مصر بين الحرب والسلام.. عامان من الدبلوماسية الإنسانية في مواجهة نيران غزة

الثلاثاء، 07 أكتوبر 2025 11:15 ص
مصر بين الحرب والسلام.. عامان من الدبلوماسية الإنسانية في مواجهة نيران غزة
مساعدات مصرية
محمد الشرقاوي

على مدار عامين كاملين من حرب غزة، ظلت القاهرة تتحرك على جميع المستويات، السياسية والإنسانية والقانونية، لتمنع سقوط ما تبقى من إنسانية العالم في مستنقع الصمت، وتؤكد أن الدفاع عن فلسطين هو دفاع عن ضمير البشرية.
 
ولعل كلمات الرئيس عبد الفتاح السيسي في زيارته الأخيرة للأكاديمية العسكرية -- «نعمل بكل قوتنا وبكل إخلاص من أجل وقف الحرب.. وعملنا بكل قوتنا وكل إخلاص لإدخال مساعدات للفلسطينيين» - تلخّص جوهر الدور المصري: جهد صادق ومستمر، نابع من مسؤولية تاريخية وأخلاقية تجاه شعبٍ محاصر وعدوانٍ متواصل.
 
منذ السابع من أكتوبر 2023، ومع اندلاع عملية طوفان الأقصى وما تبعها من عدوان إسرائيلي دمّر قطاع غزة وأودى بحياة أكثر من 66 ألف فلسطيني، كانت مصر حاضرة بثقلها الجغرافي والسياسي لتصبح السند الأول للفلسطينيين. فقد قادت جهود وقف إطلاق النار، ورفضت أي محاولات لتهجير سكان القطاع، مؤكدة أن القضية الفلسطينية لن تُصفّى على حساب مصر أو أمنها القومي.
 
فعلى الصعيد الإنساني، أثبتت البيانات الرسمية أن نحو 70% من المساعدات الإغاثية التي وصلت إلى غزة جاءت عبر مصر، بينما تحوّل مطار العريش الدولي إلى مركز رئيسي لتجميع المساعدات العالمية قبل إرسالها إلى المعبر.
 
ومع سيطرة جيش الاحتلال على الجانب الفلسطيني من معبر رفح، اضطرت القاهرة إلى تمرير الشاحنات عبر كرم أبو سالم، رغم ما رافق ذلك من عراقيل إسرائيلية متعمدة واعتداءات على الشاحنات والمدنيين المنتظرين للمساعدات. ولم تكتفِ مصر بالإغاثة البرية، بل نفّذت عمليات إسقاط جوي للمساعدات إلى المناطق المحاصرة، وفتحت مستشفياتها لاستقبال الجرحى وتقديم الرعاية الطبية لهم، مجسّدةً التزامها الأخلاقي والإنساني تجاه شعبٍ يُباد يوميًا.
 
لكن الدور المصري لم يقف عند الإغاثة، بل امتد إلى الساحات القانونية والدبلوماسية؛ إذ انضمت القاهرة إلى دعوى الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، وسهّلت لمحققي المحكمة الجنائية الدولية الدخول عبر رفح لتوثيق الجرائم، تأكيدًا لرفضها مبدأ الإفلات من العقاب.
 
كما نظمت مصر لقاءات دولية على حدود غزة - في رفح والعريش - ليشهد العالم حقيقة المأساة عن قرب، ولتتحول القاهرة إلى منصّة للحقائق في وجه الدعاية الإسرائيلية.
 
ومنذ الأيام الأولى، بادر الرئيس السيسي إلى عقد قمة القاهرة للسلام، مؤكدًا أن العالم أمام امتحان إنساني قبل أن يكون سياسيًا، ومعلنًا بوضوح أن «لن تُصفّى القضية الفلسطينية دون حل عادل، ولن يكون ذلك على حساب مصر أبدًا». ومنذ تلك اللحظة، تصدّر الملف الفلسطيني كل قمة ومؤتمر دولي شاركت فيه القاهرة، داعيةً إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود 1967. وقد تُوجت هذه الجهود باعترافات دولية متتابعة culminated في مؤتمر “حل الدولتين” في نيويورك، الذي انعقد بدعوة فرنسية بعد زيارة ماكرون إلى القاهرة والعريش.
 
وفي موازاة الحراك السياسي، قادت مصر مع قطر والولايات المتحدة جهود الوساطة للتوصل إلى اتفاقات تهدئة وتبادل محتجزين، ونجحت في إرساء هدنٍ مؤقتة، رغم استمرار حكومة الاحتلال في إفشال أي تسوية والتمادي في الاغتيالات. وفي مارس 2025، قدّمت القاهرة خطة متكاملة لإعادة إعمار غزة خلال القمة العربية الطارئة، تبنتها الدول العربية والإسلامية باعتبارها ضمانة لبقاء الفلسطينيين على أرضهم، إلا أن استمرار العدوان عطّل تنفيذها.
 
ورغم التحديات والعراقيل السياسية، لم تتراجع القاهرة عن دورها الوسيط، إذ تستضيف حاليًا مفاوضات جديدة في إطار الخطة الأمريكية لوقف الحرب التي طرحها الرئيس دونالد ترامب، محاولةً تقريب وجهات النظر بين تل أبيب وحركة حماس.
 
ومع مرور عامين على العدوان، تظل مصر - بقلبها العربي ووزنها الدولي - الطرف الأكثر ثباتًا في الدفاع عن الفلسطينيين، رافعةً شعارًا لا يتبدّل: رفض التهجير، وإنقاذ حل الدولتين، وصون الأمن القومي العربي.
 
لقد أثبتت القاهرة أن الإنسانية لا تُقاس بالشعارات بل بالمواقف، فحين خفتت أصوات العالم أمام مأساة غزة، ظل الصوت المصري عاليًا يذكّر الضمير الإنساني بمسؤوليته، ويؤكد أن السلام العادل لا يتحقق إلا بإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
 
وهكذا، بعد عامين من الدم والخذلان الدولي، تبقى مصر - كما كانت - الضامن الأخير للأمل في سلامٍ عادلٍ وشاملٍ يعيد إلى فلسطين حقها وإلى الإنسانية وجهها الحقيقي.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق