ملوك وزعماء العالم يتطوقون لمعرفة أسرار اكتشاف ونقل مركبي الملك خوفو للمتحف المصري الكبير
السبت، 01 نوفمبر 2025 01:07 م
أ ش أ
ساعات قليلة وتتجه أنظار العالم صوب أرض الكنانة لمتابعة الحدث الثقافي الأبرز في القرن الـ 21، حيث يشهد السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي افتتاح المتحف المصري الكبير، وسط اهتمام عالمي غير مسبوق.
ويقام حفل افتتاح المتحف الكبير مساء اليوم وسط أجواء أسطورية ساحرة، بمشاركة 79 وفداً رسمياً، من بينهم 39 وفداً برئاسة ملوك وأمراء ورؤساء دول وحكومات، بالإضافة إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية، والأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، والممثل السامي لتحالف الحضارات، ممثلاً عن السكرتير العام للأمم المتحدة، وكذلك رئيس البرلمان العربي، ورئيس وكالة (الجايكا)، وعدد من رؤساء وممثلي كبرى الشركات العالمية.
ويضم المتحف الكبير 7 مداخل متنوعة، المدخل الأول وهو الخاص بالبهو العظيم، وهو مخصص لكبار الزوار، والثاني مدخل للزائرين والسائحين، والثالث مخصص للمنطقة التجارية، والرابع مخصص للإدارة، والمدخل الخامس خاص بدخول القطع الأثرية، والسادس والسابع هما مدخلان للطوارئ.
ويحتوي المتحف، الذي يعد أكبر متحف آثار لحضارة واحدة في العالم، نحو 100 ألف قطعة أثرية تغطي قرابة سبعة آلاف عام من التاريخ المصري القديم، بداية من عصور ما قبل الأسرات إلى العصرين اليوناني والروماني.
ومن أبرز مقتنيات المتحف "مراكب الملك خوفو"، والتي تم وضعها بالساحة الخارجية حول المتحف بمسطح 1.4 ألف متر مربع، وجرى تجهيزها بأحدث الأساليب العلمية والتكنولوجية الخاصة بالعرض المتحفي، لعرض مركبي الملك خوفو الأولى والثانية.
وتم تصميم منطقة محاكاة لحفرة، لتماثل إحدى الحفرتين الأثريتين اللتين تم اكتشاف إحدى مركبتي الملك خوفو بداخلهما بمنطقة أهرامات الجيزة؛ لتكون المدخل الرئيسي للمتحف، وذلك لإثراء التجربة السياحية للزائرين.
"مركب الملك خوفو الأولى"
في 26 مايو عام 1954 أعلن عالم الآثار المهندس كمال الملاخ اكتشاف حفرتين لمراكب الملك خوفو، والتي سميت بـ (مركب الشمس)، وعثر عليها في الجهة الجنوبية للهرم الأكبر، وعمل كمال الملاخ والمرمم أحمد يوسف على اكتشاف وترميم وإعادة تركيب المركب الأولى، والتي خرجت إلى النور بعد أن مكثت في باطن الأرض ما يقرب من 5000 سنة، وتعرض في متحف خاص بها بمنطقة آثار الهرم منذ عام 1982.
وصنعت مركب خوفو من خشب الأرز الذي كان يتم استيراده من لبنان، وعثر عليها محفوظة في حفرة مغطاة بنحو 41 كتلة من الحجر الجيري، ومفككة إلى نحو 6500 جزء، رتبت مع بعضها البعض بعناية ليتيسر تجميعها، ووضعت معها أيضا المجاديف، والحبال، وجوانب المقاصير، والأساطين.
والمركب طولها 43.4م، وأقصى عرض لها 5.9م، وعمقها 1.78م، وارتفاع مقدمتها ستة أمتار، وارتفاع مؤخرتها سبعة أمتار، ولها 10 مجاديف، بواقع 5 على كل جانب، وتتراوح أطوالها مابين 6.5 و8.5م، ومقصورة رئيسية تتقدمها مقصورة الربان في مقدمة المركب، والدفة عبارة عن مجدافين كبيرين، وتوجد حجرة كبيرة في وسط المركب، يحمل سقفها ثلاثة أعمدة من الخشب، تيجانها من النوع المعروف في الفن المصري باسم "الطراز النخيلي"، ويزن المركب نحو 45 طنا.
وظل المركب تحت الترميم والتركيب حتى عام 1961، أي ظل لمدة سبع سنوات كاملة بعد العثور عليه على يد المرمم أحمد يوسف، والذي نجح في أن يعيد تجميع مركب خوفو المكتشفة، ثم استمرت عمليات الترميم 20 عاما لمعالجة الأضرار الجديدة التي لحقت به، حتى تم افتتاح المتحف المخصص لعرض المركب رسميا في 6 مارس سنة 1982.
" نقل مركب خوفو الأولى"
وفي 26 مايو 2021، شهدت مصر إنجازا عالميا جديدا يضاف لإنجازاتها الضخمة التي تحققت في الآونة الأخيرة، بهدف الحفاظ على أكبر وأقدم وأهم أثر عضوي في التاريخ بهذا الحجم، حيث تم نقل مركب خوفو الأولى من داخل متحفها بالمنطقة الأثرية في الهرم، باستخدام العربة الذكية ذات التحكم عن بعد، والتي تم استقدامها خصيصا من بلجيكا لنقل المركب قطعة واحدة بكامل هيئتها دون تفكيك، لمكان عرضها الجديد بالمتحف المصري الكبير.
وترجع فكرة عملية نقل المركب الأولى لعاطف مفتاح المشرف العام على مشروع المتحف الكبير والمنطقة المحيطة، والذي قام بعرض فكرة النقل على السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي في 28 مايو 2019، والتي جاءت نتيجة أن مبنى المتحف القديم الخاص بالمركب - والذي تم إنشاؤه منذ ما يزيد على ربع قرن - قد ساعد في إخفاء الضلع الجنوبي للهرم الأكبر، كما أدى بشكل واضح إلى تشويه بصري للمنطقة الأثرية، إلى جانب وجودها في مبنى يفتقر إلى أسلوب العرض المتحفي المتميز، والذي يليق بأهمية ومكانة هذا الأثر الفريد، فضلا عن كون المبنى القديم غير مجهز بوسائل الإتاحة والخدمات التي تسمح باستقبال ذوى القدرات الخاصة.
"مركب خوفو الثانية"
كان كمال الملاخ قد اكتشف حفرة أخرى تقع في الشرق من الحفرة الأولى، وهى حفرة مركب خوفو الثانية، والتي قام بفحصها فريق أثري أمريكي عام 1987، مستخدما كاميرات صغيرة أدخلت إليها، إذ تبين أن مركبا آخر مفككا موجود بداخلها، ولكن بسبب ارتفاع تكلفة استخراج المركب، لم يكتمل المشروع في ذلك الوقت.
وفي عام 1992 بدأ مشروع استخراج وترميم أخشاب مركب خوفو الثانية، والذي يعد واحدا من أكبر مشروعات الترميم في العالم، ويعبر عن أوجه التعاون المثمر بين مصر واليابان، وينفذ بالتعاون مع المجلس الأعلى الآثار وجامعة "واسيدا" اليابانية وجامعة "هيجاشي" نيبون الدولية، وبدعم من هيئة التعاون اليابانية الدولية (الجايكا).
"مراحل تنفيذ المشروع"
وكان الهدف الرئيسي للمشروع منذ بدايته، هو رفع القطع الخشبية الخاصة بالمركب الثانية من داخل الحفرة والعمل على ترميمها وإعادة تجميعها، لكي يتم عرضها داخل قاعة خاصة بالمتحف المصري الكبير.
وفي عام 2008 تم وضع خطة عمل خاصة بسير العمل في المشروع، والتي تتضمن عدة مراحل رئيسية، منها تجهيز الموقع بعمل تغطية "هانجر" تحيط بموقع الحفرة كاملا، وبجواره أماكن لبناء معمل ترميم ومخازن، وبداخل الـ "هانجر الكبير"، تم عمل تغطية "هانجر" صغير على حدود الحفرة فقط، لتقييد الظروف البيئية للحفرة عند رفع البلاطات الحجرية التي تغطى حفرة المركب.
وفي عام 2010 تم رسم مساقط أفقية لسور الهرم المحيط، والذي كان يغطي حفرة، وعمل توثيق للسور الأثري باستخدام الليزر سكان بالتعاون مع أكاديمية مبارك للعلوم ، ثم تم فكه ورفعه وإعادة بنائه على بقايا امتداد نفس السور في المنطقة غرب "الهانجر"، وتم عزل السور القديم عن السور الذي تم نقله باستخدام طبقة من البلاستيك.
وفي عام 2011 تم رفع الغطاء الحجري الذي يغطي حفرة المركب، والذي يقدر بـ 44 كتلة حجرية (غطاء حجري) كان يغطي حفرة المركب، وتتراوح أوزانها مابين 11 إلى 18 طنا وتم وضعه خارج الحفرة، وتم ضبط درجة الحرارة والرطوبة داخل "الهانجر" قبل بدء أعمال الرفع، وعزل سقف حجرة الدفن بألواح خشبية معالجة كيميائيا تم استيرادها من اليابان للحفاظ على معدل الحرارة والرطوبة، ويتم وضع الألواح الخشبية فور رفع الغطاء الحجري، وتم كذلك إنشاء وتجهيز معمل للترميم ومخزن مؤقت بالموقع لحفظ أخشاب المركب بعد معالجتها لحين إعادة التركيب.
وفي عام 2012 تم أخذ عينات من الأخشاب وإجراء كافة التحاليل العلمية والمعملية عليها في مصر واليابان، وذلك طبقا لموافقات اللجنة الدائمة للآثار من أجل تحديد مظاهر التلف المختلفة وأنواع التلف "الميكروبيولوجي"، متمثلا في إصابات الفطريات والحشرية التي توجد بالأخشاب، وعلى نتائج تلك التحاليل تم وضع خطة الترميم المناسبة لبدء العمل في ترميم ومعالجة أخشاب المركب، مع الانتهاء من تجهيز معمل الترميم والمخزن الخاص بالأخشاب بالموقع؛ لتكون جاهزة قبل البدء في أعمال الترميم.
