قوة الرأي العام الفاهم والواعى
السبت، 25 أكتوبر 2025 06:20 م
يوسف أيوب يكتب:
رهان القيادة السياسية على الشعب وإمداده بالمعلومات الكاملة ساعد في تخطى الظروف الصعبة
ستظل مصر دوماً مستهدفة، وهذا لا علاقة له بأى حديث عن نظرية مؤامرة، بل هي حقيقة تؤكدها شواهد عدة، ولمن يريد التأكد عليه أن يعود إلى تسلسل الأحداث خلال العامين الماضيين، بداية من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023 وحتى اليوم، فطرفى الحرب معروفان، والأسباب معلومة ومعروفة للجميع، لكن كان هناك من يرى أطرافاً أخرى في شريكة في الحرب، وأسباب أخرى غير معلومة أو معروفة الا لهذه الأطراف فقط. وكانت مصر هي الشريك غير المعلن في الحرب، والسبب غير المعروف في هذه الحرب، وكأن مصر هي من أشعلت الحرب، وهى من تملك وقودها.
منذ 7 أكتوبر ولعامين كاملين، وهناك لجان الكترونية تعمل في الخارج بوتيرة متسارعة، ومنصات لإطلاق أكاذيب وشائعات متعددة، معتمدة على التعاطف الشعبى مع الأشقاء الفلسطينيين في قطاع غزة، فلعبوا على هذا الوتر، ودسوا الكثير من الأكاذيب، ليكملوا دائرة التضليل التي تستهدف مصر، وإظهارها هي ومؤسساتها وقياداتها على أنهم المتخاذلين عن نصرة الفلسطينيين، رغم أن الواقع على الأرض يقول عكس ذلك تماماً، فمصر قولاً وفعلاً هي من تحملت أثار الحرب السلبية، ووقفت بكل قوة لنصرة ومساعدة الفلسطينيين سياسيا وانسانيا وبكل الطرق والسبل، ووصل الأمر بالدولة المصرية أنها وقفت في وجه ضغوط لا يتحملها أحد، حتى لا تحيد عن موقفها المساند للاشقاء، ولقضيتهم، ورغم ذلك كان هناك من يرى في مصر المتخاذلة، محاولين الدفع بها إلى مسارات وسيناريوهات لا تريدها مصر، ولأن القيادة المصرية كانت واضحة وصريحة منذ البداية، فبدأت اللجان اللعب على الوتر الشعبى، وهو ما يجعلنا بكل صديق نقول أن الدولة المصرية مرت خلال العامين الماضيين بظروف وضغوط شديدة الصعوبة، لكن التماسك الشعبى، والرؤية السياسية الواضحة، هي من جنبتنا السيناريوهات الكارثية التي أراد البعض لمصر.
وكان واضحاً منذ البداية أن القيادة السياسية مدركة تماما لحجم التحديات التي تواجهها، لذلك فإنها قررت منذ البداية أن تكشف كافة الحقائق أمام الرأي العام المصرى، لمواجهة أي حملات تضليل متعمدة، وهو ما أكده الرئيس عبد الفتاح السيسى، خلال كلمته بالندوة التثقيفية رقم 42، والتي نظمهتا القوات المسلحة، بمناسبة الذكري الـ 52 لانتصارات حرب أكتوبر المجيدة، حيث قال: والله إحنا بنعمل حساب للرأي العام قوى لكن التحدى كبير قوى ولا بد إننا نجتهد ونعمل أقصى جهد بيكم إنتم، بتحملكم، والله أنا مش بجامل.. بيكم لازم نعبر ظروفنا الصعبة ولا بد أن يتحسن اقتصادنا".
فهم القيادة السياسية للرأي العام المصرى وتقديره، هو أحد الطرق التي عبرت من خلالها مصر الكثير من الصعاب، بداية من 2014 وحتى اليوم.. نعم العامين الماضيين كانا شديدا الصعوبة، لكن ما قبلهما لم يقلا صعوبة عنهم، خاصة في الجانب الاقتصادى، الذى زاد الضغط على الشعب، لكن لأنه كان يعى ما يحدث، وأسبابه، فإن المصريين تحملوا وصبروا. ووقفوا بقوة مساندين للإجراءات التي اتخذتها الدولة لتحقيق إصلاح حقيقي وجذري، بعيدًا عن سياسة التأجيل أو التجاهل، التي كانت تعتمدها أنظمة سابقة كسبيل للهروب من الأزمات، إلى أن كاد الوضع أن ينفجر، فكان قرار القيادة السياسية هو التصدي، ومواجهة التحديات الاقتصادية بمزيد من التخطيط والتنفيذ، والاعتماد على إرادة شعبية واعية، فالدولة تؤمن أن تحقيق الأمن والاستقرار لا يتحقق بالعمل فقط، وإنما بالفهم والوعي، وأن الوعي مسؤولية مشتركة بين جميع مؤسسات المجتمع، بداية من الأسرة وصولاً إلى الإعلام والدراما وبينهم المدرسة والمسجد والكنيسة.
في 2016 وصلت الدولة إلى قناعة أن الإصلاحات الاقتصادية هى الخيار الوحيد المتاح لضمان مستقبل أفضل للبلاد، وهو ما شرحه الرئيس السيسى بقوله إنه واحد من الشعب ويدرك تمامًا صعوبة الواقع والتحديات اليومية، موضحا أن "أي دولة مثل أي أسرة لديها دخل ومصروف، وإذا تساوى الدخل مع المصروف فهذا مقبول، وإذا زاد الدخل فهو أمر جيد بشرط الادخار للمستقبل، لكن المشكلة الحقيقية تظهر عندما يكون المصروف أعلى من الدخل، فتضطر الدولة إلى الاقتراض، وهو ما يترتب عليه فوائد وأقساط وديون متراكمة"، مشيراً إلى أن دعم بعض السلع مثل الوقود يتم أحيانًا بالاقتراض، وهو ما يصنع فجوة في الموازنة العامة، فمثلاً إذا كانت الموازنة تقدر بمليار جنيه والمتاح 900 مليون، فإن الدولة تضطر للاقتراض لتغطية العجز، مشددا على أن استمرار هذا الوضع كان سيقود إلى أزمة أكبر، لذلك كان لابد من التحرك واتخاذ قرارات صعبة، بالتأكيد ستسبب بعض المعاناة ولكن لا بد من اتخاذها.
هذا هو التحدى الذى واجهته الدولة ونجحت بالوعى الشعبى في العبور إلى بر الأمان، لكن المخاطر لم ولن تنتهى، بل أن الاستهداف لن ينتهي، لذلك فإن قراءة توجهات الرأي العام، والتعامل مع هذه القراءة بتفتح ووعى كبير، يقودنا إلى الحالة الشعبية التي تعيشها الدولة اليوم، تكاتف شعبى خلف القيادة السياسية التي وضعت الراى العام منذ البداية في صورة كل الأحداث، وهى استراتيجية أكدت الدولة على لسان رئيسها أنها ستواصل العمل بها، لأنها تدرك قيمة وقوة الراى العام حينما يكون لديه وعى وفهم لما يحدث ويجرى حوله.