وفاة أحمد عمر هاشم.. ورحل حارس السنة النبوية الأمين
الثلاثاء، 07 أكتوبر 2025 01:00 م
أحمد عمر هاشم
محمد الشرقاوي
بقلوبٍ يملؤها الحزن، وعيونٍ يثقلها الوداع، شيّعت مصر والأمة الإسلامية، اليوم، واحدًا من أعلامها الكبار، العالم الجليل الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، وأستاذ الحديث وعلومه، ورئيس جامعة الأزهر الأسبق، الذي رحل فجر الثلاثاء، بعد رحلة عمر حافلة بالعلم والعطاء وخدمة السُّنة النبوية المطهرة.
وتلقى محبوه وتلاميذه نبأ رحيله كصاعقة على قلوبهم، إذ غيّب الموت عالمًا عاش عمره خادمًا للحديث الشريف، ومدافعًا عن منهج الأزهر الوسطى، ومربيًا لأجيال من العلماء والدعاة.
ونعت صفحته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي الفقيد بكلمات مؤثرة: «ننعي إلى العالم العربي والإسلامي وأحبائه وتلاميذه وفاة فقيدنا الحبيب الإمام الشريف الدكتور أحمد عمر هاشم، نسأل الله أن يجعل الجنة مثواه وأن يلهمنا وإياكم الصبر والاحتساب».
وأُقيمت صلاة الجنازة عقب صلاة الظهر بالجامع الأزهر الشريف، قبل أن يُشيَّع جثمانه الطاهر إلى مثواه الأخير في الساحة الهاشمية بقرية بني عامر بمحافظة الشرقية، وسط حضور مهيب من العلماء وطلابه ومحبيه، فيما تقام مراسم العزاء مساء اليوم بالقرية، ويُستكمل الخميس في القاهرة.
في وداعه، عبّر فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، عن حزنه البالغ، ناعيًا الفقيد بوصفه "عالمًا أزهريًّا أصيلًا وأحد أبرز علماء الحديث في عصرنا"، مؤكّدًا أن الدكتور أحمد عمر هاشم "رزقه الله حسن البيان وفصاحة اللسان والإخلاص في الدعوة إلى الله، وخدمة سنة نبيه ﷺ، وستظل خطبه وكتبه ومحاضراته منهلًا عذبًا لطلاب العلم والباحثين".
وأضاف شيخ الأزهر أن رحيله "خسارة جسيمة للأزهر الشريف وللأمة الإسلامية"، متقدمًا بخالص العزاء إلى أسرته وتلاميذه ومحبيه، سائلًا الله أن يجعل سعيه في نشر العلم شفيعًا له يوم القيامة.
ومن جانبه، نعى الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، الفقيد واصفًا إياه بأنه "علم من أعلام الأزهر الشريف، جمع بين العلم الراسخ والعمل الصالح، وأفنى عمره في خدمة سنة النبي ﷺ ونشر تعاليم الإسلام السمحة". وأكد أن الراحل كان "آية في الحكمة والبلاغة والوطنية، وخطيبًا مفوهًا ومديرًا قديرًا ومعطاءً صبورًا"، مضيفًا: "ما أعظم الشواهد على ما قدّم وبذل، والله خير الشاهدين".
أما فضيلة الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، فنعاه بقوله إن الراحل "كان عالمًا جليلًا ومحدثًا كبيرًا، عميق الفهم لمعاني النصوص، راسخ القدم في علم الحديث النبوي سندًا ومتنًا، خبيرًا بأحوال الرجال جرحًا وتعديلًا"، مشيرًا إلى أن الأمة فقدت بوفاته "مصباحًا منيرًا من مصابيح الدعوة الإسلامية".
وفي بيانٍ آخر، عبّر مجمع البحوث الإسلامية عن حزنه البالغ، واصفًا الدكتور هاشم بأنه "أحد كبار علماء الأزهر الشريف وركن من أركان الدعوة والعلم في العالم الإسلامي"، مؤكدًا أن مسيرته "زاخرة بالعطاء العلمي والفكري والدعوي، وأن كتبه ومشاركاته العلمية أثرت المكتبة الإسلامية وأسهمت في ترسيخ المنهج الأزهري الوسطي".
جامعة الأزهر بدورها أصدرت بيانًا مؤثرًا أكدت فيه أن الفقيد كان "الحارس الأمين على السنة النبوية"، مشيدة بإسهاماته في التعليم والدعوة، وبإدارته الحكيمة حين تولى رئاسة الجامعة عام 1995، داعية الله أن يجزيه خير الجزاء عن علمه وجهده، وأن يجعله مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
كما كتب الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء، كلمات تفيض أسًى: «رحل العلّامة الأزهري الكبير، الذي عاش للحديث النبوي خادمًا ومُبيِّنًا وناشرًا، وجعل عمره كله وقفًا على الدعوة والتعليم وخدمة الدين»، وأضاف أن موت العلماء ثُلمة في الإسلام، مستشهدًا بحديث النبي ﷺ: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من صدور العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء».
لقد رحل الدكتور أحمد عمر هاشم جسدًا، لكنه ترك علمًا خالدًا، وذكرًا طيبًا، وسيرة تضيء الأجيال المقبلة، ووُلد الراحل في السادس من فبراير عام 1941م بقرية بني عامر بمحافظة الشرقية، وتخرج في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر عام 1961م، ثم حصل على الماجستير عام 1969م، والدكتوراه في الحديث وعلومه، حتى نال درجة الأستاذية عام 1983م.
وخلال مسيرته الطويلة، شغل مناصب علمية وإدارية رفيعة، منها رئاسة جامعة الأزهر، وعضوية مجمع البحوث الإسلامية والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، كما كان عضوًا بمجلسي الشعب والشورى، واختير عضوًا بهيئة كبار العلماء عند إعادة تشكيلها عام 2012م.
لم يكن الدكتور أحمد عمر هاشم مجرد عالم حديث، بل كان رمزًا للأزهر المعتدل، وصوتًا نقيًا للدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، امتاز بخطبه المؤثرة وبلاغته الرفيعة، وقدرته على إيصال العلم بروحٍ من التواضع والمحبة. كان قريبًا من الناس، لا يتكبر بعلمه، ولا يملّ من تعليم طلابه وإرشادهم، حتى صار اسمه مقترنًا بالخلق والعلم معًا.
في رحيله، ينعطف التاريخ الأزهرى على صفحة من أنقى صفحاته؛ فقد طوى الموت سيرة عالمٍ عاش في محراب الحديث، وبقي أثره في كل منبر ومؤلف وسطر علمي تركه للأجيال.
رحل الرجل الهادئ الذي علّم الناس أن العلم عبادة، وأن الكلمة رسالة، وأن العالم الحق هو من يجعل حياته وقفًا لله وللناس.
رحم الله الدكتور أحمد عمر هاشم، العالم الذي عاش في خدمة السُّنة، ورحل مكرمًا كما عاش، تاركًا خلفه إرثًا خالدًا من العلم والإيمان والوفاء للأزهر والوطن.