اليونسكو..80 عاما فى خدمة التعليم والثقافة والسلام ودور بارز فى دعم التراث بمصر

الثلاثاء، 07 أكتوبر 2025 12:23 م
اليونسكو..80 عاما فى خدمة التعليم والثقافة والسلام ودور بارز فى دعم التراث بمصر

رسخت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونسكو، منذ تأسيسها عام 1945 عقب الحرب العالمية الثانية، مكانتها كإحدى أبرز مؤسسات الأمم المتحدة التى تسعى إلى بناء السلام عبر نشر التعليم والعلم والثقافة والتفاهم بين الشعوب، إدراكا منها أن "الحروب تبدأ في عقول البشر، ومن ثم يجب أن تبنى حصون السلام في عقولهم".
 
واليونسكو، التي تتخذ من باريس مقرا رئيسيا لها وتضم اليوم 194 دولة عضوا، تواصل منذ ما يقرب من 8 عقود جهودها الحثيثة في مجالات التعليم والعلوم والثقافة والاتصال، باعتبارها الركائز الأساسية لتحقيق التنمية البشرية وبناء السلام العالمي. ومن خلال عملها، تسعى المنظمة إلى تعزيز التنمية المستدامة وبناء مجتمعات قائمة على المعرفة والتنوع الثقافي والابتكار العلمي، إدراكا منها بأن الاستثمار في الإنسان هو السبيل الأمثل لمواجهة التحديات المشتركة التي يواجهها العالم في القرن الحادي والعشرين.
وقد أصبحت رسالة اليونسكو أكثر شمولا واتساعا مع تطور الزمن، إذ ترتكز على ضمان التعليم الجيد والمنصف والشامل للجميع بوصفه حقا أساسيا من حقوق الإنسان ، إلى جانب دعم التعاون العلمي والتكنولوجي بين الدول لمواجهة القضايا الملحة مثل تغير المناخ، وأمن الطاقة والمياه، وحماية البيئة والموارد الطبيعية، كما تعمل المنظمة على تعزيز الحوار والتفاهم بين الشعوب والثقافات، ومكافحة جميع أشكال التمييز والتطرف من خلال نشر قيم التسامح والاحترام المتبادل، فضلا عن حماية التراث الثقافي والطبيعي وصون التنوع الثقافي واللغوي باعتباره ثروة إنسانية مشتركة يجب الحفاظ عليها للأجيال القادمة.
 
وفي ميدان الإعلام والاتصال، تولي اليونسكو أهمية متزايدة لدعم حرية التعبير وتعددية وسائل الإعلام واستقلالها، باعتبارها ركيزة أساسية للديمقراطية والتنمية المستدامة.. وتعمل المنظمة من خلال البرنامج الدولي لتنمية الاتصال (IPDC) على تعزيز بيئة إعلامية حرة وآمنة، من خلال تدريب الصحفيين، ودعم التشريعات الضامنة للشفافية والحق في الحصول على المعلومات، وتطوير مؤشرات حرية الإعلام التي تستخدم في تقييم أوضاع الصحافة عالميا، كما تقود اليونسكو خطة عمل الأمم المتحدة بشأن سلامة الصحفيين ومسألة الإفلات من العقاب، الهادفة إلى حماية الإعلاميين في مناطق النزاعات وضمان العدالة في الجرائم المرتكبة ضدهم.
 
وفي إطار التحول الرقمي العالمي، تشجع اليونسكو الابتكار التكنولوجي واستخدام التقنيات الحديثة في التعليم والإعلام، ضمن استراتيجيتها (2022–2029) التي تسعى إلى تسخير التكنولوجيا لتقليص الفجوة الرقمية بين الدول وتعزيز الوصول إلى المعلومات والمعرفة للجميع، كما تدعم المنظمة مبادرات التربية الإعلامية والمعلوماتية لتأهيل الأجيال الجديدة على التفكير النقدي ومكافحة التضليل والأخبار الكاذبة في الفضاء الرقمي.
 
ومن أبرز المبادرات العالمية التي أطلقتها اليونسكو برنامج مواقع التراث العالمي، الذي أقر عام 1972 بموجب اتفاقية حماية التراث الثقافي والطبيعي العالمي، والذي يضم اليوم أكثر من 1200 موقع حول العالم تمثل شواهد على التنوع التاريخي والحضاري الإنساني.
 
ويهدف البرنامج إلى صون المواقع الأثرية والطبيعية ذات القيمة العالمية الاستثنائية من الاندثار أو التدهور، من خلال التعاون الدولي والمساعدة الفنية والمالية.. إلى جانب ذلك، أطلقت اليونسكو العديد من المبادرات العالمية مثل برامج محو الأمية والتعليم في مناطق الأزمات والنزاعات، ومبادرات حماية حرية الصحافة وسلامة الصحفيين، والبرنامج الدولي للعلوم الأساسية، واللجنة الحكومية الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي، كما تشرف المنظمة على أيام دولية تكرس للتوعية بقضايا إنسانية وثقافية، مثل اليوم العالمي للمعلمين، واليوم العالمي للغة العربية، واليوم العالمي للتراث السمعي البصري.
 
