حرب المسيرات.. سلاح الفقراء الذي قلب موازين الحرب الروسية الأوكرانية
الأربعاء، 08 أكتوبر 2025 12:39 م
محمود علي
في حربٍ لم تعد فيها الدبابات هي الحاسمة ولا الطائرات المقاتلة هي التي ترسم النصر، برزت المسيّرات كأداة الفقراء التي غيّرت وجه الصراع بين روسيا وأوكرانيا، فبينما تتبادل العاصمتان كييف وموسكو القصف اليومي، باتت الطائرات المسيرة هي العنوان الأبرز لحربٍ تُدار بتقنيات بسيطة وكلفة منخفضة، لكنها فعالية مدهشة.
فجر الأربعاء، دوت انفجارات في مدينة خيرسون الواقعة تحت السيطرة الأوكرانية، دون تفعيل صفارات الإنذار، وفي الوقت ذاته، سُمع دويّ التحذيرات في مقاطعتي سومي وتشرنيغوف شمال البلاد، بينما كانت الدفاعات الجوية الروسية تُعلن اعتراض 53 طائرة مسيّرة أوكرانية خلال ساعات الليل فقط، في واحدة من أوسع الهجمات الجوية بالطائرات المسيّرة منذ بداية الحرب.
البيان الصادر عن وزارة الدفاع الروسية أشار إلى أن أنظمة الدفاع تصدّت لمسيرات فوق مقاطعات بيلغورود، فورونيج، روستوف، وبريانسك، وصولاً إلى مناطق أبعد مثل ليبيتسك ونيجني نوفغورود، ما يعكس اتساع نطاق المواجهة الجوية بين الطرفين.
الهجمات الأوكرانية لم تمرّ دون رد، فالقصف الروسي على مناطق حدودية في بيلغورود أدى إلى مقتل ثلاثة مدنيين على الأقل، وفق ما أعلن الحاكم المحلي، في وقتٍ تواصل فيه فرق الإنقاذ عملياتها بحثًا عن مفقودين تحت الأنقاض. وفي موسكو، عقد الرئيس فلاديمير بوتين اجتماعًا موسّعًا مع قيادات وزارة الدفاع وهيئة الأركان في سانت بطرسبورغ لمراجعة “سير العمليات العسكرية”، بحسب ما نقلت وسائل الإعلام الروسية.
وخلال الاجتماع، قال رئيس الأركان فاليري غيراسيموف إن “القوات الروسية تتقدم على معظم المحاور القتالية وتواصل عملياتها النشطة وفق الخطط الموضوعة”، مؤكّدًا أن الغارات الجوية “تستهدف المنشآت العسكرية والبنية التحتية الحيوية التي تدعم القدرات الأوكرانية في إنتاج المسيّرات”.
لكن كييف ترى الصورة من زاوية مختلفة، ففي كلمته المسائية، اتهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي روسيا باستخدام الطائرات المسيّرة “كأداة تخريب وزعزعة للاستقرار في أوروبا”، مشيرًا إلى ما وصفه بـ“أسطول الظل” الذي تستخدمه موسكو لنقل النفط وتمويل الحرب، بل وشنّ عمليات إلكترونية وهجمات مسيّرة انطلاقًا من ناقلات النفط.
وأضاف زيلينسكي أن أجهزة الاستخبارات الأوكرانية رصدت طائرات مسيّرة “انطلقت من البحر”، مؤكّدًا أن بعضها شوهد فوق أراضي دول أوروبية مثل الدنمارك وألمانيا، في حين نفت موسكو أي علاقة لها بهذه الهجمات، واعتبرت الاتهامات “استفزازًا متعمّدًا”.
في واقعٍ تتصاعد فيه الكلفة المادية للحرب، تمثل المسيّرات “سلاح الفقراء” بامتياز. فبينما تُكلّف الطائرة المسيّرة الواحدة بضعة آلاف من الدولارات، فإن اعتراضها أحيانًا يتطلب صاروخًا مضادًا قد تصل قيمته إلى مئات الآلاف. وهكذا، انقلب ميزان الكلفة، وأصبح الطرف الأقل إنفاقًا قادرًا على إحداث ضررٍ أكبر.
تطوّر هذا السلاح في الحرب الروسية الأوكرانية بشكل لافت، حيث تعتمد أوكرانيا على نماذج محلّية الصنع إلى جانب دعم تقني غربي، فيما طوّرت روسيا ترسانتها الخاصة بمسيّرات هجومية واستطلاعية بعيدة المدى، ومع مرور الوقت، باتت الجبهات تعتمد على الطائرات الصغيرة أكثر من الجنود أنفسهم.
يرى مراقبون أن اتساع رقعة هجمات المسيّرات، سواء فوق الأراضي الأوكرانية أو داخل العمق الروسي، يؤشر إلى مرحلة جديدة من الحرب تُدار عن بُعد، حيث تختلط فيها التقنية بالاستخبارات، والهجمات الميدانية بالعمليات الإلكترونية، ومع غياب أفق سياسي واضح، يبدو أن “سلاح الفقراء سيبقى في صدارة مشهد الحرب، يُرعب المدن، ويستنزف الخصوم، ويعيد تشكيل مفهوم القوة في القرن الحادي والعشرين.