‎رانيا ربيع تكتب: من الريف إلى الوزارة.. رحلة أبناء الوطن نحو العالمية

الأربعاء، 22 أكتوبر 2025 03:47 م
‎رانيا ربيع تكتب: من الريف إلى الوزارة.. رحلة أبناء الوطن نحو العالمية
الكاتبة الصحفية رانيا ربيع

بفخرٍ يتحدث أبناء الريف في مصر عن طبيعة منشئهم الأول، عن تلك البيوت  التي علمتهم الصبر، وعن الحقول التي ربّت فيهم معنى الجهد والمثابرة.
 
يطلّ هذا الفخر جليًا في أحاديث الوزيرين خالد العناني، مدير منظمة اليونسكو الحالي، والدكتور بدر عيد العاطي وزير الخارجية المصري، وهما يستعيدان ملامح الطفولة في قرى الشرقية منشأ الأول، وأسيوط مسقط رأس الثاني. 
 
لم تكن بداياتهما إلا حكايات من بساطة الريف وعرق الفلاحين، لكنها كانت الشرارة التي أطلقت طموحهما نحو العالمية. فكما تنبت السنابل من عمق الأرض، خرج أبناء الريف من قراهم ليحملوا اسم مصر إلى المنابر الدولية.
 
في الريف، يتعلم الطفل قبل أن يكتب اسمه كيف يحترم الأرض، وكيف يزرع حلمه كما يزرع أبوه القمح. هناك، لا تُقاس القيمة بالمظاهر ولا بالمال، بل بقدر ما تبذله من عرق وما تحفظه من وعد، ومن تلك القيم تشكل وعي أبناء الريف الذين صاروا وزراء وسفراء وعلماء، فحملوا معهم إلى مواقع المسؤولية روح البساطة التي لم تُبددها المكاتب ولا البروتوكولات.
 
وإن كان الطريق من القرية إلى الوزارة طويلاً، في حقيقة الأمر، لكنه لم يكن مستحيلاً، هو طريق محفوف بالتحديات، لكن سر الوصول متمثل في السعي والإصرار والإيمان.
 
هؤلاء الذين جاؤوا من منبت الحقول إلى مقدمة الصفوف لم ينسوا جذورهم، بل جعلوا منها دافعًا للاستمرار ووسامًا على صدورهم. ففي كل إنجاز يحققونه، هناك ظلّ بيت ريفي بسيط يبتسم في خلفية المشهد، وهناك عائلة وقرى تفخر اليوم بمن أنجبت .
 
في حديث كان شاهداً عليه الزميل محمود فايد، الصحفي ذي الباع بالملف السياسي، تحدث الوزير خالد عنان عن أصوله بقوله " أنا ابن فلاح من الشرقية"، بنبرة تحمل فخر وعزة بأصوله الريفية وأبيه الذي عمل حتى أوصله اليوم لمنصب عالمي، كذلك في رسالة وصلت للقلوب مسرعة جاء حديث وزير الخارجية بدر عبد العاطي ذي الأصول الصعيدية والتي طالما تحدث بفخر عنها، وعن إصراره ليصل اليوم لمنصب وزير الخارجية.
 
الراهن على السعي والوعي ظهر جليا في خطاب الوزير بدر عبد العاطي ودعوته عبر بودكاست وزارة الخارجية شباب الخريجين الواعدين من أبناء الوطن للتقدم في امتحانات وزارة الخارجية، وتأكيده أن الامتحانات تتمتع بالنزاهة والموضوعية، وأن المعيار الوحيد للاختيار هو «الكفاءة»، كي يشرفهم تمثيل مصر بالخارج.
 
ولعلّ في قصص أبناء الريف درسًا يتجاوز حدود الجغرافيا، فصعودهم ليس مجرد انتقال اجتماعي، بل هو انتصار لقيم الريف نفسه: الكدّ، والرضا، والإيمان بأن ما يُزرع بصدق لا بد أن يُثمر. 
 
ومن هنا، يصبح نجاحهم رسالة أمل للأجيال الجديدة، بأن الأصل المتواضع لا يُقيّد المسير، بل يمنحه جذورًا أقوى للثبات كلما علت الأغصان.
 
تلك القصص ليست مجرد حكايات نجاح، بل رسائل أمل تُكتب لأجيال جديدة تبحث عن طريقها في زمن صعب، هي شهادة حية على أن الكدّ والكفاح والسعي لا يضيعون، وأن من يزرع بإخلاص سيرى ثمر ما زرع، ولو بعد حين. 
 
فأبناء الريف الذين عبروا  إلى العالمية لم يصنعوا مجدهم لأنهم وُلدوا في بيئة ميسورة، بل لأنهم حملوا في داخلهم إيمانًا بأن الجهد الصادق يصنع المستحيل. 
 
واليوم، وهم يتحدثون من مقاعد المسؤولية، يرسمون بوجودهم طريقًا جديدًا لجيلٍ يؤمن بأن المجد لا يُورَّث، بل يُزرع كما تُزرع الحقول… بالكفّين والعزيمة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق