النيل يجبر إثيوبيا على فك أسره
السبت، 11 أكتوبر 2025 08:28 م
أصر نهر النيل، على أن يستكمل مجراه حتى منتهاه في مصر، لا تحجز مياهه سدود، مهما بلغ ارتفاعها، وكأنه خلق لأجلها؛ إذ أن النيل له قواعده، التي راعى المصريون قداستها، منذ نشأة الحضارة المصرية، قبل أن يدعي من جاءوا بعدها أنهم أولى بمياهه؛ فخالفوا قدسية النيل، فانقلبت دعاواهم لتكون الحجة والبينة والدليل على خطأ مساعيهم.
في بيان لوزارة الموارد المائية والري، 3 أكتوبر الجارى، أوضح أن التقاء الكميات الكبيرة وغير المتوقعة من المياه، من خلال تصرفات السد الإثيوبي، في هذا التوقيت من العام، مع تأخر واختلاف مواعيد سقوط الأمطار داخل السودان، إلى جانب ارتفاع إيراد النيل الأبيض عن معدلاته الطبيعية، عوامل أدت إلى زيادة مفاجئة في كميات المياه، نتج عنها إغراق مساحات من الأراضي الزراعية وغمر العديد من القرى السودانية؛ مضيفاً: وفي مواجهة تلك الظروف الطارئة، لم يكن أمام مشغلي سد الروصيرص السوداني خيار، سوى تخزين جزء بسيط من تلك المياه، وتمرير الجزء الأكبر عبر بواباته حفاظاً على أمان السد، نظراً لمحدودية سعته التخزينية.
وترى الوزارة، أن ما حدث على النيل الأزرق، من إسراع في الملء غير القانوني للسد الإثيوبي، ثم تصريف كميات هائلة من المياه مباشرةً، بعد ما سمي باحتفال افتتاح السد، لم يكن إجراءً اضطرارياً، وإنما يعكس إدارة غير منضبطة وغير مسؤولة لسد في ذلك الحجم.
وبحسب بيان الرى، تسببت الإدارة الأحادية وغير المسؤولة فيما يتعلق بالسد الإثيوبي الكبير، في تغيير مواعيد الفيضان الطبيعي الذي تحدث ذروته عادة في أغسطس، ما يعني إحداث فيضان صناعي مفتعل، أكثر حدةً وقوةً في وقت متأخر من العام (جزء من شهر سبتمبر)؛ لافتة إلى أن ذلك التصرف العبثي وغير المنضبط، والذي لا هدف له سوى الاستعراض الإعلامي والسياسي، ألحق خسائر فادحة بالسودان الشقيق، وفقاً لتقارير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، مهدداً حياة ومقدرات شعبي دولتي المصب؛ لافتةً إلى تحذيرات مصر المتكررة، من أن وجود سد يخزن 74 مليار م³ بشكل مخالف للقانون الدولي ودون اتفاق قانوني ملزم، وفي ظل تلك العشوائية والعبث في الإدارة، يمثل خطراً دائماً ومستمراً على دولتي المصب خلال فترات الجفاف وفترات الفيضان.
وفي ظل مواصلة مصر، أداء رسالتها، وفي خطاب مصر، ممثلةً وزارة الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج، في 9 سبتمبر الماضى، إلى رئيس مجلس الأمن الدولي، التابع للأمم المتحدة، كانت قد تناولت التطورات الأخيرة في حوض النيل الشرقي، المتمثل في النيل الأزرق، أحد أهم روافد النهر، حيث نظمت إثيوبيا، في ذلك اليوم، فعالية انتهاء وتشغيل سدها المخالف للقانون الدولي؛ موضحةً أن المساعي الإثيوبية الواهية، لمنح ذلك السد غطاءً زائفاً من القبول والشرعية، لم تغير من وضع السد كإجراء أحادي مخالف للقانون والأعراف الدولية؛ ولا تنتج عنه أية تبعات على النظام القانوني الحاكم لحوض النيل الشرقي، طبقاً للقانون الدولي؛ فضلاً عما تمثله التصرفات الإثيوبية الأخيرة، من خرق جديد يضاف إلى قائمة طويلة من من الانتهاكات الإثيوبية للقانون الدولي، بما في ذلك البيان الرئاسي لمجلس الأمن الدولي، الصادر في 15 سبتمبر 2021؛ لينتهي البيان بالتشديد على أن مصر لن تسمح للمساعي الإثيوبية أن تهيمن على إدارة الموارد المائية بصورة أحادية؛ وتحتفظ مصر بحقها في اتخاذ كافة التدابير المكفولة، بموجب القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، للدفاع عن مصالح شعبها الوجودية.
وزارة الموارد المائية والري، قالت إن مياه نهر النيل تنبع من ثلاثة روافد رئيسية، النيل الأبيض، النيل الأزرق، ونهر عطبرة؛ ويأتي فيضان النيل الأزرق خلال الفترة، من يوليو وحتى أكتوبر من كل عام، وذروته عادةً في شهر أغسطس؛ لافتةً إلى ما تشير إليه البيانات من أن وضع الفيضان عند مصادره الرئيسية الثلاثة، لهذا العام، أعلى من المتوسط بنحو 25%، إلا أنه أقل من العام الماضي، الذي اعتبر فيضاناً مرتفعاً، حتى الآن.
ومن الناحية الفنية -يضيف بيان وزارة الموارد المائية والري- كان من المفترض أن تبدأ إثيوبيا في تخزين المياه بسدها، بشكل تدريجي، منذ بداية يوليو وحتى نهاية أكتوبر، ثم تقوم بتصريفها بشكل منظم لتوليد الكهرباء على مدار العام، بما يتسق مع ما تدعيه مراراً بشأن فوائد السد في تنظيم الفيضان وحماية السودان من الغرق وتوفير الكهرباء للشعب الإثيوبي؛ لكن، في نهاية أغسطس الماضى، لوحظ أن مشغلي السد الإثيوبي خالفوا القواعد الفنية والعلمية المتعارف عليها، فقاموا بتخزين كميات أكبر من المتوقع من مياه الفيضان، مع تقليل التصريفات، من نحو 280 مليون م³ إلى 110 ملايين م³ يوم 8 سبتمبر؛ موضحاً أن تلك التصرفات تدل على توجه إثيوبي متعجل نحو إتمام الملء بصورة غير منضبطة، للوصول إلى منسوب 640 م فوق سطح البحر، ثم فتح المفيض الأوسط ومفيض الطوارئ لساعات معدودة لاستخدامها فقط كـ«لقطة إعلامية» واستعراض سياسي، في ما سمي باحتفال افتتاح السد، يوم 9 سبتمبر 2025، بعيداً عن أي اعتبار للسلامة المائية أو مصالح دول المصب.
وتأكدت التقديرات المصرية، بما حدث فعلياً؛ إذ عمد المشغل الإثيوبي، عقب انتهاء ما سمي بالاحتفال، وفي يوم 10 سبتمبر، إلى تصريف كميات ضخمة من المياه، بلغت 485 مليون م³ في يوم واحد، تلتها زيادات مفاجئة وغير مبررة في التصريفات وصلت إلى 780 مليون م³ يوم 27 سبتمبر، ثم انخفضت إلى 380 مليون م³ يوم 30 سبتمبر؛ كما أظهرت التقديرات الخاصة بمناسيب السد الإثيوبي انخفاض المنسوب بما يقارب متراً واحداً، وهو ما يعادل تصريف نحو 2 مليار م³ من المياه المخزنة دون مبرر، بخلاف التصرفات الناتجة عن الفيضان نفسه، وهو ما فاقم من كميات المياه المنصرفة وأكد الطبيعة غير المنضبطة والعشوائية لإدارة السد.
