الفاشر يكشف الخطر القادم من الجنوب

الثلاثاء، 28 أكتوبر 2025 09:05 م
الفاشر يكشف الخطر القادم من الجنوب
هشام السروجى

 
 
ما نشهده من جرائم انتقامية ينفذها مرتزقة وعصابات تندرج تحت قيادة الدعم السريع في الفاشر، هو بمثابة ناقوس خطر يجب أن يجد رد رادع يحد من مخاطره المحتملة على دول جوار السودان، وخاصة مصر، التي يتربص بها قادة الدعم السريع عامًا.
 
يشهد السودان منذ أكثر من عام ونصف صراعًا مفتوحًا بين القوات المسلحة وميليشيات الدعم السريع، تجاوز طبيعته العسكرية إلى أزمة مركّبة تمس بنية الدولة ووحدتها الجغرافية.
 
وتخوض ميليشيات الدعم السريع، حرب وكالة إقليمية تحمل أبعادًا تتصل بإعادة توزيع النفوذ في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر، في ظل غياب مظلة إقليمية قادرة على إدارة التوازن أو احتواء التداعيات، وكذلك مجتمع دولي لا يتحرك بقوة وفعالية تجاه تلك المخاطر التي تلقي بظلالها على الإقليم والقارة ككل.
 
تقوم ميليشيات الدعم السريع، المدعومة من أطراف إقليمية، بفرض واقع ميداني يهدف إلى إنهاك الدولة السودانية وإضعاف مؤسساتها، بما يفتح الباب أمام إعادة رسم الحدود السياسية والقبلية على نحو يخدم مصالح خارجية أكثر مما يخدم أي مشروع وطني، وهذا الوضع يخلق بيئة خصبة لاحتمالات التقسيم الجيوسياسي الفعلي، حيث تتشكل مراكز نفوذ مسلحة تفتقر للمرجعية المركزية للدولة، الأمر الذي قد يُدخل السودان في مرحلة طويلة من التفكك الممنهج.
 
التحليل الميداني للأزمة يشير إلى أن المسار الإنساني أصبح العامل الأكثر خطورة في المشهد. فبحسب بيانات الأمم المتحدة (يناير – يوليو 2025)، يُعد السودان البلد الوحيد في العالم الذي تأكدت فيه المجاعة رسميًا خلال العام الحالي، حيث يعيش أكثر من 8 ملايين شخص على شفا الجوع القاتل، ويعاني 25 مليونًا من انعدام حاد في الأمن الغذائي، بينما يواجه نحو 48 مليون سوداني خطر المجاعة الشاملة إذا استمر توقف المساعدات واتساع رقعة النزوح.
 
وتشير الأرقام الأممية إلى نزوح 16 مليون شخص، منهم 12 مليون داخل البلاد و4 ملايين عبروا الحدود. كما خرج 15.9 مليون طفل من العملية التعليمية، في حين أصبح 3 ملايين طفل مهددين بالإصابة بأمراض معدية نتيجة سوء التغذية وانهيار النظام الصحي. 
 
وبلغ حجم الدمار في القطاع الصحي 124 مستشفى ومؤسسة طبية بين تدمير كلي وجزئي، وتفشت أمراض مثل الكوليرا والحصبة والملاريا على نطاق واسع، كذلك أكثر من 70% من المناطق السودانية تعاني من نقص حاد في الكهرباء والمياه، ما جعل الحياة اليومية في كثير من الولايات شبه مستحيلة.
 
وتقدر الأمم المتحدة عدد القتلى بحوالي 40 ألف شخص، بينما تشير تقديرات مستقلة صادرة عن معهد لندن للصحة العامة والمبعوث الأمريكي السابق توم بيريلو إلى أن العدد الفعلي قد يتجاوز 150 ألفًا، كما طالت الأضرار 165 كنيسة و15 مسجدًا و10 مواقع ثقافية، وهو ما يعكس اتساع نطاق العنف إلى المجالين الاجتماعي والثقافي.
 
على المستوى السياسي، ما زال المجتمع الدولي يتعامل مع الأزمة بمستوى منخفض من الاستجابة، رغم وضوح مؤشرات الكارثة.
 
ويُقارن كثير من المراقبين الوضع السوداني بما جرى في سوريا وغزة، حيث دفعت الأوضاع الإنسانية المعقدة إلى تدخل أممي ودولي مباشر للحد من الانتهاكات وحماية المدنيين، أما في السودان، فما زال التدخل يقتصر على البيانات الدبلوماسية، دون أي مسار تنفيذي جاد لإيقاف الحرب أو ضمان وصول المساعدات الإنسانية.
 
وبالتالي فإن استمرار هذا النهج ينذر بعواقب تتجاوز حدود السودان، نظرًا لموقعه الجغرافي الحساس ومجاورته لست دول إفريقية مؤثرة، مما يجعل انهياره الكامل عامل اضطراب إقليمي واسع النطاق؛ لذلك، فإن استقرار السودان لم يعد شأنًا داخليًا، بل مسألة أمن إقليمي تتطلب تحركًا دوليًا منظمًا يستند إلى آلية واضحة لإنهاء الصراع، وإعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس جامعة لا تقوم على المحاصصة أو الولاءات المسلحة.
 
ويتطلع السودان اهتماما دوليا حقيقيا يوقف شلال الدم السوداني بيد عصابات وميليشيات لا تكترث بمستقبل دولة ذات أهمية في الواقع الإفريقي، وعلى دول الجوار السوداني ردع مغامرات الدعم السريع ومساندة الجيش الوطني السوداني، وامتلاك الإرادة الحقيقية في بناء مؤسسات الدولة السودانية، وإلا فنحن أمام واقع جيوسياسي جديد يهدد أمن الإقليم.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة