الغائب الحاضر ... عبد الناصر الأكثر حضورا فى الأدب العربي والعالمى بين التقديس والنقد .. هالة شعبية وحضور رغم الغياب
الأحد، 28 سبتمبر 2025 03:49 م
هانم التمساح
كانت فاجعة المصريين والأمة العربية فى وفاة الزعيم جمال عبدالناصر عظيمة؛ و ما زالت الوفاة المفاجئة للرئيس جمال عبد الناصر عن عمر يناهز 52 عامًا و 8 أشهر و13 يوما تثير التساؤلات عما أمات عبد الناصر فى هذه السن المبكرة ،و جاء حضور ناصر فى الرواية متراوحًا بين التقديس والانتقاد الحاد ، وهى الصورة التى طالما شكّلت محورًا أساسيًّا فى الأدب العربى عن الزعيم الأكثر حضورًا فى أدبنا العربى وربما العالمى أيضًا.
الرجل الذى أقنع فى ساعات قليلة الملك الأردنى حسين والزعيم الفلسطينى ياسر عرفات بوقف إطلاق النار وإنهاء المواجهة الدامية التى عرفت بـ "أيلول الأسود "، ظهر عليه الإرهاق عقب المحادثات الطويلة الشاقة لكن الأمر لم يصل بأقصى المتشائمين إلى توقع رحيله بهذه السرعة، تاركا أمته تعانى الهزيمة والفقدان، فلم يكن ناصر يعانى من مرض عضال أو حالة صحية متدهورة تجعل رحيله أمرًا متوقَّعًا، بل كانت فحوصاته الطبية تشير إلى أن حالته مستقرة نسبيًّا.
وعقب إنتهاء القمة العربية الطارئة بساعات ، كان الزعيم الخالد جمال عبدالناصر قد أنهى لتوه دوره وحضور آخر فعاليات تلك القمّة التى دعا هو بنفسه إلى عقدها بشكل عاجل، ردًّا على أحداث أيلول الأسود، لكن الرجل الذى لم يستطع العدو أن ينال منه فى حرب الأيام الستة، نالت منه الانكسارات واحدة تلو الأخرى، وأخذت من روحه حتى أسلمها إلى بارئها، منتصرًا فى عيون أمته وإن لم ينتصر فى ميدان الحرب ، وظل رمزا يخلده أحرار العالم فى كل مكان فى امريكا اللباتينية وأفريقيا وأسيا باعتباره رمزا للتحرر الوطنى .
رحل الرمز الوطنى ابن المؤسسة العسكرية الوطنية ،التى صنعت منه رمزا لايعرف الإنكسار وهو فى الثانية والخمسين من عمره، لكنّه ارتبط فى وجدان المصريين والعرب بصورة ملحمية صنعت منه أسطورة، وجعلته يقف جنبًا إلى جنب مع أبطال الوجدان الشعبى العربى، مثل عنترة بن شداد وأبى زيد الهلالى.
وتناول الأدب العربي سيرة جمال عبدالناصر هو الغائب الحاضر فى روايات عربية شتى؛ بعضها كان حضوره فيها مركزيًا، وبعضها جاء حضوره غير مباشر ورمزيًا، صور متناقضة بين التقديس والنقد، لكن بشكل عام لم تنشغل الرواية العربية بزعيم، سبق أو تلا ناصر، كما انشغلت به، فقد ظل الرجل إلى اليوم الأكثر حضورًا فى السرد العربى، فى رحلة بدأت فى ستينيات القرن الماضى ولم تنتهِ بعد، وربما لن تنتهى أبدًا.
ولاتختلف صورة الزعيم فى الادب العربي كثيرا صورته عن صورته الحقيقية بهالته اللامعة وحضوره الشعبى الذى لا يُضاهَى، يُمثّل تحدّيًا لأى قلم يُقرر أن يقترب من حِماه، وأن يتعاطى مع حكايته التى يراها ملايين الناس مُنتمية لهم كما لصاحبها، وربما أكثر، لكنه بالرغم من ثِقَل الحضور، وعاطفية الغياب، وذكراه التى لا تموت لدى محبيه وكارهيه رغم مرور السنوات؛ حل ضيفًا على كثيرين من الكتاب، وحجز موقعًا قد لا يُدانيه أحد فى مدوّنة الأدب الحديث.
ولعل نجيب محفوظ من أكثر الروائيين العرب الذين استعانوا بصورة الزعيم فى أعمالهم، فقد بدا ناصر أكثر حضورًا من أى زعيم آخر فى روايات عميد الرواية العربية، ففى رواية أمام العرش مثلاً، يقف ناصر أمام هيئة المحكمة فى صورة تخييلية، يحاول فيها أديب نوبل محاسبته على مواقفه وأعماله، بين انتصاراته للفقراء وهزائمه فى المعارك. وبينما مزجت مراسم محاكمته بين الإعجاب والتوبيخ، اختار محفوظ أن يضعه فى خانة المخلّدين، إذ رأت المحكمة أنّ عبدالناصر من القلّة التى قدّمت لبلادها بقدر ما أساءت إليها.
و استلهم الروائى الراحل جمال الغيطانى شخصية الزعيم فى رواياتهم، ففى روايته كتاب التجليات يحضر ناصر حضورًا رمزيًّا وعجائبيًّا، إذ تتماهى صورته مع صورة الأب، حتى يخال للراوى أن عبدالناصر يخاطبه بصوت أبيه، وفى الرواية يتوحد الأب والزعيم،
وصورت الروائية رضوى عاشور فى رواية فرج ناصر كبطل شعبى؛ فقد رآه المصريون البطل المنتظر الذى سيخلّصهم من مفاسد النظام الملكى وتبعيته للاستعمار الأجنبى، وخاصة الإنجليزى، ويحرّر البلاد من العبودية، وممّا ثبّت صورته كبطل أنّ شروط البطولة توفّرت فيه، سواء الخارجية منها كالمظهر، أو الداخلية كالأخلاق والشهامة والقيم.
ومن الروايات الحديثة التى استدعت صورة الزعيم الراحل، وإن كان بشكل رمزى، رواية صلاة القلق للروائى محمد سمير ندا، ففيها بدا ناصر الحاضرَ الغائبَ، إذ صنع الخوجة تمثالًا له كـ "زعيم منتصر " فى حرب 1967، على خلاف ما جرى فى أرض الواقع،