مصر تُعيد الحياة إلى الشرق

الخميس، 09 أكتوبر 2025 12:39 م
مصر تُعيد الحياة إلى الشرق
طلال رسلان يكتب:

في زمنٍ باتت فيه لغة الحرب أعلى من همس الدبلوماسية، كان لا بد أن يخرج صوت من الشرق يحمل ملامح الإنسانية ويعيد الاتزان إلى المشهد الإقليمي المضطرب. ومن غير مصر يمكنه أن يفعل ذلك؟


ففي الوقت الذي تساقطت فيه القنابل، كانت القاهرة تبني الجسور. وفيما اشتعلت نار الغضب في الإقليم، كانت الدبلوماسية المصرية ترسم طريقًا نحو السلام، بصبرٍ لا يعرف الضجيج، وإصرارٍ لا يعرف التراجع.

لم يكن اتفاق شرم الشيخ مجرد ورقة سياسية جديدة تُضاف إلى أرشيف المفاوضات، بل كان خاتمة لملف دامٍ استمر عامين، وولادة لأملٍ جديد في مستقبلٍ أكثر إنسانية وعدلاً.


فمن قاعات المفاوضات التي امتدت لساعات طويلة إلى تحركات مصرية صامتة في العواصم الإقليمية والعالمية، نجحت القاهرة في أن تضع حدًا لصراع أنهك الجميع، لتُعلن أن صوت العقل ما زال ممكنًا، وأن الكلمة الصادقة قد تُطفئ نار البارود.

ما يميز الدور المصري في هذا الاتفاق أنه لم يكن دور الوسيط الحيادي فحسب، بل دور الدولة صاحبة الرسالة. مصر لم تتدخل بحثًا عن نفوذ سياسي، بل دفاعًا عن قيمة إنسانية عليا هي الحق في الحياة.


فعلى مدار عامين كاملين، كانت القاهرة تتحرك بخطى محسوبة، تجمع بين الواقعية السياسية والالتزام الأخلاقي، ترفض التهجير، وتكسر الحصار، وتفتح المعابر أمام المساعدات الإنسانية، في وقتٍ كانت فيه بعض الأصوات تصمت خشية الموقف أو طمعًا في مكسب.

منذ مؤتمر القاهرة في أكتوبر 2023، كانت الرؤية المصرية واضحة: لا استقرار في الشرق الأوسط دون حل عادل وشامل يعيد الحقوق إلى أصحابها، ويضمن الأمن الإقليمي بعيدًا عن المزايدات والشعارات.


ولهذا جاء اتفاق شرم الشيخ ليؤكد أن القيادة المصرية ما زالت قادرة على الإمساك بخيوط اللعبة الإقليمية بحكمة، وأن مكانة مصر في معادلة السلام لم ولن تغيب مهما تبدلت التحالفات.

ومن اللافت أن المجتمع الدولي هذه المرة لم يكتفِ بالتصفيق للدور المصري، بل وجد نفسه مضطرًا للاعتراف بأن ما لم تستطع القوى الكبرى إنجازه بالقوة، استطاعت مصر تحقيقه بالحكمة.


فحين تحدث الرئيس عبد الفتاح السيسي عن “انتصار إرادة السلام”، كان يُلخص واقعًا جديدًا فرضته مصر، ليس فقط على حدود الصراع، بل على وعي المنطقة بأكملها.

لقد أدركت القاهرة أن السلام ليس ورقة توقع، بل ثقافة تُزرع، وأن بناء الأوطان لا يكون بتبادل الاتهامات، بل ببناء الجسور بين الشعوب.


ولذلك فإن ما حدث في شرم الشيخ لم يكن مجرد نهاية حرب، بل بداية فلسفة جديدة للقيادة المصرية في التعامل مع أزمات المنطقة: “سلامٌ يحمي السيادة، وإنسانيةٌ لا تنكسر أمام الضغوط.”

لقد خرجت مصر من قلب العاصفة لتعيد للعرب صوتهم، وتؤكد أن العروبة ليست شعارًا من الماضي، بل مشروعًا مستقبليًا قادرًا على أن يصنع الفارق حين تتوحد الإرادة وتعلو القيم.


ولهذا لم يكن غريبًا أن يتوجه العالم كله اليوم نحو القاهرة، مقرًا بأن من أرضها تنبض أولى إشارات الحياة في شرقٍ أنهكته الحروب.

قد لا تكتب كتب التاريخ كل التفاصيل، لكنها ستذكر أن في زمنٍ ضاقت فيه الخيارات، كانت هناك دولة اسمها مصر آمنت أن الدبلوماسية يمكن أن تنقذ أرواحًا أكثر مما تنقذها الجيوش. وأن في الشرق، ما زال للسلام عنوان واحد.. القاهرة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة