"إسرائيل الكبرى"و"الوعد الإبراهيمى".. .خطاب نتنياهو فى الكنيست يكشف المخطط الصهيوني
الأحد، 19 أكتوبر 2025 02:45 م
هانم التمساح
جاء خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأخير فى الكنيست ,بحضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبيل زيارة الأخير لمصر، لتوقيع إتفاق السلام بشرم الشيخ ليعكس،تجذر الفكر الصهيوني المتطرف وتمسكه بأوهام "اسرائيل الكبري" ,رافعا شعارات دينية واهية تعتمد على مايسمى "الوعد الإبراهيمي".
ولم تبدأ الفكرة الصهيونية مع ثيودور هرتزل، ولم يكن هو الصهيوني الأول، بل جاءت الحركة الصهيونية نتيجة اصطدام أوروبا بالتجربة القومية العلمانية من جهة، والاستعمار الحديث من جهة أخرى.
ويؤكد خطاب نتنياهو تجدد جولات الصراع مع العدو الصهيوني، وأنها مسألة جوهرية فى الصراع ، تسعى طوال الوقت لزعزعة استقرار المنطقة من المنظور الصهيوني، تحت شعار "الوعد الإبراهيمي"، أي مقولة وعد الله إلى النبي إبراهيم، والتي زعموا أنّ الله منح بني إسرائيل بموجبه أراضيَ شاسعةً بين نهري الفرات والنيل، بحسب سفر التكوين، الفصل أو الإصحاح 15، الأعداد 18 -21.
ويوضح الخطاب أن "الوعد الإلهي" المزعوم ، ركناً ثابتاً من أركان الديانة اليهودية، بعد التوحيد مباشرة، وقبل التوراة وقوانين الشرع اليهودي الـ 613 (المسماة "متزفوت")، أي أنه ليس مجرد شطحة فرقة "متطرفة" أو "شاذة"، كما التكفير في الإسلام أو المسيحية مثلاً.
ويكشف هذا الخطاب الذي يردده معظم أحبار اليهود أن ذلك الوعد عهداً أبدياً وغير مشروط وغير قابل للنقض، كما يرونه مستقلاً عن سلوكياتهم الجمعية والفردية، بحسب تأويلهم للإصحاحات 12 و15 و17 من سفر التكوين، باستثناء بعض الشعائر التي يفترض بهم أن يلتزموا بها.
ويتضح من ذلك أنّ مشروع التهجير، وزعزعة الاستقرار كي يجري التهجير، لا يقتصر على الغزيين، أو حتى على الفلسطينيين وحدهم.
وبحسب أفكار تلك الجماعات الصهيونية ، فإنّ جبل الروس في مزارع شبعا ("بيتاريم" في المصطلح الصهيوني) هو المكان الذي تلقّى فيه النبي إبراهيم عهد الله بأنه وذريّته سيرثون "أرض إسرائيل" بين الفرات والنيل. لذلك، فإنّ تلك المزارع لا تتمتّع بأهمية استراتيجية فحسب، بل بأهمية عقائدية أيضاً.
ويري هؤلاء أنه بعد "العهد الإبراهيمي"، جرى تجديد العهد الإلهي، بحسب الرواية التوراتية، مع النبي موسى في سيناء، بأنه وذريّته سيرثون أرض الكنعانيين، بحسب الإصحاحين 23 و13 في سفر الخروج، والإصحاح 3 في سفر التثنية.
وبحسب معتقداتهم ، فإنّ حدود تلك الأرض ليست من الفرات إلى النيل في تلك المرحلة، بل موطئ قدم أوّلي يمتد من رأس شكا في البترون شمالي لبنان شرقاً إلى قرية صدد في حمص، ثم جنوباً بحيث يجري اقتطاع أجزاء من محافظتي حمص وريف دمشق، نزولاً بمحاذاة سلسلة جبال لبنان الشرقية جنوباً، ثم بمحاذاة نهر الأردن، ومن بحيرة طبريا إلى البحر الميت، ومن جنوبيّه بصورة قُطرية عبر منتصف بادية النقب، والعودة بعد ذلك شمالاً بحيث يجري اقتطاع الأقسام الشرقية من محافظة شمال سيناء حالياً. والعبرة في تلك الخريطة أنّ لبنان مثلاً يصبح بموجب العهد الموسوي جزءاً لا يتجزّأ من "أرض إسرائيل". وهذه، على الهامش، لعناية "السياديّين".
لكنّ "العهد القديم" لا يقتصر على التوراة، بل يضمّ كتباً أخرى مثل الأسفار التاريخية وأسفار الحكمة وأسفار الأنبياء.
و ثمّة تعديلات على خريطة الغزو الواردة في سفر الأعداد، بحيث تمتدّ "أرض إسرائيل" شمالاً بصورة أوسع في لبنان، من جبل عكار، بدلاً من رأس شكا كما جاء سابقاً، ثم شرقاً إلى صدد في حمص، لكن تقلّ النسبة المقتطعة لـ "أرض إسرائيل" شرقاً من محافظتي حمص ودمشق، وتزيد النسبة المقتطعة من جنوبيّ سوريا، كما تقلّ النسبة المقتطعة من بادية النقب ومن شمالي شرقي سيناء.
ويأتى العهد الموسوي بعد 430 عاماً من العهد الإبراهيمي، بحسب الرواية ذاتها، لا لينقضه أو يقلّصه، بل ليثبّته بصفته "عربوناً" للوعد الإبراهيمي، ومصداقاً له، وبصفته "كوشان أرض"، أو سند ملكيّة رسمياً لمعظم لبنان وفلسطين وبعض سوريا والأردن وسيناء.
لكنّ العهد الموسوي جاء مشروطاً هذه المرة بطاعة الله والخضوع لقوانينه. وكانت الغاية منه، بحسب التفاسير اليهودية دوماً، "تعليمية" و"تربوية"، حتى يأتي المسيح المنتظر. أما عدم الالتزام بما أنزل على الأنبياء، بحسبهم، فعليه عقوبة وجزاء، لكنه لا يبطل الوعد الإبراهيمي المزعوم بأن تكون الأراضي بين الفرات والنيل لبني إسرائيل في أيّ حالٍ من الأحوال.
وفي مقاطع أخرى في العهد القديم، بأن يتربّع على عرش إسرائيل إلى الأبد حاكمٌ من صلب داوود، وصولاً إلى قدوم المسيح، وهو عهد غير مشروط على بني إسرائيل ككلّ، ومشروط على الحاكم الفرد. وهذا بدوره عهدٌ يكرّس فكرة "يهودية الحكم" فعلياً في "أرض إسرائيل",لذا فإن الدولة الإسرائيلية قائمة بالأساس على الحكم الدينى المتطرف وهذه، على الهامش، لعناية من يريدون تحويل الكيان الصهيوني إلى "دولة ديمقراطية لمواطنيها كافةً".
و ظلّت هذه المعتقدات كامنة في الوعي اليهودي على مدى آلاف الأعوام قبل نشوء الحركة الصهيونية الحديثة في القرن الـ 19 للميلاد. فهي الخامة الأيديولوجية التي استُخلصت منها الفكرة الصهيونية، ولم تأتِ تلك الفكرة من فراغ، ولم تولد من عدم، ولم يكن الاستعمار الغربي هو الذي فبركها وفصّلها وألبسها للغزاة اليهود كي يوظّفهم في مشروعه الجيوسياسي، بل كانت صلة تلك العقائد بفلسطين وجوارها هي التي جعلتها قابلة للتوظيف استعمارياً.
وقبل هرتزل، وجدت في العصر الحديث تيارات صهيونية قوية ومتنوّعة الاتجاهات كانت مأثرة التنظيم الذي أسسه هرتزل، أو "المؤتمر الصهيوني العالمي"، أنه نجح في توحيدها، أو توحيد معظمها على الأقل.
ومن الجدير بالذكر إنّ ارتباط العقيدة اليهودية عضوياً بمقولة "أرض إسرائيل"، وبالقدس عاصمةً لها، لا على سبيل الحج مثلاً، كما مكة للمسلمين أو الفاتيكان للكاثوليك، بل كـ "أرض ميعاد" منحها الله لليهود كي يؤسّسوا فيها حكماً سياسياً، إضافةً إلى الاستناد إلى روايات التوراة ومفسّريها لتأسيس مرجعية تاريخية، حقيقية أو مفبركة، لدولٍ يهودية في المنطقة قامت قبل آلاف السنين، وعدم تحديد حدود "أرض إسرائيل" بصورة واضحة حتى في أسفار التوراة، جعل بلادنا مهدّدة بالغزو دوماً بمجرّد دخولها في حالة ضعف.
و يمثّل ذلك مشروعاً دائماً للغزو والاحتلال والتهجير والمجازر، برغم الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ،لذا عاودت اسرائيل خرق اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان عدة مرات برغم تراجع دور حزب الله تماما بعد القضاء على حسن نصرالله وقيادات حزبية كبيرة، وهو الأمر ذاته مع غزة التى يحاول الإحتلال خرق الإتفاق الذي تحاول مصر ومعه الوسطاء إلزام الإحتلال به وتبذل فى ذلك جهودا مضنية .
القنبلة الموقوتة المتمثّلة بمقولة "أرض الميعاد" ستبقى خطراً ماثلاً على الأمن القومي العربي حتى بعد آلاف السنين، لأنّ صلة اليهود بالأرض، أرضنا، لا تمثّل عقيدة دينية فحسب، بل تحوّلت إلى هوية ثقافية يتمثّلها حتى العلمانيون والملحدون بينهم، حتى تحوّلت تلك الصلة المزعومة بالأرض إلى مكوّنٍ رئيس لما يسمّى "الهوية اليهودية"، بعيداً حتى عن الإيمان بالله أو التوراة.
وتؤكد الرواية التوراتية المزعومة أنّ اليهود في العالم يعيشون في "الشتات" منذ التدمير الثاني لهيكل سليمان في القدس على يد الرومان سنة 70 بعد الميلاد. وتزعم الرواية ذاتها حضارةً يهودية عامرة في المنطقة قبل 3 آلاف عام وصولاً إلى سنة 70 للميلاد.
هذه السردية، التى يرددها الإعلام الإسراييلى يوميا ومتحدثون بارزون عبر وسائل التواصل الإجتماعي بغضّ النظر عن مدى دقّتها تاريخياً، أصبحت جوهرية في تكريس الصلة بالأرض، وفي جعل اليهودي خارج "أرض الميعاد" في حالة لجوء أو شتات، وبالتالي في وضع مفهوم "العودة" في مقابل مفهوم "الشتات" . وليست الصهيونية سوى تجميع لذلك "الشتات" لإقامة "وطن قومي لليهود"، عوضاً عن انتظار الله ليقوم بالمهمة ذاتها، كما كانت تنحو اليهودية التقليدية.
كذلك تكرّس مفهوم الارتباط بالأرض ثقافياً في المناسبات والأعياد اليهودية والتي يحييها اليهود المتديّنون وغير المتديّنين. فعيد "هانوكا" مثلاً يمثّل إحياء لثورة ضد اليونانيين، وعيد الفصح إحياء للخروج من مصر إلى أرض كنعان، وعيد يوم "كيبور"، عيد الغفران، هو اليوم الذي عفا فيه الله عن تجاوزات بني إسرائيل في سيناء، وهكذا.
وفي المناسبات العامّة والخاصّة والرسمية ، يحتفلون قائلين: "العام المقبل في القدس"، وهو عنوان ذو مغزى ثقافي ورمزي عميق تردّد صداه على مدى آلاف السنين، ورده نتنياهو في الكنيست .
وبالرغم من ترديد ذلك أمام الرئيس الأمريكى هو أمرٌ غريبٌ على المسيحية ذاتها، لأنّ "العهد الجديد"، والذي جاء مع النبي عيسى المسيح عليه السلام، جاء ناقضاً، اسماً ومضموناً، للعهد القديم الذي يعتنقه اليهود.
وترديد "المقولة الإبراهيمية"، كعنوان رئيس لما يسمّى "الديانة الإبراهيمية"، تعني صهينة المسيحية والإسلام من خلال الإقرار بأنّ الله وَعَدَ اليهود بحكم المنطقة الواقعة بين الفرات والنيل بصورة غير مشروطة.
فالإبراهيمية تعني الإقرار بمقولة "إسرائيل الكبرى"، لأنّ الله عزّ وجل، بحسب التوراة وأحبار اليهود، ألزم نفسه بذلك العهد مع اليهود إلزاماً لا رجعة فيه بغضّ النظر عن أيّ شيء.
أيضا فإن "العهد الإبراهيمي" في التوراة يقتصر على ذريّة إبراهيم من السيدة سارة، اليهودية، أما ذريّته من السيدة هاجَر، غير اليهودية، فغير مشمولين بذلك العهد، ولو كانوا مشمولين به لاعتبر العهد متحقّقاً بسيطرة العرب على المنطقة الواقعة بين الفرات والنيل.
وبحسب "المقولة الإبراهيمية" كما وردت في التوراة،وهذا النبي عربي، وهو ومن اتبعوه الأحقّ بإبراهيم، وبالتالي الأحقّ بوراثته، دينياً، وبين الفرات والنيل، في حين أنّ إسحاق، ابن سارة، هو الذي يرث العهد في التوراة، لا أبناء إبراهيم من هاجر المصرية.
ليس إسماعيل، ابن إبراهيم من هاجر، نبياً في التوراة، بل ابن جارية فحسب، وكذلك إخوته من هاجر. في حين أنّ مكانة السيدة هاجر في الإسلام عظيمة، ويكفي أنّ الطواف سبعاً بين الصفا والمروة في الحج والعمرة جاء تيمّناً بطوافها بينهما بحثاً عن الماء لابنها إسماعيل، الذي يعدّ جدّ العرب، وجدّ النبي محمد . والسيدة هاجر في المراجع الإسلامية أميرة ابنة ملك حاربه فرعون مصر وهزمه، لا جارية.