فرحة الاكتساح.. العنانى على قمة اليونسكو.. سبيكة ثقافية مصرية فريدة صهرتها طبقات متعاقبة من الحضارات

السبت، 11 أكتوبر 2025 10:59 م
فرحة الاكتساح.. العنانى على قمة اليونسكو.. سبيكة ثقافية مصرية فريدة صهرتها طبقات متعاقبة من الحضارات
طلال رسلان يكتب:

المرشح المصرى أول عربى وثانى أفريقي يتولى مدير عام منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ويتعهد بجعلها بيتا لمختلف شعوب العالم

في السادس من أكتوبر 2025، وبينما كان المصريين يحتفلون بمرور 52 عاماً على انتصارات أكتوبر المجيدة، كان أحد أبناء مصر يرفع علم بلاده خفاقاً في سماء العاصمة الفرنسية باريس، محققاً انتصارا دبلوماسيا وسياسياً كبيرا.

من قلب منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، حقق الدكتور خالد العناني، وزير السياحة والآثار الأسبق، فوزا ساحقا بمنصب مدير عام المنظمة للفترة من 2025 إلى 2029، بعد حصوله على 55 صوتا من أصل 57 خلال تصويت المجلس التنفيذي للمنظمة مساء الاثنين الماضى، فيما حصل منافسه الكونجولى على صوتان فقط، ومن المقرر أن يقوم المؤتمر العام لليونسكو الذى سيعقد في سمرقند بأوزبكستان يوم 6 نوفمبر المقبل بتثبيت نتيجة التصويت الأخيرة.

وهنأ الرئيس عبد الفتاح السيسي الدكتور خالد العناني، وقال في تدوينة على صفحته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي-: "أتقدم بخالص التهنئة للدكتور خالد العناني بمناسبة فوزه الكاسح في انتخابات المجلس التنفيذي لليونسكو وحصوله على 55 من أصل 57 صوتا، وانتخابه مديرًا عامًا للمنظمة، في إنجاز تاريخي يُضاف إلى سجل مصر الدبلوماسي والثقافي وإلى إنجازات الشعوب العربية والإفريقية".

وتابع السيد الرئيس: "هذا الفوز المستحق يُجسد مكانة مصر الحضارية، ويؤكد قدرة أبنائها على القيادة في المحافل الدولية، ويعكس ثقة العالم في الكفاءات المصرية التي تجمع بين العلم والخبرة والتفاني.. كل التوفيق للدكتور العناني في مهمته النبيلة، ونحن على ثقة بأنه سيُسهم في تعزيز الحوار الثقافي وحماية التراث الإنساني، بما يليق بحضارة مصر و الحضارات الإنسانية العريقة".

يعد هذا الفوز فوزا تاريخيا، إذ أصبح العناني بهذه النتيجة أول عربي يحصل على هذا المنصب الرفيع منذ تأسيس المنظمة الدولية عام 1945، كما أصبح ثاني إفريقي يتبوأ هذا المنصب بعد السنغالي أمادو محتار مبو (1974-1987)، وقد حظى بدعم واسع على المستوى الافريقي، وقال العنانى: فخور بالفعل بأن ترشيحي حظى بدعم المجموعتين العربية والإفريقية، فهذا الدعم يعكس ثقة جماعية تتجاوز البعد الوطني لتجسد هوية مشتركة وقيم متجذرة .. وأعتبر أن أولويتي هي أن تكون أصوات المجموعتين مسموعة بوضوح في قلب صنع القرار باليونسكو".

وتحركت الدبلوماسية المصرية بخبرة واقتدار بقيادة وزير الخارجية الدكتور بدر عبد العاطي، وبتناغم وتنسيق واع ومتكامل مع كافة مؤسسات الدولة، وبكفاءة مشهود لها لسفراء مصر بالخارج في العواصم المؤثرة، بقراءة ناضجة للمواقف الاقليمية والدولية لضمان فوز المرشح المصري، حيث تواجد في باريس قبل الانتخابات بأيام لإجراء مباحثات شاملة ومكثفة مع ممثلي كافة الدول المعنية لضمان ترسيخ حالة الزخم والمساندة الدولية للمرشح المصري، واتبعت الدبلوماسية المصرية نهجاً هادئاً ومدروساً جمع بين الإقناع والعلاقات الممتدة والاحترام الدولي الذي تحظى به القاهرة تحت قيادة الرئيس السيسي، وبتوظيف مكانة مصر الدولية وحقيقة كونها ركيزة سياسية للسلام العالمي، مثلما كانت وستظل ركيزة للحضارة وعنوانا للتاريخ.

وهنأت وزارة الخارجية الرئيس عبد الفتاح السيسي والشعب المصري والشعوب العربية والإفريقية علي فوز المرشح المصري والعربي والأفريقي بهذا المنصب الفريد، مؤكدة أن نتيجة التصويت جاءت تتويجاً لجهود حملة انتخابية موسعة قادتها وزارة الخارجية على مدار 30 شهراً بتوجيه من الرئيس السيسي، كان نصب أعينها فيها تحقيق هذا الإنجاز التاريخي للشعب المصري العظيم الذي صنع حضارة فريدة منذ فجر التاريخ ويستحق أن يتولى أحد أبنائه المتفردين رئاسة اكبر منظمة دولية معنية بالتراث الإنساني.

وفى كلمته أمام المكتب التنفيذي لليونسكو، أكد الدكتور بدر عبد العاطي وزير الخارجية والهجرة وشئون المصريين بالخارج، أن انتخاب العناني لهذا المنصب الرفيع يعد احتفاءً بإسهامات مصر والعالمين العربي والأفريقي الثقافية والحضارية والفكرية على مدار آلاف السنين، وقال إن "فوز الدكتور خالد العناني، بمنصب مدير عام منظمة اليونسكو، يمثل سبيكة ثقافية وحضارية فريدة ومتنوعة ولا مثيل لها سبيكة مصرية صهرتها طبقات متعاقبة من الحضارات الإنسانية الثرية والمتنوعة وتفاعلت، فكانت نتائجها مرشحنا الذي تتجسد فيه قيم تلك الحضارات الفرعونية واليونانية والرومانية والقبطية والعربية الإسلامية والحضارة الحديثة".

وقال الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء إن هذا الفوز التاريخي يُمثل نصراً جديداً لمصر في مُعترك المُنظمات الأممية الدولية، وبرهانا جديدا على الثقة الكبيرة في قدرة الخبرات الوطنية وسط الدوائر العربية والإقليمية والدولية، واليقين في قدرتها على إحراز الإنجازات وتحقيق الفارق.

المشهد داخل المنظمة كان كاشفاً عن الكثير من الرسائل، فبمجرد إعلان المديرة الحالية، الفرنسية أودري أزولاي، النتيجة، عمت الفرحة أرجاء المكان، داخل أروقة هذه المنظمة التي تهدف في الأساس إلى المساهمة في إحلال السلام والأمن عن طريق رفع مستوى التعاون بين دول العالم في مجالات التربية والتعليم والثقافة، وهو ما يعبر عن المكانة التي تحتفظ بها مصر لدى العالم.

العناني، قال "إن خدمتي لن تقتصر على إدارة منظمة دولية، بل ستكون التزاما بأن أجعل من اليونسكو بيتا يعبّر عن القيم المتنوعة لمختلف شعوب العالم، ويجعل من معاناتهم وأحلامهم جزءا من الرسالة الإنسانية العالمية"، معتبراً مسيرته الأكاديمية والمهنية "كانت وما تزال مصدر إلهام وتشكيل لرؤيتي، ليس فقط في المجال العلمي، وإنما أيضًا في الإيمان العميق بالدور الذي يمكن للثقافة والتعليم والعلوم أن تلعبه في بناء السلام وتعزيز التفاهم بين الشعوب"، مشيراً إلى إدراكه أن المعرفة ليست حكرا على النخبة، وإنما هي أداة تمكين للمجتمعات كافة.