في عام 2014 تم رفع الأخشاب من حفرة المركب إلى معمل الترميم وبداية ترميم وتقوية الأخشاب قبل إعادة التركيب، وتم خلالها إجراء الدراسة التجريبية اللازمة لتقييم مواد التقوية، وتم إجراء اختبارات التقادم على هذه المواد ودراسة الاختبارات المعملية لها لاستنتاج مدى نجاحها وتأثيرها بعد مرور مائة عام على عمليات التقوية بهذه المواد.
وقام الفريق البحثي بأعمال التوثيق اللازم لجميع الطبقات التي يتم رفعها باستخدام تقنية التصوير ثلاثي الأبعاد، وتمت أعمال الترميم الأولى والتدعيم للقطع المتدهورة داخل الحفرة وتم رفعها والقيام في إجراءات الترميم داخل المعمل.
يحرص فريق عمل المشروع على توثيق باستخدام التصوير ثلاثي الأبعاد لكل قطعة من مركب خوفو الثانية بعد انتهاء المرحلة الأولى من الترميم، تمهيدا لتجميع المركب باستخدام برامج الحاسب الآلي قبل البدء في تجميع المركب علي الواقع.
"النقل للمتحف الكبير"
نجح الفريق المصري الياباني في استخراج ما يقرب من 1698 قطعة خشبية من الحفرة من 13 طبقة داخلها، وذلك بعد إجراء عمليات التأمين لها وتغليفها بالورق الياباني كوسيلة تقوية وحماية أثناء عملية الرفع، وتسجيلهم بداخل المعمل، وتحديد الحالة الراهنة لهم، وتم إجراء ترميم أولي لجميع القطع التي تم استخراجها من الحفرة، وتم نقل جميع القطع الخشبية إلى المتحف المصري الكبير.
"الترميم النهائي"
بعد نقل أخشاب مركب خوفو الثانية للمتحف الكبير من المتوقع استغراق أعمال الترميم النهائي وتجميع المركب حوالي 4 سنوات كي تكون المركب جاهزة للعرض.
وسيكون العمل في أعمال التجميع داخل مبنى مراكب الملك خوفو الجديد بالمتحف الكبير، وستكون الزيارة أولا للمركب الأولى، وسيتمكن زوار المتحف من مشاهدة أعمال تجميع المركب الثانية داخل مبنى المتحف.
"حقائق علمية عن مركب خوفو"
اكتشاف مركب خوفو كان هو المرة الأولى التي يتم العثور فيها على أي مركب خشبية كبيرة من أيام الدولة القديمة حيث أن المراكب الوحيدة التي عثر عليها في منطقة دهشور بالجيزة يرجع تاريخها إلى أيام الأسرة الـ 12 واثنتان منها معروضتان في المتحف المصري بالتحرير، والثالثة معروضة في متحف التاريخ الطبيعي بشيكاغو في الولايات المتحدة الأمريكية.
لا جدال في أن المركبتين المكتشفتين تم صناعتهما من أجل الملك خوفو ومن الواضح أنهما لم توضعا في مكانهما ولم تغلقا حفرتاهما إلا بعد موته وأن الذى أتم هذا العمل هو الملك الذي حكم من بعده والدليل على ذلك وجود نقش وحيد لاسم ملكي والذي تم العثور عليه بين الكتابات الموجودة في الحفرة وهو اسم الملك "رع - ددف" الذي تولي العرش بعد أبيه وكان من واجبه الإشراف على دفن وإتمام مالم يتمه من عمائر.
وأثار اكتشاف تلك المركب جدلا علميا بين علماء الآثار إذ يرى فريق منهم أن تلك المركب هي من (مراكب الشمس) قد صنعت ليستخدمها الملك في رحلتيه اليوميتين مع إله الشمس "رع" في سماء الدنيا نهارا وسماء العالم الآخر ليلًا، بينما ذهبت آراء أخرى إلى أن المركب جنائزية قد استخدمت لنقل جثمان الملك من ضفة النيل الشرقية إلى الضفة الغربية حيث دفن.
ويؤيد عالم المصريات الدكتور زاهي حواس الرأي الخاص باعتبار تلك المركب مركب شمس وليست جنائزية، حيث أشار في بحثه "آثار وأسرار مراكب الشمس" إلى أن العلماء احتاروا في تفسير وظيفة مركب الملك خوفو، نظرًا لأنهم يدرسون المركب كأثر قائم بذاته من الناحية الدينية فقط، ومن الخطأ دراسة أي عنصر معماري، أو قطعة أثرية في أي موقع دون دراسة ما حولها من آثار ومعابد وأهرامات ومناظر ممثلة بالمعبد والتماثيل وغيرها.
وشدد حواس في بحثه على أن كمال الملاخ مكتشف المركب، كان مصيبا، من وجهة نظره، وذلك على الرغم من أنه لم ينشر أدلة علمية تدعم رأيه حين أطلق عليها "مركب شمس" بعد كشفه لها في 25 مايو 1954.