وفي مصر، كان لليونسكو دور بارز ومتواصل منذ تأسيسها، إذ كانت مصر من الدول المؤسسة للمنظمة عام 1945، ومن أوائل الدول التي استضافت مكتبا إقليميا لليونسكو في القاهرة ليكون مركزا للتنسيق في المنطقة العربية والإفريقية.. وقد مثل التعاون بين مصر واليونسكو نموذجا رائدا في حماية التراث الإنساني، حين قادت المنظمة في ستينيات القرن الماضي حملة عالمية لإنقاذ معابد أبو سمبل وفيلة من الغرق بعد بناء السد العالي، وهي واحدة من أكبر حملات الإنقاذ الأثري في التاريخ الحديث بمشاركة دولية غير مسبوقة.
 
وساهمت اليونسكو كذلك في تسجيل مواقع مصرية عدة على قائمة التراث العالمي، من بينها مدينة طيبة القديمة ومقابرها في الأقصر، وأهرامات الجيزة، ومنطقة أبو مينا الأثرية بالإسكندرية، والقاهرة الإسلامية، ومدينة ممفيس ومقبرتها، ودير سانت كاترين.
 
وفي مجال التعليم، تعاونت المنظمة مع الحكومة المصرية في إطلاق برامج تهدف إلى تطوير التعليم الأساسي ومحو الأمية الرقمية، وتوسيع فرص التعليم للفتيات في المناطق الريفية، إلى جانب دعم البحث العلمي في مجالات المياه والطاقة والتنمية المستدامة، كما يضطلع مكتب اليونسكو الإقليمي بالقاهرة بدور محوري في تنفيذ مشروعات تمتد من شمال إفريقيا إلى دول الخليج والقرن الإفريقي، تركز على تطوير السياسات التعليمية والثقافية، وتبادل الخبرات العلمية بين الدول.
 
وفي الجانب الثقافي والإعلامي، أسهمت اليونسكو في دعم برامج صون التراث غير المادي المصري، مثل فنون التحطيب والسيرة الهلالية وصناعة الفخار اليدوي، كما ساهمت في تدريب الصحفيين وتعزيز المساواة بين الجنسين في الإعلام، بالتعاون مع نقابة الصحفيين والمؤسسات الأكاديمية.
وتواجه المنظمة اليوم تحديات جسيمة نتيجة النزاعات المسلحة والتغير المناخي والتحولات الرقمية السريعة، ما يدفعها إلى تكييف برامجها مع الواقع العالمي الجديد، وتعزيز حضورها الميداني في الدول النامية.
 
ومع انتخاب الدكتور المصري خالد العناني مديرا عاما لليونسكو خلفا لأودري أزولاي، تدخل المنظمة مرحلة جديدة ينتظر أن تستفيد فيها من الخبرة المصرية في مجالات التراث والثقافة لتوسيع نشاطها في المنطقة العربية وإفريقيا، وتعزيز التعاون بين الحضارات.
 
ومن المتوقع أن يقود العناني تنفيذ استراتيجية 2030 مع تركيز متزايد على التحول الرقمي في التعليم، وتمكين الشباب والنساء، وصون التراث العالمي المهدد، لاسيما في الشرق الأوسط وإفريقيا، وهي المجالات التي لطالما أولت مصر اهتماما خاصا بها في تعاونها مع اليونسكو.
 
وبعد مرور نحو 8 عقود على تأسيسها، تبقى اليونسكو منارة عالمية للتعليم والثقافة والعلم، ومظلة للتعاون الإنساني في مواجهة الجهل والتطرف والانقسام.. وفي مصر، التي تربطها بالمنظمة علاقة تاريخية وثيقة منذ انضمامها المبكر إلى عضويتها، تركت اليونسكو بصمة راسخة في مشروعات حماية التراث الإنساني في الأقصر وأسوان وأبوسمبل، وفي دعم برامج تطوير التعليم ومحو الأمية وتمكين المرأة.
 
كما أسهم التعاون المستمر بين الجانبين في تعزيز مكانة القاهرة كمركز إقليمي للحوار الثقافي وصون الهوية، وهو ما يكتسب اليوم زخما جديدا مع انتخاب الدكتور خالد العناني مديرا عاما لليونسكو، في خطوة تعكس التقدير الدولي للدور المصري في حماية التراث وتعزيز التواصل بين الحضارات، مما يجعل القاهرة واحدة من أكثر العواصم العربية التصاقا برسالة اليونسكو في بناء الإنسان وصون الذاكرة الحضارية للبشرية.
 
 
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق