خالد عامر يكتب: رسائل مصرع سفير جنوب أفريقيا
الأحد، 05 أكتوبر 2025 01:09 م
خالد عامر
لم يكن خبر وفاة سفير جنوب أفريقيا لدى فرنسا، ناثي مثيثوا، مجرد سطر عابر في نشرة الأخبار، لكنه صدمة هزت الدوائر الدبلوماسية والأمنية معًا. فالرجل وقع فجأة من الطابق الثاني والعشرين بفندق حياة في بورت مايو بالعاصمة الفرنسية، ووصف الحادث رسميًا بأنه انتحار، لكن كل تفاصيل المشهد تقول ان الحكاية أعمق بكثير.
من وجهة نظري، لا يمكن النظر إلى وفاة السفير بمعزل عن الأحداث الجارية في غزة وموقف جنوب أفريقيا تجاه اسرائيل والاصطفاف الدولي المتوتر حولها. فالتاريخ يثبت أن مثل هذه الحوادث لا تقع صدفة، بل تأتي في لحظات فاصلة لتبعث رسائل صامتة لكنها مدوية. وإذا لم تتحرك الدول المعنية لكشف الحقيقة، فإن الصمت سيفسر بالقبول بلعبة التخويف والإرهاب السياسي، وهنا يكمن الخطر الحقيقي أن يتحول الاغتيال المقنع إلى أداة ضغط دبلوماسية جديدة.
حين يعثر على مثل هذه الشخصية مطروحة من نافذة غرفه داخل فندق محكمة الإغلاق، وفي وقت بالغ الحساسية تشهد فيه العلاقات الدولية توترًا بسبب العدوان على غزة واعتراف فرنسا بالدولة الفلسطينية، يصبح من الصعب قبول الرواية السطحية بأن الأمر انتحار.
فالتوقيت والأسلوب والمكان.. كلها تفاصيل تحمل بصمات فرق الاغتيالات بما يعرف في أدبيات الأمن برسائل المخابرات.
الرسالة هنا ليست موجهة لشخص السفير وحده، بل للدولتين معًا: جنوب أفريقيا، التي تحدت إسرائيل قانونيًا في محكمة العدل الدولية، وفرنسا، التي كسرت جدار الصمت الأوروبي بفضل الدور المصري الداعم للقضية الفلسطينية واعترافها بدولة فلسطين وكأن ما جرى في باريس يقول بوضوح: الثمن سيدفعه من يختار الوقوف ضد إسرائيل.
الملف لا يزال مفتوحًا، والأسئلة تبحث عن إجابات: هل كان السفير ضحية صراع دولي مكتوم؟ وهل تقبل جنوب أفريقيا وفرنسا بالرواية الرسمية أم تفتحان تحقيقًا يضع النقاط على الحروف؟ والأهم.. هل نشهد أمام أعيننا مرحلة جديدة يدار فيها الصراع على فلسطين، أو الصراع بصفة عامة، لتحصيل مكاسب سياسية عبر رسائل دموية من قلب عواصم أوروبا؟
سفير جنوب أفريقيا لم يكن مجرد دبلوماسي تقليدي، بل كان له تأثير على دوائر الحكم في باريس، وقدرته على الحشد والخطابة وتنظيم الندوات. وتاريخه يبدأ من ساحات النضال ضد نظام الفصل العنصري في بلاده، مرورًا بسنواته وزيرًا للرياضة والفنون، وصولًا إلى منصبه كسفير في باريس ومندوب دائم لدى اليونسكو منذ 2024. هذه السيرة جعلته شخصية مشبعة بالرمزية، قادرًا على الجمع بين إرث النضال السياسي والحضور الدبلوماسي.