جسر بين الخلود والحداثة.. المتحف المصري الكبير يعيد الحياة إلى حضارة الأجداد

الأحد، 26 أكتوبر 2025 04:37 م
جسر بين الخلود والحداثة.. المتحف المصري الكبير يعيد الحياة إلى حضارة الأجداد

يترقب عشاق الحضارة الفرعونية ، يوم الأول من نوفمبر المقبل ، موعد افتتاح المتحف المصري الكبير.. فالمتحف ، الذي تجرى حاليا الاستعدادات النهائية لحفل افتتاحه الأسطوري، يمثل صرحا يحفظ ذاكرة الإنسانية.
فداخل المتحف .. تقف الآثار المتنوعة في قاعات العرض لتروي خلالها حكايات ملوك وعظماء وحرفيين وفنانين، تركوا بصماتهم على وجه التاريخ منذ آلاف السنين، وبين ممرات المتحف المضيئة، تكاد تشعر أن القطع الأثرية نفسها تتحدث، تنصت إليها الجدران، والزوار بشغف بالغ يليق بعظمة الحضارة الفرعونية.
 
توت عنخ آمون
في القاعة المخصصة للملك توت عنخ آمون، تتجسد واحدة من أكثر القصص سحرا في التاريخ.. فعلى الرغم من رحيله في عمر لا يتجاوز التاسعة عشرة، إلا أن مقبرته التي اكتشفها هوارد كارتر عام 1922 جعلت اسمه خالدا في ذاكرة العالم.
يضم المتحف المصري الكبير كنوز الفرعون الشاب كاملة للمرة الأولى، مرتبة بعناية وفق تسلسل درامي يروي حياة الملك منذ ولادته حتى موته الغامض.
وعند النظر إلى قناع الذهب الشهير، يمكنك أن تشعر بأن عيني الملك الصغير ما زالتا تراقبان الزوار بصمت الملوك، وكأنهما تقولان "هنا لا يموت أحد، فالمجد يخلد من يسكن قلوب الناس".
 
تمثال رمسيس الثاني
في بهو المدخل العظيم، يستقبل تمثال رمسيس الثاني الزوار، بشموخ وعظمة، كأنه حارس الأزمان.. أكثر من 3 آلاف عام مرت منذ نحته، لكن ملامحه ما زالت تنضح بالهيبة والصلابة.
يروي التمثال قصة ملك عظيم قاد الجيوش وخاض معركة قادش الشهيرة، وأسس معابد خالدة في الأقصر وأبو سمبل.
عندما نقل التمثال من مكان عرضه السابق في ميدان رمسيس إلى المتحف في عملية هندسية مبهرة، بدا وكأن التاريخ يتحرك، ليستقر التمثال في بيته الجديد، حيث الضوء الطبيعي يتسلل من سقف زجاجي ليضيء وجه الملك، في مشهد يجمع بين عبقرية الفراعنة وروح العصر الحديث.
 
بردية إدوين سميث
وفي أحد أركان قاعة العلوم القديمة، تستقر بردية إدوين سميث، أقدم وثيقة طبية معروفة في التاريخ، كأنها كتاب مفتوح على عقول الأجداد.
تروي هذه البردية، المكتوبة بالحبر الأسود والأحمر، حكاية الطبيب المصري الذي سبق زمانه، فوصف الكسور والجراحات وأسباب الإصابات بدقة علمية مذهلة.
من خلال سطورها، يمكن للزائر أن يلمس كيف امتزج العلم بالإيمان في الحضارة المصرية القديمة، فالعلاج لم يكن مجرد دواء، بل فلسفة حياة، يربط بين الجسد والروح والكون.
 
تمثال الكاتب الجالس
بعيدا عن عظمة الملوك، ينقل تمثال الكاتب الجالس الزوار إلى عالم آخر، أكثر إنسانية.
بملامحه الهادئة ونظراته العميقة، يجسد هذا التمثال رمزية العقل الذي صنع الحضارة.. إنه صوت الكلمة، ورمز العلم الذي سبق الملوك في الخلود.
ويستطيع زائر المتحف المصري الكبير أن يرى من خلال هذا التمثال وجه مصر الحقيقي، كأمة صنعت مجدها بالعلم والكتابة، ليؤكد على أن التاريخ لا يُكتب فقط بالحروب، بل بالأفكار التي تخلد.
المتحف المصري الكبير ليس مجرد مبنى ضخم من الزجاج والحجر، بل منصة تفاعلية تعيد الحياة إلى تاريخ الأجداد.
تقنيات العرض الحديثة تتيح للزوار الاستماع إلى تسجيلات رقمية تحاكي صوت الآثار، فتبدو كأنها تروي قصصها بنفسها، ويمكن للزائر أن يرى كيف كان توت عنخ آمون يتزين، وكيف كان الكتبة يسجلون الأحداث على البرديات، وكيف أضاء الكهنة المعابد في طقوسٍ ليلية تفيض بالروحانية.
ولا يعرض المتحف آثارا فقط، بل يحكي قصة مصر على مر الزمان كأقدم أمة في التاريخ، وتعد كل قطعة شاهدة على عبقرية الإنسان المصري، وعلى علاقة فريدة بين الأرض والسماء، وبين الحلم والخلود.
ومع افتتاحه، سيعمل المتحف المصري الكبير كجسر بين الأزمنة؛ فبينما تسكن قاعاته تماثيل عمرها آلاف السنين، تنبض شاشاته وتقنياته بروح القرن الحادي والعشرين.
إنه المكان الذي يتحدث فيه الماضي بلغة المستقبل، حيث يلتقي الزائرون من كل أنحاء العالم ليكتشفوا أن مصر ليست فقط مهد الحضارة، بل أيضا وريثتها الحية التي ما زالت تدهش العالم بقدرتها على التجدد.
فزائر المتحف سيشعر بعد تجربة الزيارة الفريدة بأن الآثار المعروضة تهمس له بأسرارها، لتؤكد أن التاريخ ليس حكاية نقرأها فحسب، بل رسالة نعيشها كل يوم.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق