حفل المتحف المصري الكبير.. مصر تعيد كتابة الهوية
السبت، 01 نوفمبر 2025 10:47 م
طلال رسلان يكتب:
في تلك الليلة الأسطورية التي بدت وكأن التاريخ نفسه نهض من سباته ووقف ليصفق، افتتحت مصر المتحف المصري الكبير، ليس كمبنى حجري يحتضن آثارًا، بل كورقة هوية جديدة تُسلّم من أجداد الفراعنة إلى أحفادهم.
لم يكن الحدث مجرد افتتاح، بل كان بيانًا صريحًا يقول للعالم: هذه مصر التي تعرفونها بالتاريخ، وترونها الآن بالمستقبل.
منذ اللحظة الأولى، كان المشهد مختلفًا. إضاءة مهيبة تعانق الواجهات الزجاجية، موسيقى عالمية بنكهة مصرية، ملوك عادوا في مشاهد حضارية راقية، ورسائل ناعمة تقول: نحن لا نقدم حضارة.. نحن نعيشها.
الضيوف الذين قدموا من كل قارات الأرض لم يأتوا بدافع الفضول فقط، بل لأن المتحف المصري الكبير أصبح أكبر مشروع ثقافي متحفي في العالم. لم يعد الحديث عن تماثيل وآثار، بل عن هندسة ومعمار وتكنولوجيا وتجربة إنسانية متكاملة تجعل من زيارة المتحف رحلة زمنية وليست نزهة سياحية.
لم يكن الافتتاح مشروعًا مصريًا فقط، كان استعادة لثقة العالم في قدرة مصر على أن تشيّد وتُبدع وتدهش. فمن هرم زجاجي ضخم يستقبلك، إلى سلالم واسعة يقف عند أعلاها الملك رمسيس الثاني كأنه يمارس حراسة شخصية للتاريخ، إلى 100 ألف قطعة أثرية تعرض لأول مرة بشكل لم يشهده إنسان منذ آلاف السنين.
الاحتفال لم يكن رسميًا باردًا؛ بل كان عملًا فنيًا حيًا، مزيجًا من الضوء والصوت والحضارة والتقدم. حتى اللقطات المباشرة التي شاهدها الملايين عبر التلفاز كانت كأنها مشهد من فيلم عالمي بميزانية مفتوحة.
الدول الكبرى انبهرت. الصحف العالمية كتبت، والقنوات تحدثت، والبشر في كل مكان شاركوا صور الحدث وكأنهم يشاركون في لحظة ميلاد جديد. مصر لم تُعد ترتيب آثارها فقط، بل أعادت ترتيب صورتها في عيون العالم.
هذا المتحف ليس مجرد مكان؛ إنه وعد. وعد بأن الحضارة المصرية لن تُعرض في الخارج أكثر مما تتألق في الداخل، وأن السائح لن يأتي لالتقاط صورة فقط، بل ليعيش تجربة ثقافية كاملة.
وفي اللحظة التي أُشعلت فيها الأنوار في الواجهة الكبرى، كان الشعور واضحًا: هذه ليست دولة خرجت من صفحات التاريخ.. بل دولة تكتب صفحات جديدة.
لقد كان الافتتاح صفعة ناعمة على وجه من ظنوا أن مصر تصبح أقل عندما يعلو غيرها، ودرسًا رشيقًا في أن الحضارة الحقيقية لا تُصنع بين ليلة وضحاها، لكنها عندما تنهض.. تبهِر.
لم يكن افتتاح المتحف مجرد حدث عالمي، بل كان إعلانًا أن مصر لا تزال في المقدمة.. وأن التاريخ لم يكن ماضيًا فقط، بل قوة تدفع المستقبل إلى الأمام.