بقى أسبوعان.. المتحف المصري الكبير جاهز لإبهار العالم باحتفال ضخم ومقتنيات تُعرض لأول مرة
السبت، 18 أكتوبر 2025 11:50 م
قادة وزعماء يشاركون في الحدث الأكبر.. وخطة محكمة لاستقبال أكثر من 15 ألف زائر يوميًا
انتهاء فترة التشغيل التجريبى.. و4 نوفمبر فتحه رسمياً أمام الزوار.. وكنوز توت عنخ آمون الذهبي ومراكب الشمس يتصدران المشهد
بدأ العد التنازلي لافتتاح المتحف المصري الكبير بالتسارع مع اقتراب موعد الحدث العالمي المنتظر في الأول من نوفمبر المقبل، وهو اليوم الذى تُسطّر مصر صفحة جديدة في سجلها الحضاري الخالد بافتتاح المتحف، في احتفالية كبرى تعكس مكانة البلاد الثقافية والسياحية على الساحة العالمية، ويأتي هذا الحدث تتويجًا لمشروع وطني ضخم طال انتظاره، يُعد من أكبر المشروعات المتحفية في العالم من حيث الحجم والمحتوى والتقنيات المستخدمة.
والأربعاء الماضى، تم غلق المتحف أبوابه أمام الزائرين وحتى يوم 4 نوفمبر المقبل، لتنتهي بذلك فترة التشغيل التجريبي التي استمرت نحو عام، والتي شملت 12 قاعة تضم آلاف القطع الأثرية، بالإضافة إلى الدرج العظيم الذي يروي قصة حقب تاريخية مختلفة، والبهو العظيم الذي يتوسطه تمثال الملك رمسيس الثاني، فيما بقيت قاعة الملك توت عنخ آمون، التي تعد أكبر قاعات المتحف، مغلقة طيلة فترة التشغيل التجريبي، لتكون مفاجأة مصر للعالم في الافتتاح الرسمي، إذ سيتم عرض المجموعة الكاملة للفرعون الذهبي لأول مرة، والتي تضم نحو 5398 قطعة.
وتضم قاعة توت عنخ آمون الكنوز الكاملة للفرعون الشاب التي تم اكتشافها في مقبرته عام 1922، وتتميز القاعة باستخدام الوسائل الحديثة التي تخدم سيناريو العرض المتحفي، مما يمنح الزوار تجربة فريدة، ومن المقرر أن يستقبل المتحف المصري الكبير خلال الأيام المقبلة القناع الذهبي لتوت عنخ آمون، وتابوتين، و23 قطعة أثرية أخرى من المجموعة ما زالت في المتحف المصري بالتحرير، كما سيتمكن الزوار بعد الافتتاح من مشاهدة قاعة الملك خوفو التي تضم مراكب الشمس، بالإضافة إلى 4 كهوف أسفل قاعات العرض: "كاهنات حتحور - وادي الملوك - دير المدينة - المدن الغارقة"، والتي ستتاح للجمهور مع الافتتاح الرسمي للمتحف.
وفيما وجهت مصر الدعوة إلى عدد من قادة العالم لحضور الاحتفالية، التي ينتظرها عشاق الحضارة الفرعونية حول العالم والمهتمون بعلم المصريات، تجرى حاليا الاستعدادات النهائية للاحتفالية الكبرى التي تشترك فيها عدة وزارات وجهات لتخرج الاحتفالية في أبهى صورة تليق بهذا الحدث العالمي.
مراكب الشمس في عرض حي
لا تقتصر تجربة المتحف المصري الكبير على قاعة توت عنخ آمون فقط، بل تمتد لتشمل افتتاحًا تاريخيًا آخر لواحدة من أعظم إنجازات الفراعنة القديمة، وهي مراكب الشمس الخاصة بالملك خوفو، التي تنضم إلى العرض المتحفي لأول مرة، وسيتمكن الزائرون من مشاهدة المركب الأول، والذي يبلغ طوله نحو 44 مترًا، بعد ترميمه وعرضه بالكامل، وهو المركب الذي كان مكتشفًا سابقًا وموجودًا في مبنى خاص بجوار الهرم الأكبر.
أما المركب الثاني، فستكون تجربة عرضه فريدة من نوعها، إذ سيتمكن الجمهور من متابعة عملية ترميمه الحية على مدار ثلاث سنوات داخل المتحف نفسه، في مشهد يُجسد التراث الحي ويتيح للزائر أن يشاهد كيف تُستعاد حضارة عمرها آلاف السنين، وتتولى فرق ترميم مصرية ويابانية من هيئة "جايكا" العمل على المركب الثاني، الذي يتكون من أكثر من 1200 قطعة خشبية، كانت مخزنة في حفرة بجانب الهرم الأكبر.
ويمثل عرض مراكب الشمس خطوة جديدة نحو تقديم تجربة متحفية تفاعلية، لا تكتفي بعرض القطع الأثرية فحسب، بل تُظهر مراحل حفظها وترميمها، وتُبرز حجم الجهد العلمي والفني المبذول في صيانة التراث المصري.
التكنولوجيا تتكامل مع التاريخ
يُقدّم المتحف المصري الكبير تجربة مختلفة تمامًا عن المفهوم التقليدي للمتحف، حيث يعتمد على دمج التكنولوجيا الحديثة مع العرض الأثري، في إطار يهدف إلى تقديم المعلومة بأسلوب جذاب وتفاعلي.
فإلى جانب العرض الكلاسيكي للقطع الأثرية، ستُستخدم تقنيات الواقع الافتراضي (VR) والوسائط التفاعلية والخرائط الرقمية لتسهيل تنقل الزوار داخل المتحف وفهم السياق التاريخي لكل قطعة.
كما ستُوظف الشاشات الذكية والعروض ثلاثية الأبعاد لتقديم قصص الحضارة المصرية بطريقة تحاكي الواقع، ما يجعل من زيارة المتحف تجربة تعليمية وترفيهية في آنٍ واحد.
وتعمل إدارة المتحف على تنظيم فعاليات ترفيهية وعلمية بشكل دوري، إلى جانب دعم البحث الأكاديمي في مجالات الآثار والترميم، كما يشكّل المتحف مركزًا دوليًا للبحوث والتدريب، بما يعزز من مكانته كمنارة ثقافية وعلمية، وليس مجرد مكان للعرض فقط.
وفي هذا الإطار، تؤكد إدارة المتحف أن العديد من مفاجآت الاحتفالية المقبلة ستُسلّط الضوء على جمال مصر الخفي، حيث سيتم بث لقطات ومشاهد من مواقع أثرية وسياحية غير معروفة عالميًا، رغم عظمتها وقيمتها، وذلك ضمن رسالة لتوسيع دائرة الاهتمام بمختلف المقاصد السياحية المصرية.
خطط محكمة واستعدادات لاستقبال الآلاف
ومع اقتراب الافتتاح الرسمي، وضعت إدارة المتحف خطة تشغيل دقيقة لضمان تجربة سلسة وآمنة للزوار، خاصة مع توقعات بزيادة الإقبال بعد افتتاح قاعتي توت عنخ آمون ومراكب الشمس، فبحسب التصريحات الرسمية، كان يستقبل المتحف ما بين 5 إلى 6 آلاف زائر يوميًا، بينما من المتوقع أن يرتفع هذا العدد ليصل إلى 10 – 15 ألف زائر يوميًا بعد الافتتاح، وتبلغ الطاقة الاستيعابية القصوى للمتحف نحو 20 ألف زائر يوميًا، ما تطلّب وضع خطة تنظيم محكمة، خاصة داخل قاعة الملك توت، من خلال آليات لتنظيم حركة الدخول والخروج وتقليل التكدس.
تصميم معماري مهيب
وقد تم وضع حجر الأساس لمشروع المتحف المصري الكبير عام 2002، وبدأ العمل في البناء خلال شهر مايو 2005، إذ تم تمهيد الموقع وتجهيزه، وفي عام 2006 أنشئ أكبر مركز لترميم الآثار في الشرق الأوسط، خصص لترميم وحفظ وصيانة وتأهيل القطع الأثرية المقرر عرضها بقاعات المتحف، وتم افتتاحه عام 2010.. وبعد سنوات، صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم (2795) لسنة 2016 بإنشاء وتنظيم هيئة المتحف المصري الكبير، قبل أن يصدر القانون رقم (9) لسنة 2020 بإعادة تنظيم الهيئة كهيئة عامة اقتصادية تتبع الوزير المختص بشؤون الآثار.
وفي عام 2021 انتهى بناء مبنى المتحف الذي تبلغ مساحته أكثر من 300 ألف متر مربع، ويشمل عدة قاعات عرض تعتبر الواحدة منها أكبر من كثير من المتاحف الحالية في مصر والعالم. ويحتوي المتحف على عدد كبير من القطع الأثرية المميزة والفريدة، من بينها كنوز الملك الذهبي توت عنخ آمون التي تعرض لأول مرة كاملة منذ اكتشاف مقبرته في نوفمبر 1922، بالإضافة إلى مجموعة الملكة حتب حرس أم الملك خوفو مشيد الهرم الأكبر بالجيزة، وكذلك متحف مراكب الملك خوفو، فضلا عن المقتنيات الأثرية المختلفة منذ عصر ما قبل الأسرات وحتى العصرين اليوناني والروماني.