إنذارات للمتعدين على مجرى النيل
وزارة الموارد المائية والري، في مصر، وبحسب بيان 3 أكتوبر كانت لديها تحسب مسبق للسيناريوهات غير المنضبطة والعشوائية لإدارة السد الإثيوبي، فاتخذت الوزارة إجراءات استباقية، شملت مخاطبة جميع المحافظين، في 7 سبتمبر، للتنبيه على المواطنين بضرورة توخي الحذر واتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية ممتلكاتهم وزراعتهم المقامة على أراضي طرح النهر، رغم كونها تعديات مخالفة للقانون؛ موضحةً أن ذلك في إطار حرص الدولة على حماية المواطنين والتقليل من الآثار المحتملة للفيضان، مع التأكيد على أن تلك الأراضي بطبيعتها جزء من المجرى الطبيعي والسهل الفيضي لنهر النيل، ومعرضة للغمر في مثل تلك الحالات.
الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، كان قد حذر من أن التقديرات والتوقعات تشير إلى استمرار زيادة التصرفات المائية -جراء الفيضان المصطنع المشار إليه بشأن السد الإثيوبي- حتى نهاية شهر أكتوبر، مع ارتفاع مستوى الغمر للأراضي، لا سيما في محافظتي: المنوفية والبحيرة؛ مشدداً على كونها أراض من طرح النهر، وتدخل ضمن مجراه الطبيعي، ومتعدى عليها بالمخالفة، من قبل عدد من المواطنين.
جدير بالذكر، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، التابع لمجلس الوزراء، وفي سلسلة «إنفوجراف»، أعدها ونشرها، في وقت سابق، نقلاً عن وزارة الموارد المائية والري، كان قد أوضح أن 87 ألف حالة تعد على مجرى نهر النيل، تمت إزالتها، منذ عام 2015 حتى يوليو 2017؛ وذلك، في إطار الحفاظ على مجرى نهر النيل وجسوره من أية تعديات؛ والحفاظ على إمرار التصرفات المائية، على طول المجرى؛ لافتاً إلى إنشاء منظومة متكاملة من الصاولات ونطاقات الحماية، لمنع انتشار ورد النيل على طول مجراه، والحد منه في الرياحات والترع والمصارف.
ووفقاً لما ورد في «إنفوجراف»، أعده ونشره المركز الإعلامي لمجلس الوزراء، في 15 أبريل 2025، نقلاً عن وزارة الموارد المائية والري، كان قد أشار إلى المشروع القومي لتأهيل وتبطين الترع، والذي تم إطلاقه، منذ عام 2019، بما يمكنها من القيام بمهمتها الأساسية، لتوصيل المياه لكافة المنتفعين، على الترع بكفاءة، وتحقيق العدالة في التوزيع؛ لافتاً إلى الانتهاء من تأهيل 7876 كم من الترع، حتى ذلك التاريخ.
ولعل الرؤية الثاقبة لدى الدولة المصرية، تتجسد في قناطر أسيوط الجديدة، كأكبر مشروع مائي مقاوم للزلازل، على مجرى نهر النيل، في مصر، بعد السد العالي؛ كأحد أهم الاستعدادات الاستباقية، في الإجراءات التي اتخذتها الدولة، والذي أشارت الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، أن العمل في إنشائه استغرق 6 سنوات، بتكلفة تجاوزت 6.5 مليار جنيه؛ وتساهم القناطر الجديدة في تحسين ري وزراعة مليون و650 ألف فدان؛ مشيرة إلى أنها تولد طاقة كهربائية نظيفة، بقدرة 32 ميجاوات، من خلال 4 توربينات؛ وتوفر نحو 15 مليون دولار سنوياً، كان يمكن إنفاقها في إنتاج نفس الكمية، باستخدام الوقود الأحفوري التقليدي.
ووفقاً للهيئة العامة للاستعلامات المصرية، حول قناطر أسيوط الجديدة، تضم القناطر الجديدة: هويسين ملاحيين، للسماح بمرور وحدتين للملاحة النهرية، في وقت متزامن، في زمن عبور قياسي، يقدر بـ11 دقيقة؛ كما أن القناطر الجديدة تضم 8 بوابات، تتحكم في تنظيم المياه ومناسيبها؛ ويتكون مفيض القناطر من 3 فتحات، عرض الواحدة 17 متراً، جميعها من المنشآت الخرسانية من الدرجة الأولى.