أسورة المتحف المصرى تكشف الخلل في مراقبة معمل الترميم
السبت، 27 سبتمبر 2025 11:00 م
مراجعة أمنية شاملة لمعامل الترميم وتركيب كاميرات للحفاظ على المقتنيات الأثرية وسرية عمليات الترميم
هزت واقعة اختفاء الأسورة الذهبية من معمل الترميم بالمتحف المصري بالتحرير الرأي العام، وتحولت خلال ساعات من مجرد منشور على مواقع التواصل الاجتماعي إلى قضية شغلت الدولة بكامل مؤسساتها. بيانات رسمية صدرت تباعًا من وزارة الداخلية ثم النيابة العامة، قبل أن يظهر شريف فتحى، وزير السياحة والآثار، ليؤكد وجود تراخٍ في الإجراءات الأمنية، ويفتح ملف غياب كاميرات المراقبة داخل غرف الترميم، وهو الجدل الذي لا يزال قائمًا حتى الآن.
وكشفت مصادر لـ"صوت الأمة" عن مراجعة أمنية شاملة لمعامل الترميم في المتحف المصرى وكافة المتاحف، لتركيب كاميرات مراقبة، على غرار الموجودة في معامل الترميم في المتحف المصرى الكبير والمتحف القومى للحضارة، موضحة أن هناك تنسيقاً يجرى حالياً بين وزارتى الداخلية والسياحة والأثار، لمنع تكرار واقعة سرقة الأسورة، خاصة مع وجود توصية يجرى تنفيذها حالياً لزيادة الرقابة الأمنية، من خلال منظومة متكاملة داخل معامل الترميم، للحفاظ على المقتنيات الأثرية، وفى نفس الوقت الحفاظ على سرية عمليات الترميم.
بدأت القصة مع تداول منشورات على السوشيال ميديا تتحدث عن فقدان الأسورة الذهبية من داخل معمل الترميم بالمتحف المصري، ومع ساعات قليلة تصدر الخبر النقاش العام، وارتفعت مطالبات بالتحقيق ومحاسبة المسؤولين.
وزارة الداخلية أعلنت في بيان رسمي إنه: «في إطار كشف ملابسات ما تبلغ لوزارة الداخلية بتاريخ 13 سبتمبر الجاري من وكيل المتحف المصري، أخصائي ترميم بالمتحف، لاكتشافهما اختفاء أسورة ذهبية تعود للعصر المتأخر من داخل خزينة حديدية بمعمل الترميم داخل المتحف.
أسفرت التحريات عن أن مرتكبة الواقعة أخصائية ترميم بالمتحف المصري، وأنها تمكنت من سرقة الأسورة بتاريخ 9 سبتمبر أثناء تواجدها بعملها بالمتحف بأسلوب المغافلة، وقيامها بالتواصل مع أحد التجار من معارفها، صاحب محل فضيات بالسيدة زينب، والذي قام ببيعها لمالك ورشة ذهب بالصاغة مقابل مبلغ 180 ألف جنيه، وقيام الأخير ببيع الأسورة لعامل بمسبك ذهب مقابل مبلغ 194 ألف جنيه، حيث قام بصهرها ضمن مصوغات أخرى لإعادة تشكيلها.
عقب تقنين الإجراءات تم ضبط المذكورين، وبمواجهتهم اعترفوا بارتكاب الواقعة، وتم ضبط المبالغ المالية حصيلة بيع الأسورة بحوزتهم، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية".
بعد بيان الداخلية، أصدرت النيابة العامة بياناً قالت خلاله إنها باشرت تحقيقاتها في واقعة فقد إحدى القطع الأثرية من داخل معمل الترميم بالمتحف المصري؛ حيث انتقلت لمعاينة محل الواقعة عقب ندب خبراء الإدارة العامة للأدلة الجنائية لرفع ما قد يُسفر عنه الفحص من أدلة مادية. كما استمعت إلى عدد من مسؤولي المتحف وأفراد تأمينه للوقوف على آلية تداول الأثر المفقود بين أقسام المتحف، وتحفظت على المستندات ذات الصلة.
وكلفت النيابة العامة جهات البحث بإجراء التحريات حول الواقعة، والتي أسفرت عن تحديد الموظفة المختصة بالمعمل بوصفها مرتكبة واقعة الاختلاس. وعليه، أمرت النيابة العامة بضبط الموظفة المذكورة، فتم ضبطها رفقة ثلاثة متهمين آخرين. وباستجواب المتهمة الأولى أقرت باختلاس الأثر من محل عملها وتسليمه للمتهم الثاني لبيعه كسوار من الذهب، بعد أن أتلفت الأحجار الكريمة المثبتة به. ثم سلمه المتهم الثاني إلى الثالث للغرض ذاته، فتوجه الأخير إلى المتهم الرابع الذي اشتراه وزنًا كقطعة من الذهب وقام بسبكه، وقد قطعت التحريات بحسن نية المتهمين الأخيرين.
بيان النيابة العامة أشار إلى عن رصد مخالفات أبرزها: مخالفة ضوابط تنظيم العمل بمخازن الآثار المعتمدة من اللجنة الدائمة للآثار المصرية خلال عام 2023، وذلك بشأن إجراءات تسليم وتسلم القطع الأثرية؛ إذ اقتصر الأمر على إثبات الأثر بمحضر تحركه دون أي توقيعات بالتسليم أو التسلم، فضلًا عن عدم جرد خزانة المعمل بصفة يومية. وأوصت بإعداد سجل خاص بحركة الأثر في المعمل، وآخر للخزانة مع استيفاء التوقيعات بهما، منع دخول الحقائب الشخصية برفقة المرممين وتفتيشهم عند الخروج، تركيب آلات تصوير داخل المعمل.
ما أشارت إليه النيابة العامة، سبق أن أكده وزير السياحة والأثار، الذى قال إن مهام التأمين تقوم بها إدارات متخصصة، لكن لا توجد مكاتب شرطية داخل غرف الترميم نفسها، باعتبارها مناطق عمل فنية خاصة بأمناء الترميم والخبراء، مع الإشارة إلى أن كاميرات المراقبة موجودة فقط في مداخل ومخارج المتحف، بينما تخلو معامل الترميم منها، لافتًا إلى أن هذا النظام معمول به في كثير من المتاحف العالمية لحماية خصوصية بيئة العمل الفني.
وشكل الوزير شريف فتحى، لجنة عليا لمراجعة منظومة التأمين بالكامل، بما في ذلك النظر في تركيب كاميرات داخل المعامل باستخدام تقنيات متقدمة تراعي حساسية العمل الفني، بجانب زيادة عدد أفراد الأمن المدربين وتطبيق نظم دخول وخروج إلكترونية للموظفين والقطع الأثرية.
الواقعة فجرت جدلاً واسعًا حول أسباب غياب الكاميرات عن غرف الترميم، حيث يرى خبراء أن غياب الكاميرات يهدف إلى حماية سرية العمل الفني، لكن أصوات أخرى شددت على أن حماية القطع الأثرية تقتضي وجود مراقبة على مدار الساعة حتى لو تطلب الأمر استخدام كاميرات مصممة خصيصًا لتلائم بيئة العمل الدقيقة.
المطالبات تصاعدت بتركيب كاميرات ذكية مزودة بفلاتر ضوئية أو حساسات حركة وربطها بغرفة تحكم مركزية لرصد أي حركة غير مبررة، بما يحقق الرقابة دون التأثير على بيئة الترميم.
ومع ضبط الجناة واستعادة المبالغ المالية الناتجة عن بيع الأسورة، تبقى الواقعة نقطة فاصلة في إعادة النظر بمنظومة تأمين الآثار المصرية. ويرى مراقبون أن سرعة تحرك الدولة وضبط المتهمين رسالة مهمة للمجتمع الدولي بأن مصر تتعامل مع تراثها باعتباره قضية أمن قومي.