حرب الدعاية الرقمية.. كيف تخوض إسرائيل حربًا موازية على وعي الشعوب؟

الثلاثاء، 07 أكتوبر 2025 11:05 ص
حرب الدعاية الرقمية.. كيف تخوض إسرائيل حربًا موازية على وعي الشعوب؟
محمد الشرقاوي

في الوقت الذي تُبيد فيه إسرائيل الأجساد في غزة بالقصف، يبدو أنها تخوض حربًا أخرى أكثر خفاءً وأشد خطرًا: حربًا على الوعي، فبين العقود المسربة والاستثمارات الضخمة في الذكاء الاصطناعي والدعاية الرقمية، تتكشف ملامح معركة ممنهجة تستهدف العقول قبل الأجساد، وتسعى إلى تلميع صورة الاحتلال وتكميم الأصوات المعارضة حول العالم.
 
فبينما تتواصل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، التي أسفرت عن مقتل أكثر من 66 ألف فلسطيني وإصابة نحو 169 ألفًا معظمهم من النساء والأطفال، تتكشف خيوط حرب إعلامية رقمية تقودها تل أبيب على جبهة غير مرئية. تقرير نشرته مجلة «ريسبونسيبل ستيتكرافت» الأمريكية كشف أن وزارة الخارجية الإسرائيلية أطلقت حملة دعائية ضخمة عبر منصات التواصل الاجتماعي، بتمويل مباشر من الحكومة، تهدف إلى التأثير في الرأي العام الغربي.
 
وبحسب وثائق مسجلة في إطار قانون تسجيل الوكلاء الأجانب (FARA) في الولايات المتحدة، فقد وقّعت إسرائيل عقدًا بقيمة 900 ألف دولار مع مجموعة Havas Media Group الألمانية عبر شركة Bridges Partners، لتشغيل ما بين 14 و18 مؤثرًا على مدار الفترة بين يونيو 2024 ونوفمبر 2025. وتشير الوثائق إلى أن المنشور الواحد تراوح سعره بين 6100 و7300 دولار بعد خصم تكاليف الإنتاج، بما يعني أن كل «إعجاب» أو «مشاركة» قد يكون جزءًا من ماكينة دعائية ممولة وليست تفاعلًا عفويًا.
 
أما تسريبات ويكيليكس الأخيرة، فكشفت أن نصف قيمة العقد خُصص لتدريب مؤثرين أمريكيين على إنتاج محتوى مؤيد لإسرائيل بالتنسيق مع شركاء إسرائيليين، لصياغة رسائل موحدة. ولم يُخفِ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هذه الاستراتيجية، إذ قال صراحة: «علينا أن نرد من خلال مؤثرينا، فهم في غاية الأهمية»، في اعتراف واضح بقوة الإعلام الرقمي في تشكيل الرأي العام الدولي.
 
الحملة التي حملت اسم «مشروع إستير» أثارت جدلًا واسعًا لتشابهها مع مبادرة أمريكية ضد معاداة السامية، بينما امتنعت الشركات المشاركة في تنفيذها عن تقديم أي تعليق، مما زاد من الشكوك حول أهدافها الحقيقية.
 
ولم يقتصر الأمر على المؤثرين، إذ أظهرت الوثائق أن إسرائيل رفعت ميزانيتها الدعائية الخارجية عشرين ضعفًا لتصل إلى 150 مليون دولار، كما تدفع شهريًا 1.5 مليون دولار للمستشار الرقمي الأمريكي براد بارسكيل، مدير حملة ترامب السابق، لإنتاج آلاف الرسائل الدعائية المدعومة بالذكاء الاصطناعي.
 
فضيحة أخرى فجّرها الموقع نفسه تتعلق برسالة بريد إلكتروني مسرّبة من سافرا كاتز، الرئيسة التنفيذية لشركة أوراكل التي تسيطر على «تيك توك» في الولايات المتحدة، مؤرخة بعام 2015، جاء فيها: «علينا غرس حب إسرائيل في عقول الأطفال قبل دخولهم الجامعة». كما اقترحت إنتاج برنامج واقعي عن «نساء جيش الدفاع الإسرائيلي»، وهو ما تحقق فعلًا عام 2024 من خلال إنتاج أختها ساريت كاتز.
 
أما نتنياهو، فاعتبر صفقة السيطرة على تيك توك «أهم صفقة جارية حاليًا»، في إشارة إلى رهان تل أبيب على المنصات الرقمية لتثبيت روايتها عالميًا.
 
تكشف هذه المعطيات أن المعركة لم تعد تُخاض فقط في الميدان، بل على شاشات الهواتف، حيث يمكن لكل فيديو أو «ترند» أن يكون جزءًا من آلة دعائية إسرائيلية هائلة هدفها إعادة صياغة الحقيقة وتوجيه الوعي العالمي. والسؤال الذي يبقى مطروحًا: هل ما نراه على المنصات الاجتماعية يعكس الواقع فعلًا.. أم أنه رواية مصنوعة بعناية لإبادة الحقيقة قبل العقول؟

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق