الصلب يتحول إلى ساحة صراع.. هل تنشب حرباً اقتصادية بين أوروبا والصين؟
الثلاثاء، 14 أكتوبر 2025 12:01 م
تتصاعد حدة التوتر الاقتصادي بين أوروبا والصين مع اقتراب بروكسل من اتخاذ قرار حاسم بفرض رسوم جمركية مرتفعة على واردات الصلب الصيني، في خطوة تعكس قلقًا متناميًا داخل الاتحاد الأوروبي من تمدد النفوذ الصناعي الصيني وهيمنته على الأسواق العالمية للمعادن الأساسية.
ويأتي هذا التوجه ضمن استراتيجية أوروبية أوسع لمواجهة ما تعتبره المفوضية الأوروبية "ممارسات تجارية غير عادلة"، تهدد استقرار الصناعات الأوروبية التقليدية وتضعف قدرتها التنافسية في سياق التحول العالمي نحو الاقتصاد الأخضر.
تشير التقارير الصادرة عن مؤسسات اقتصادية أوروبية إلى أن الصين أصبحت المزود الأول للصلب منخفض التكلفة في القارة العجوز، إذ ارتفعت صادراتها إلى أوروبا بنسبة 40% منذ عام 2022، ما تسبب في ضغوط حادة على المصانع المحلية التي تعاني من ارتفاع تكاليف الإنتاج والتزامات بيئية صارمة.
ووفقًا لمصادر داخل بروكسل، فإن المفوضية تدرس تطبيق رسوم تعويضية عالية لمواجهة الإغراق الصيني، بعد تلقيها شكاوى متزايدة من شركات أوروبية أكدت أن الواردات الصينية تُباع بأقل من كلفتها الفعلية، وهو ما أدى إلى تراجع أرباح عدد من المصانع وإغلاق بعضها خلال السنوات الأخيرة.
التحرك الأوروبي لا يقتصر على الجانب التجاري فحسب، بل يمتد إلى البعد البيئي والتنظيمي، حيث تخطط بروكسل لاعتماد آلية "تسعير الكربون على الحدود" كوسيلة لفرض رسوم إضافية على المنتجات القادمة من دول لا تلتزم بمعايير الانبعاثات الأوروبية، في مسعى لحماية الصناعات الأوروبية التي تتحمل تكاليف مرتفعة للحد من الانبعاثات.
ووفقًا لصحيفة الإكونوميستا الإسبانية، فإن هذه الآلية ستشمل قطاعات الحديد والصلب باعتبارها من أكثر الصناعات كثافة في استخدام الطاقة.
وتواجه المفوضية ضغوطًا متزايدة من الدول الصناعية الكبرى داخل الاتحاد مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا، التي ترى أن استمرار الإغراق الصيني يهدد مئات الآلاف من فرص العمل ويقوض جهود الاتحاد لتحقيق "الاستقلال الاقتصادي" في المواد الإستراتيجية.
وفي هذا السياق، شدد المفوض الأوروبي لشؤون التجارة على أن أوروبا لن تقف مكتوفة الأيدي أمام ممارسات تقوض المنافسة العادلة، مؤكدًا أن الهدف ليس إغلاق الأسواق وإنما إعادة التوازن إلى قواعد التجارة الدولية.
في المقابل، ردت بكين بلهجة حذرة لكنها حاسمة، معتبرة أن أي رسوم جديدة ستكون بمثابة "تمييز تجاري" وستقابل بإجراءات مضادة، مشيرة إلى أن صادراتها تسهم في تلبية الطلب العالمي واستقرار الأسعار في الأسواق الدولية.
كما دعت الصين الاتحاد الأوروبي إلى معالجة الخلافات عبر الحوار والتعاون بدلاً من اللجوء إلى سياسات الحواجز الجمركية التي قد تضر بالجانبين.
ويرى محللون أن هذا التصعيد يعكس مرحلة جديدة من "الحرب التجارية العالمية" بين القوى الاقتصادية الكبرى، إذ تحاول أوروبا إيجاد معادلة دقيقة بين حماية صناعتها الوطنية والحفاظ على علاقاتها مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
كما يحذر خبراء من أن فرض الرسوم سيؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج في قطاعات حيوية كالبناء وصناعة السيارات والطاقة المتجددة، ما قد ينعكس على الأسعار النهائية للمستهلكين الأوروبيين.
في المحصلة، يبدو أن الصلب أصبح عنوانًا جديدًا للصراع بين بكين وبروكسل، حيث تسعى أوروبا لإثبات قدرتها على الدفاع عن صناعتها الثقيلة دون أن تتخلى عن مبادئها في التجارة الحرة، بينما تراقب الأسواق العالمية بقلق تداعيات أي مواجهة تجارية قد تعيد تشكيل موازين الاقتصاد الدولي.