الرسوم الجمركية الأمريكية.. حماية الصناعة أم تهديد مستقبلها؟

الثلاثاء، 14 أكتوبر 2025 01:33 م
الرسوم الجمركية الأمريكية.. حماية الصناعة أم تهديد مستقبلها؟
هبة جعفر

تكشف التحولات الأخيرة في السياسة التجارية الأمريكية عن مفارقة لافتة داخل واحدة من أكثر الصناعات حيوية في الولايات المتحدة.
 
فبينما ترفع الإدارة الأمريكية شعار "حماية التصنيع الوطني" عبر فرض رسوم جمركية مشددة على الواردات، تبدو النتائج على الأرض مغايرة تمامًا، خصوصًا في قطاع السيارات الذي يعيش واحدة من أكثر فترات الاضطراب منذ عقود.
 
تهدف هذه الرسوم إلى كبح المنافسة الأجنبية وتحفيز إعادة توطين المصانع داخل الأراضي الأمريكية، غير أن انعكاساتها المباشرة بدأت تضرب صميم الصناعة المحلية.
 
وتواجه شركات السيارات الكبرى مثل فورد وجنرال موتورز وستيلانتس توقعات بخسائر إجمالية تقارب سبعة مليارات دولار خلال عام 2025، نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج واضطراب سلاسل التوريد وغلاء المكونات المستوردة من آسيا وكندا والمكسيك.
 
ومع كل جولة جديدة من التعريفات الجمركية، تتصاعد حالة القلق في الولايات الصناعية، وعلى رأسها ميشيغان، التي تضم أكثر من ألف مورد لقطع غيار السيارات. فبدلًا من إنعاش الاقتصاد المحلي، أدت القيود الجديدة إلى تراجع التدفقات النقدية وتأجيل الاستثمارات وتعطيل خطوط الإنتاج.
 
وقد حذرت مجالس الأعمال واتحادات المصنعين من أن استمرار النهج الحالي سيقوض تنافسية الصناعة الأمريكية ويدفع آلاف الوظائف نحو المجهول.
 
ورغم أن الإدارة الأمريكية تسوّق سياستها على أنها أداة لاستعادة التوازن التجاري وتعزيز الأمن الاقتصادي، إلا أن كثيرًا من المحللين يرون فيها مغامرة مكلفة. فصناعة السيارات الأمريكية تعتمد بطبيعتها على شبكة توريد عالمية معقدة، تُستورد منها نسب مرتفعة من المكونات الأساسية، ما يعني أن فرض رسوم على المواد الأولية والمعادن – كالصلب والألومنيوم – يرفع تكلفة الإنتاج محليًا ويضعف القدرة على التسعير في الأسواق العالمية.
 
وتجد الشركات نفسها أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما امتصاص الزيادة في التكلفة بما يؤدي إلى تآكل الأرباح، أو تمريرها إلى المستهلك عبر رفع الأسعار، وهو ما قد يقلص الطلب ويزيد الفجوة بين العرض والقدرة الشرائية. ووفق تقديرات اقتصادية، فإن أي زيادة تتراوح بين ألفين إلى ثلاثة آلاف دولار في سعر السيارة الواحدة قد تدفع كثيرين لتأجيل الشراء أو التوجه نحو السيارات المستعملة.
 
ورغم تلك الصورة القاتمة، يرى بعض الخبراء أن الأثر السلبي قد يكون مؤقتًا، وأن المدى الطويل قد يشهد عودة تدريجية للمكاسب إذا ما دفعت الرسوم بعض الشركات الأجنبية لنقل مصانعها إلى الولايات المتحدة.
 
إلا أن هذه الرؤية تبقى مرهونة بقدرة واشنطن على تحقيق توازن دقيق بين حماية الأمن الاقتصادي ومنع انعزالها عن سلاسل القيمة العالمية.
 
في المحصلة، تكشف أزمة الرسوم الجمركية أن الطريق إلى "النهضة الصناعية الأمريكية" ليس ممهدًا كما يُصوَّر؛ فبينما تسعى الإدارة إلى تحصين السوق المحلي من المنافسة الخارجية، تجد نفسها في مواجهة تداعيات داخلية متصاعدة تهدد أحد أعمدة الاقتصاد الوطني.
 
ومع استمرار هذا النهج، يبدو أن قطاع السيارات الأمريكي يقف اليوم أمام اختبار صعب بين الاستمرار في الحماية أو التراجع لتجنب ركود محتمل في السنوات المقبلة.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق