تعددية مُؤَسَّسة.. مجلس الشيوخ المصري في دورته الثانية يعيد رسم ملامح الحياة الحزبية
الثلاثاء، 14 أكتوبر 2025 10:54 ص
يشكل الفصل التشريعي الثاني لمجلس الشيوخ المصري لعام 2025 علامة فارقة في مسار التجربة السياسية المصرية الحديثة، ليس فقط من حيث اتساع رقعة التمثيل الحزبي، بل من حيث ما يعكسه هذا التنوع من نضج في بنية النظام السياسي وتطور في الثقافة الحزبية تجاه المشاركة المؤسسية في صناعة القرار الوطني.
فقد جاءت تركيبة المجلس لتضم تسعة عشر حزباً سياسياً، في مشهد غير مسبوق منذ تأسيس الغرفة الثانية، بما يؤشر إلى ترسخ مبدأ التعددية السياسية وتنامي الثقة في أدوات العمل البرلماني كأحد أذرع "الجمهورية الجديدة" في إدارة الحوار الوطني وصياغة السياسات العامة.
هذا التنوع لا يُقاس بالعدد بقدر ما يُقاس بالفاعلية؛ إذ أفرز مجلس الشيوخ في تشكيله الجديد حالة من الحراك التشريعي المتوازن، أتاحت للأحزاب مساحة أوسع لتبادل الرؤى داخل اللجان النوعية والجلسات العامة، ما أضفى على النقاشات طابعاً تفاعلياً يثري الأداء الاستشاري للمجلس ويعمّق دوره في دراسة التشريعات ذات البعد الاقتصادي والاجتماعي.
ويعكس التكوين السياسي للمجلس توازناً محسوباً بين قوى الأغلبية والتيارات المعارضة البناءة، بما يجعله منصة مؤسسية حقيقية للحوار الوطني، قادرة على تمثيل الطيف السياسي المصري بمختلف توجهاته. وفي هذا الإطار، حافظ حزب مستقبل وطن على صدارته بحصوله على 118 مقعداً، مؤكداً مكانته كأكبر الكيانات السياسية تمثيلاً في الغرفة الثانية، فيما جاء حزب حماة الوطن ثانياً بـ 72 مقعداً، معززاً موقعه كأحد الأحزاب الداعمة للمسار التنموي الشامل. أما حزب الجبهة الوطنية فحلّ ثالثاً بـ 45 مقعداً، كقوة سياسية صاعدة ضمن معادلة التوازن البرلماني.
تلاه حزب الشعب الجمهوري في المركز الرابع بـ 14 مقعداً، في حين واصل الحزب المصري الاجتماعي الديمقراطي حضوره الفكري والحقوقي بـ 7 مقاعد، مؤكداً استمرار التيار الاجتماعي الديمقراطي كصوت فاعل داخل المؤسسة التشريعية. أما حزب الوفد العريق فحافظ على رمزيته التاريخية بستة مقاعد، بينها أربعة بالتعيين الرئاسي، استمراراً لدوره كأحد أعمدة الحياة الحزبية في مصر الحديثة.
كما حصل حزبا الإصلاح والتنمية والعدل على خمسة مقاعد لكل منهما، وبرز حضور المؤتمر والتجمع بثلاثة مقاعد لكل حزب، في تمثيل يعكس استمرارية التيارات المدنية واليسارية المعتدلة ضمن المشهد البرلماني.
وفي المقابل، سجّل حزب النور وحزب الحرية مقعدين لكل منهما، بينما حظيت سبعة أحزاب – هي السادات الديمقراطي، إرادة جيل، المصريين، الوعي، الناصري، الجيل، والمصريين الأحرار – بمقعد واحد لكل حزب، وهو تمثيل رمزي لكنه ذو دلالة سياسية عميقة على شمولية الحياة الحزبية المصرية وقدرتها على استيعاب مختلف المرجعيات الفكرية من الليبرالية إلى القومية والدينية.
كما تواصل تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين أداء دورها كمختبر سياسي متقدم لتجديد النخبة البرلمانية، إذ تضم 16 عضواً من خلفيات حزبية متنوعة أبرزها الحرية، العدل، المصري الديمقراطي، حماة الوطن، مستقبل وطن، النور، والجبهة الوطنية. ويُضاف إلى هذا المشهد 11 عضواً مستقلاً يمثلون صوت الخبرة والكفاءة خارج الانتماء الحزبي المباشر، ما يضفي على المجلس بعداً تشاركياً يعزز التوازن بين التمثيل السياسي والمهني.
في المحصلة، يعكس الفصل التشريعي الثاني لمجلس الشيوخ تحولاً نوعياً في بنية العمل الحزبي المصري؛ إذ لم يعد التعدد شعاراً دستورياً بقدر ما أصبح ممارسةً مؤسسية تُترجم في الأداء البرلماني، وتؤسس لمرحلة أكثر نضجاً من التفاعل بين الدولة والأحزاب في ظل مشروع الجمهورية الجديدة.