ومنذ أكتوبر الماضي، تم افتتاح التشغيل التجريبي للمتحف ليستقبل 4 آلاف زائر يوميا بحد أقصى، بهدف تقييم جاهزية مختلف مرافق المتحف من قاعات أثرية وخدمات سياحية ومواقف سيارات وغيرها لاستقبال الجمهور، وتحديد أي نقاط تحتاج إلى تحسين، قبل الافتتاح الرسمي.
شمل التشغيل التجريبي بالمتحف 12 قاعة عرض رئيسية للمرة الأولى، بإجمالي قطع أثرية يبلغ 24 ألف قطعة، تقع على مساحة تقدر بحوالي ستة أفدنة، بخلاف ما تم تشغيله بالفعل.
ويحمل المتحف المصري الكبير بصمات هندسية متميزة تُجسد عظمة الحضارة المصرية، بدءًا من واجهته الخارجية وحتى تفاصيل تصميمه الداخلي، فقد صُمم المتحف ليكون متماهيًا مع البيئة المحيطة، حيث يواجه واجهته الثلاثية الضخمة الأهرامات مباشرة، بما يعكس وحدة المشهد الحضاري، ويمتد بخط بصري يصل بين المتحف والأهرامات الثلاثة في دقة مدهشة.
أحد أبرز معالم المتحف التي تجذب الأنظار هي "المسلة المعلقة"، وهي قطعة فريدة من نوعها تعود إلى الملك رمسيس الثاني، وتم نقلها من منطقة صان الحجر بمحافظة الشرقية، وقد تم تصميم القاعدة بشكل يسمح للزوار بالمرور من تحتها لمشاهدة خرطوش الملك المحفور من الداخل، في تجربة لا مثيل لها في أي متحف عالمي.
ويُعد هذا التصميم المبتكر من أفكار المهندس اللواء عاطف مفتاح، المشرف العام على المشروع، الذي حرص على أن تكون كل تفصيلة في المتحف ناطقة بتاريخ مصر وتُبرز جماله بطريقة غير تقليدية.
أما واجهة المتحف، فقد صممها مهندس أيرلندي باستخدام نمط هندسي من المثلثات المتتابعة، وتمت كتابة أسماء 568 ملكًا ورئيسًا في التاريخ المصري القديم والحديث داخل خراطيش محفورة عليها، بدءًا من الملك مينا وحتى الرئيس عبد الفتاح السيسي، لتتحول الواجهة إلى سجل بصري لتاريخ الأمة المصرية عبر آلاف السنين.
وبعد المرور عبر 12 قاعة رئيسية، تضم نحو 18 ألف قطعة أثرية، تنتهي رحلة الزائر في متحف المراكب الجنائزية، والذي يعرض مركبًا كاملاً تم ترميمه، إلى جانب متابعة العمل على تجميع المركب الثاني.
وتُتيح هذه العناصر المعمارية، من المسلة إلى الواجهة إلى قاعات العرض، تجربة حسية وبصرية متكاملة، تجعل الزائر يعيش الحضارة المصرية القديمة وكأنها تنبض من جديد في قلب الحاضر.
رسالة حضارية وإنسانية للعالم
يُعد المتحف المصري الكبير من أعظم المشروعات الثقافية والحضارية التي أنجزتها مصر في تاريخها الحديث، وهو تجسيد لرؤية طموحة ودعم غير محدود من الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي آمن منذ البداية بأهمية هذا الصرح ودوره في إعادة تقديم الحضارة المصرية للعالم بصورة تليق بعظمتها وخلودها.
والمتحف يعد رؤية استراتيجية شاملة تهدف إلى وضع مصر في مقدمة المشهد الثقافي العالمي، فهو بيت الملك توت عنخ آمون الجديد، حيث يضم كامل كنوزه الفريدة التي تُعرض للمرة الأولى مجتمعة في مكان واحد.
ويعتمد العرض المتحفي الجديد على رؤية علمية حديثة تجمع بين التكنولوجيا والتاريخ، لتمنح الزائر تجربة استثنائية تربط الماضي بالحاضر، وتُبرز جمال الفن المصري القديم في أبهى صوره.
وأكد الدكتور حسين عبد البصير، مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، أن المتحف المصري الكبير هو هدية مصر إلى العالم، وهدية الرئيس السيسي إلى الإنسانية، فهو رسالة حضارية وإنسانية تؤكد استمرار دور مصر الرائد في حماية التراث الإنساني وصون الذاكرة التاريخية للبشرية، ومن المتوقع أن يكون المتحف منارة علمية وثقافية وسياحية تضاهي كبريات المتاحف العالمية.