة الظهر في بغداد، عاد الأسد ليصول ويجول، لقد عاد العملاق ليقضي على الهمجية، قاتل الجيشان أشد القتال، جيش العدو كانت يدرك أنها الفاصلة، وجيشنا العظيم كان يبحث عن إحدى الحسنيين، نصر أو شهادة، تواصل القتال المر إلى أن تقدم بطل من أبطال جيشنا هو القائد الأمير جمال الدين آقوش الشمسي، وبضربة واحدة أسقط رأس قائد جيوش العدو، لقد قتل كتبغا، وبقتله لاحت تباشير الصباح وانتهى الليل الطويل الثقيل.