لا ضمانة سوى نيران مدافعك

الأحد، 19 أكتوبر 2025 09:00 ص
لا ضمانة سوى نيران مدافعك
حمدي عبد الرحيم يكتب:

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن حماسًا وكيان الاحتلال قد وافقا على وقف إطلاق النار(لاحظ أن المعلن الأول كان ترامب وليس غيره)، بعدها عمت الفرحة قلوب الجميع، حتى قلوب مواطني كيان الاحتلال، فلم يعد في طاقة أحد تقديم المزيد، فلا قوى المقاومة مرشحة للسحق والانتهاء ولا هي قادرة على تحرير شبر من الأرض، والكيان لم يعد بمقدوره سوى تدمير المزيد من البيوت وقتل المزيد من الأطفال والنساء، ثم ها هو يقف عاجزًا عن تحقيق أهدافه الرئيسية الكبرى، فلا هو حرر الأسرى بالقوة المسلحة ولا هو ضم الضفة ولا هو قام بتهجير أهل غزة، كل ما حققه الكيان كان نجاحه في أن يجعل غزة مدينة غير صالحة للعيش، وهذا انتصار كبير ولكنه ليس من الأهداف الاستراتيجية التي تقلب موازين القوى.

أعلم على وجه القطع واليقين أن الكيان إن كان يكره حماسًا مرة فهو يكره مصر ملايين المرات، فلولا رفضها الحاسم القاطع لفكرة التهجير لانتهى كل شيء في أقل من ساعة ولتم دفن القضية الفلسطينية مرة واحدة وإلى الأبد، ولكن شاء ربك أن تقف مصر بكل قوة متحملة أثمانًا باهظة في وجه التهجير، فقد أعلنت رفضها له تحت أي مسمى وتحت أي مبرر.

تواصلت الفرحة وكان حق لها أن تتواصل، حتى جاء مشهد مؤتمر شرم الشيخ المبهر، قادة العالم جاءوا من كل فج عميق ليشهدوا على أن صمود أهل غزة ومقاومتها وإدارة مصر للملف في أمتاره الأخيرة الحاسمة هي التي حققت وقفًا لإطلاق النار وتبادلًا للأسرى.

ثم وكالعادة تروح السكرة وتأتي الفكرة وتطرح قلوبنا قبل عقولنا السؤال المؤلم: ما الضمانات ومن الضامن؟

يحزنني أن أكون صريحًا، لكن لا مفر من صراحة تنسف أوهامًا وطرقًا ودروبًا من الخيال.

مع كيان محتل يؤمن بأنه شعب الله المختار ويؤمن بأن حدود كيانه قد حددها الرب الخالق قبل آلاف السنين ويؤمن أن الفلسطيني الطيب هو الفلسطيني الميت لا تتحدث عن ضمانات ولا تبحث عن ضامن.

في نوفمبر من العام 2024 وقع كيان الاحتلال اتفاقًا لوقف إطلاق النار مع لبنان، وكانت الوساطة الأمريكية حاضرة بقوة، ثم في الثامن من شهر مارس مع العام 2025 يقول مصدر عسكري لبناني، لسكاي نيوز عربية: إن عدد الخروقات الإسرائيلية منذ دخول قرار وقف إطلاق النار حيز التنفيذ بلغ 3112 خرقا!

فكم خرقًا قام به الكيان من مارس 2025 وإلى شهرنا هذا أكتوبر 2025؟

الله أعلم، لقد بحثت حتى تعبت ولكن لم أجد مصدرًا يطمئن إليه قلبي.

ولك أن تسأل نفسك عن الأسبوع الذي يمر دون أن يرتقي من لبنان الشهيد والشهيدان بل والشهداء، لن تجد أسبوعًا ليس به حوادث قنص لشهداء يمرون بقدر الله في مرمى نيران مسيرات الكيان، ولن تجد سوى التبرير ذاته: هؤلاء من عناصر قوة الرضوان التابعة لحزب الله!

فأين ذهبت الضمانات وأين تبخر الضامن؟

إن قوات اليونيفيل وهي قوات تعمل تحت علم الأمم المتحدة لم تفلت من هجمات الكيان وأحدثها كان قبل ثلاثة أيام، فهل ضباط اليونيفيل من عناصر قوة الرضوان؟

صدقني لا ضمانات ولا ضامن، فقبل ليلة من انعقاد مؤتمر قادة العالم في شرم الشيخ يقف رئيس وزراء الكيان أمام كاميرات التلفزيونات ليقول بلغة توراتية:” أقول لكم إن المعركة لم تنته، ما زالت أمامنا تحديات أمنية كبيرة جداً. البعض من أعدائنا يحاولون التعافي لضربنا من جديد. لكننا.. سنتولى أمرهم".

وقبل ناتنياهو بساعة يظهر وزير حربه يسرائيل كاتس، ليقول: إنه أصدر تعليماته للجيش بالاستعداد لتدمير الأنفاق والبنية التحتية لحركة "حماس" في غزة تحت إشراف أمريكي ودولي.

والحال كما ترى هل لا تزال تبحث عن ضمانات؟

لا ضمانات سوى القوة، لا ضمانات سوى أن تدرك أنك متى ضربتني ضربتك فأوجعتك. ما حصلنا عليه هو حجمنا في موازين القوة.

فلنترك الأوهام جانبًا لنستمع إلى الحكمة الخالدة التي أطلقها وزراء بريطانيا العتيد، ونستون تشرشل: "أنت لا تستطيع أن تفاوض لمدى أبعد مما تصل إليه نيران مدافعك".

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق