المتحف المصري الكبير.. مصر تعود لقيادة الوعي الحضاري في الشرق الأوسط
الخميس، 30 أكتوبر 2025 12:05 م
على بُعد كيلومترين فقط من أهرامات الجيزة، حيث يقف التاريخ في أشهر نقطة حضارية على كوكب الأرض، تستعد مصر بعد غد /السبت/ لافتتاح المتحف المصري الكبير في حدث يصفه خبراء الثقافة بأنه نقطة تحول في تاريخ المنطقة. فالمتحف لم يُبن ليكون مخزنًا للآثار، بل منصة استراتيجية تعيد رسم المشهد الثقافي في الشرق الأوسط، وتؤكد أن القاهرة لا تكتفي بحماية تاريخها، بل أصبحت في مقدمة من يصنع مستقبل الوعي الحضاري في العالم العربي.
يمتد المتحف على مساحة تتجاوز نصف مليون متر مربع، ويضم أكثر من 100 ألف قطعة أثرية من مختلف العصور المصرية، ليصبح أكبر متحف في العالم مخصص لحضارة واحدة. ورغم هذه الضخامة، فإن أهميته لا تكمن فقط في المعروضات، بل في الرسالة التي يقدمها: الثقافة ليست تاريخًا جامدًا، بل مشروعًا مستقبليًا.
مركز ثقافي إقليمي.. لا مجرد متحف
المتحف المصري الكبير لم يُصمم كنقطة للزيارة السياحية فقط، بل كمؤسسة ثقافية متطورة تجمع بين العرض المتحفي، والتعليم، والبحث العلمي، والتفاعل الدولي. فمنذ التشغيل التجريبي قبل عام، نجح المتحف في إحياء الدبلوماسية الثقافية المصرية بأسلوب حديث يعتمد على التكنولوجيا والمبادرات الدولية وورش الترميم والبرامج التعليمية.
هذه الأنشطة جعلت المتحف منصة عربية للحوار بين الحضارات، ومركزًا لإعادة بناء العلاقات الثقافية بين الشرق الأوسط والعالم، عبر معارض مشتركة ومشروعات رقمية وبرامج تدريبية جمعت باحثين وآثاريين من دول عدة.
دبلوماسية الثقافة.. وريادة المستقبل
بينما تستخدم كثير من الدول مؤسساتها الثقافية لتعزيز نفوذها الدولي، أعادت مصر صياغة هذا النموذج في نسخة أكثر اتساعًا. فالمتحف لا يروّج لأثر أو حضارة فقط، بل يعيد وضع مصر في صدارة المشهد الإقليمي بوصفها دولة تصدّر الثقافة، وتشارك الخبرة، وتدعم حماية التراث العربي المشترك من التهريب والضياع.
ولعل مركز الترميم والبحوث داخل المتحف، الذي يُعد من الأحدث عالميًا، يجسد هذا الدور؛ إذ أصبح قبلة للخبراء والمتخصصين، ومؤسسة تعليمية تُخرج جيلًا جديدًا من المتخصصين في علوم الآثار والترميم الرقمي.
تكنولوجيا تعيد كتابة التاريخ
اعتمد المتحف نموذجًا مستقبليًا يقدم التاريخ في تجربة تفاعلية لا تشبه أي عرض متحفي تقليدي. تقنيات الواقع المعزز والذكاء الاصطناعي ونظم العرض السينمائية جعلت الزائر شريكًا في اكتشاف الحضارة لا مجرد متفرج. وهكذا أعاد المتحف تعريف معنى الحفاظ على التراث: ليس عبر حماية القطع فقط، بل عبر تكنولوجيا تربط الماضي بالمستقبل.
انعكاس إقليمي واسع
تأثير المتحف لم يتوقف داخل حدود مصر؛ فقد دفع العديد من دول الشرق الأوسط إلى إعادة النظر في طريقة إدارة تراثها، وتأسيس شراكات علمية وثقافية مع القاهرة. كما أصبح المتحف مرشحًا لاستضافة مؤتمرات دولية، ومعارض فنية، وفعاليات ثقافية كبرى، ما يجعله ممرًا جديدًا للتفاعل بين الشرق والغرب.
المتحف المصري الكبير ليس بناءً ضخمًا، ولا مشروعًا سياحيًا فقط، بل إعلان حضاري بأن المنطقة قادرة على أن تصنع مستقبلها الثقافي بنفس الأدوات الحديثة التي يستخدمها العالم المتقدم. ومع افتتاحه رسميًا، تستعيد مصر مكانتها كبوابة الثقافة في الشرق الأوسط، ومنارة جديدة تعيد تعريف الهوية العربية وتربط التاريخ بالمستقبل.
تمامًا كما أضاءت مصر العالم القديم بحضارتها، فإن المتحف المصري الكبير يفتح الباب أمام عصر ثقافي جديد، يصبح فيه التراث قوة ناعمة، والثقافة لغة مشتركة، والمستقبل ساحة للإبداع والتجدد.