المتحف الكبير.. حين تختار مصر أن ترد بالحضارة
الجمعة، 31 أكتوبر 2025 06:38 م
ولاء عزيز
في الوقت الذي يعلو فيه صوت السلاح في مناطق كثيرة من العالم، تختار مصر أن ترفع صوتها بالحضارة.
افتتاح المتحف المصري الكبير ليس مجرد حدث أثري ضخم أو إنجاز هندسي طال انتظاره، بل هو رسالة هادئة من أمة تعرف أنها وُلدت قبل التاريخ، وتؤمن أن قوتها الحقيقية لا تُقاس بعدد البنادق، بل بعمق الجذور.
منذ اللحظة التي أعلنت فيها الدولة عن قرب الافتتاح، بدأ الشارع المصري يعيش حالة فرحة مختلفة، تحولت إلى موجة من الفخر الشعبي، ظهرت بوضوح في الصور المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث بدأ المصريون يحوّلون صورهم إلى ملامح فرعونية، وكأنهم يعيدون اكتشاف هويتهم بأيديهم، ويتذكرون أنهم أبناء حضارة علمت الدنيا معنى الدولة والخلود والنظام.
لكن ما وراء هذه الصور البسيطة، معنى أعمق بكثير: أن المصريين بعد سنوات من الصعاب والتحديات، وجدوا ما يوحّدهم مجددًا، رمز حضاري مشترك لا يختلف عليه أحد، فالمتحف الكبير لم يعد فقط "بيتًا للآثار"، بل بيتًا للذاكرة الوطنية، ومشهدًا جامعًا يُعيد تعريف "القوة الناعمة" في زمن أصبحت فيه الصورة والسرد أقوى من الرصاص.
افتتاح المتحف يأتي أيضًا في لحظة عالمية مضطربة، حيث تتراجع الثقافة أمام المصالح، وتغيب الإنسانية خلف العناوين السياسية الساخنة، ووسط هذا الضجيج، تطل مصر بهدوء، لتقول: "نحن لا نبحث عن مجد جديد.. بل نُعيد تقديم مجدنا القديم بوجه معاصر".
ولعل أجمل ما في هذا الحدث أنه لا ينتمي إلى الماضي فقط، بل يستشرف المستقبل. فالمتحف صُمم ليكون مركزًا للتعليم والبحث والإبداع، وليس مجرد قاعة عرض. وهو بذلك يُعيد تعريف علاقة المصري بتاريخهم، من علاقة زيارة إلى علاقة مشاركة.
المتحف لا يكتفي بعرض التماثيل، بل يُقدّم الإنسان المصري كأثرٍ حيٍّ مستمر في الزمن.
في النهاية، يمكن القول إن افتتاح المتحف الكبير هو تتويج لعقود من الكفاح، ورسالة من مصر إلى العالم، أن الحضارة ليست شيئًا يُعرض في واجهات الزجاج، بل حالة وعي وفكر وقدرة على تحويل التاريخ إلى طاقة للمستقبل، فمهما تغيرت موازين القوى، سيظل هناك دائمًا ما لا يُقاس بالمال أو بالسلاح، بل بالبصمة الحضارية التي لا تزول.
