الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر يحدد ضوابط التعامل مع وسائل التواصل ويحذر من انتحال الشخصية ومخاطر "الترند"
الثلاثاء، 30 سبتمبر 2025 03:11 م
منال القاضي
عقد الجامع الأزهر أمس الاثنين، اللقاء الأسبوعي للملتقى الفقهي (رؤية معاصرة) تحت عنوان: وسائل التواصل الاجتماعي "رؤية فقهية"، بحضور أ.د محمود الصاوي، الوكيل السابق لكليتي الدعوة والإعلام بجامعة الأزهر، وأ.د علي مهدي، أمين سر هيئة كبار العلماء، وعضو لجنة الفتوى بالجامع الأزهر، وأدار الملتقى الأستاذ إسماعيل دويدرا، رئيس إذاعة القرآن الكريم.
في بداية الملتقى أكد الدكتور محمود الصاوي، أن الدعوة الأساسية للإسلام هي التعارف الاجتماعي والتواصل الإنساني، من أجل الحفاظ على أصل الفطرة الإنسانية، وهو ما دلت عليه النصوص القرآنية قال تعالى: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"، وهو دليل واضح أن الاختلاف بين البشر ليس للتميز، وإنما للتكامل والتعارف، ومما يؤكد على أن التواصل الإنساني رحمة ما قاله تعالى: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، كما أن التواصل جزء من الرسالة النبوية الشريفة، قال تعالى: "أدعوا إلى سبيل ربك بالحكمة بالموعظة الحسنة"، مبينا أن الاندماج الاجتماعي من الأمور التي حث عليها الإسلام الحنيف وهو ما يؤكده قول النبي صلى الله عليه وسلم:" المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم".
وأوضح الدكتور محمود الصاوي، أن هناك أفعال رغم بساطتها لكن لها وزن كبير في ميزان الحق سبحانه وتعالى، وذلك لما لها من أثر إيجابي في تنمية التواصل الإنساني بين البشر، ومن هذه الافعال ما جاء في الحديث الشريف: "تبسمك في وجه أخيك صدقة"، مشيرًا إلى أن الدستور الذي وضعه النبي صلى الله عليه وسلم، نظم العلاقات بين المسلمين وغيرهم مع الحفاظ لكل منهم على حقه.
وشدد الدكتور محمود الصاوي، على ضرورة توخي الحذر من الآثار السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي على نسيج مجتمعاتنا، لأن هذه السلبيات تزداد فتكًا وتأثيرًا كلما استسلم الفرد لساعات طويلة أمام هذه المنصات دون وعي أو تفكير، كما أن الاستهلاك السلبي قد يؤدي إلى تشكيل وعي زائف لدى الشباب، ولتحصين شبابنا من هذه السلبيات، لابد من تبني مجموعة من الضوابط عند التعامل مع المحتوى الرقمي، سواء كان ذلك استقبالًا أو نشرًا، من أجل أن نعود إلى التواصل الإنساني بصورته الصحيحة، ولا يمكن أن يحدث ذلك إلا إذا تم ترشيد استخدام وسائل الاجتماعي التي باتت تمثل استنزافًا حقيقيًا لجزء ثمين من عمر الإنسان وطاقاته، وهو ما يستدعي وقفة جادة لإعادة تقييم أولوياتنا وكيفية استثمار أوقاتنا بشكل أكثر إنتاجية.
من جانبه قال الدكتور علي مهدي، إن وسائل التواصل الاجتماعي هي إفراز مهم جدًا يمكن أن يصبح بابًا للخير إذا أحسن استخدامه، مشيرًا إلى أن ظهورها استدعى مجموعة من الأحكام الفقهية لضبط تعامل الإنسان بها، بما يضمن التعامل مع هذه الوسائل بـالأمانة المتناهية، ويجب أن ينتفي عنه الخداع أو التضليل، وهو ما يستلزم تجنب الحسابات الوهمية، أو الأسماء المستعارة، أو الترويج لأفكار غريبة، لأن هذه الوسائل أصبحت جزءًا من واقع الناس، قال تعالى: "واجتنبوا قول الزور"، ويضاف إلى ما سبق، أن من الأمور المنهي عنها أيضًا هي انتحال الشخصية أو الصفة غير الحقيقية في الواقع لتحقيق مكاسب مادية أو معنوية، إلى جانب انتحال الرجل صفة امرأة أو العكس، بهدف الدخول في مجتمعات خاصة والاطلاع على أسرارهم عبر هذه الوسائل، حيث يقع هذا الفعل في إطار التجسس والمفاسد المحرمة.
وذكر الدكتور على مهدي، أن وسائل التواصل الاجتماعي قد صاحبتها ظواهر خطيرة تهدد أمن المجتمع فكريًا واجتماعيًا، أبرزها ظاهرة "الترند" التي قد تؤدي إلى سرعة انتشار الشائعات والأكاذيب، وتشويه المفاهيم، وتطبيع العنف، وتؤثر سلبًا على العقل الجمعي وسلوكيات الأفراد، ما يتطلب وعيًا ورقابة واعية، ومن أخطر الأمور المنهي عنها كذلك هي مشاركة الفتاوى الشرعية دون التأكد من صحتها، وعدم العلم بما يمكن أن تؤدي إليه من ضلالات ومفاسد إن كانت خاطئة، لأن الفتوى يجب أن تقتصر على أهل الذكر والاختصاص، لأن المسائل الشرعية تحتاج إلى المتخصصين، ولو نظرنا إلى تاريخ العلماء الأجلاء في التعامل مع الفتوى لتبين لنا كيف كانوا يجلون قدرها ولا يستهينون بها، فكان الإمام مالك يعرض عليه الكثير من الفتاوي في مجلسه، فلا يفتي إلا في اليسر، لأنه كان لا يتسرع في إصدار الفتاوى.
يُذكر أن الملتقى "الفقهي يُعقد الاثنين من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر وبتوجيهات من الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، ويهدف الملتقى الفقهي إلى مناقشة المسائل الفقهية المعاصرة التي تواجه المجتمعات الإسلامية، والعمل على إيجاد حلول لها وفقا للشريعة.