وأضاف العنانى: رؤيتي تقوم على أن اليونسكو لا يمكن أن تحقق رسالتها إذا عملت كل دولة بمعزل عن الأخرى، بل من خلال التضامن والتعاون الحقيقي، لذلك سأحرص على أن تكون إدارتي قائمة على حسن الاستماع، التشارك، وبناء توافقات تضمن أن يشعر كل عضو أن صوته مسموع وأنه شريك في صنع القرار، لافتاً إلى أنه سيعمل على عدة مسارات، أهمها التقارب والشراكات عبر تعزيز التعاون جنوب–جنوب، بحيث تصبح اليونسكو منصة لتبادل الخبرات بين الدول العربية والإفريقية، وإبراز نجاحاتها كنماذج عالمية، فضلاً عن إبراز الصوت المشترك من خلال تعزيز دور المنظمة في مساعدة الدول الأعضاء على مواجهة التحديات العالمية مثل تغير المناخ، الهجرة، حماية الهوية الثقافية، والحق في التعليم، بحيث لا تكون هذه القضايا هامشية بل في صدارة الأجندة الدولية.

ورسخت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، منذ تأسيسها عام 1945 عقب الحرب العالمية الثانية، مكانتها كإحدى أبرز مؤسسات الأمم المتحدة التي تسعى إلى بناء السلام عبر نشر التعليم والعلم والثقافة والتفاهم بين الشعوب، إدراكا منها أن "الحروب تبدأ في عقول البشر، ومن ثم يجب أن تبنى حصون السلام في عقولهم"، واليونسكو، التي تتخذ من باريس مقرا رئيسيا لها وتضم اليوم 194 دولة عضوا، تواصل منذ ما يقرب من 8 عقود جهودها الحثيثة في مجالات التعليم والعلوم والثقافة والاتصال، باعتبارها الركائز الأساسية لتحقيق التنمية البشرية وبناء السلام العالمي. ومن خلال عملها، تسعى المنظمة إلى تعزيز التنمية المستدامة وبناء مجتمعات قائمة على المعرفة والتنوع الثقافي والابتكار العلمي، إدراكا منها بأن الاستثمار في الإنسان هو السبيل الأمثل لمواجهة التحديات المشتركة التي يواجهها العالم في القرن الحادي والعشرين.

وفي مصر، كان لليونسكو دور بارز ومتواصل منذ تأسيسها، إذ كانت مصر من الدول المؤسسة للمنظمة عام 1945، ومن أوائل الدول التي استضافت مكتبا إقليميا لليونسكو في القاهرة ليكون مركزا للتنسيق في المنطقة العربية والإفريقية، وقد مثل التعاون بين مصر واليونسكو نموذجا رائدا في حماية التراث الإنساني، حين قادت المنظمة في ستينيات القرن الماضي حملة عالمية لإنقاذ معابد أبو سمبل وفيلة من الغرق بعد بناء السد العالي، وهي واحدة من أكبر حملات الإنقاذ الأثري في التاريخ الحديث بمشاركة دولية غير مسبوقة، وساهمت اليونسكو كذلك في تسجيل مواقع مصرية عدة على قائمة التراث العالمي، من بينها مدينة طيبة القديمة ومقابرها في الأقصر، وأهرامات الجيزة، ومنطقة أبو مينا الأثرية بالإسكندرية، والقاهرة الإسلامية، ومدينة ممفيس ومقبرتها، ودير سانت كاترين.

وتواجه المنظمة اليوم تحديات جسيمة نتيجة النزاعات المسلحة والتغير المناخي والتحولات الرقمية السريعة، ما يدفعها إلى تكييف برامجها مع الواقع العالمي الجديد، وتعزيز حضورها الميداني في الدول النامية، ومع انتخاب العناني مديرا عاما لليونسكو خلفا لأودري أزولاي، تدخل المنظمة مرحلة جديدة ينتظر أن تستفيد فيها من الخبرة المصرية في مجالات التراث والثقافة لتوسيع نشاطها في المنطقة العربية وإفريقيا، وتعزيز التعاون بين الحضارات.

ومن المتوقع أن يقود العناني تنفيذ استراتيجية 2030 مع تركيز متزايد على التحول الرقمي في التعليم، وتمكين الشباب والنساء، وصون التراث العالمي المهدد، لاسيما في الشرق الأوسط وإفريقيا، وهي المجالات التي لطالما أولت مصر اهتماما خاصا بها في تعاونها مع اليونسكو.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق