مصر تفتح بوابة المهارات العالمية: كيف تغيّر الشراكات الدولية ملامح التعليم الفني؟

الإثنين، 03 نوفمبر 2025 11:06 ص
مصر تفتح بوابة المهارات العالمية: كيف تغيّر الشراكات الدولية ملامح التعليم الفني؟
وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني
إبراهيم الديب

شهد قطاع التعليم الفني في مصر، لسنوات عديدة، تراجع وتدني في مستوى الخدمة التعليمية المقدمة من خلاله، حتى بدا وكأنه بوابة لمجتمع من لم يتمكن من تحصيل الدرجات وتحقيق النجاح، فالتحق بهذا القطاع للحصول على شهادة تعليمية لاتتخطى كونها حبر على ورق.
 
وأصبح «إحياء التعليم الفني» مرة أخرى، ومايترتب عليه من نهوض قطاع الصناعة المصرية، وتخريج الأيدي العاملة المهرة القادرة على إعادة مصر مرة ثانية لصدارة الصناعة والحرفة وسوق العمل المحلي والعالمي، مجرد حلما وشعارات أكثر منه مشروعا واقعيا، على الرغم مما يتمتع به التعليم الفني، من كونه بوابة حقيقة نحو اقتصاد قوي وثابت يتواكب مع متطلبات العصر.
 
إلا أنه وفي الآونة الأخيرة، بدأت الدولة المصرية في الاهتمام بالتعليم الفني، وعلمت على وضع خطط وإجراءات واقعية من شأنها النهوض به مرة أخرى، ماينعكس إيجابا على الاقتصاد المصري، وسوق العمل، كونه قاطرة الاقتصاد الحقيقية.
 
وفي خطوة تحمل ملامح تحول استراتيجي في رؤية الدولة لمستقبل التعليم وسوق العمل، أعلنت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني عن سلسلة جديدة من الشراكات الدولية لتطوير منظومة التعليم الفني، بالتعاون مع مؤسسات أوروبية وآسيوية وعدد من الشركات الصناعية الكبرى، وهي الإجراءات التي تُعبّر عن تغير عميق في فلسفة التعليم المصري، خصوصًا في التعامل مع فئة ظلت لعقود طويلة تُعتبر «الهامش المنسي» في المنظومة التعليمية وهم طلاب التعليم الفني، ومع انفتاح مصر على نموذج «التعليم من أجل التشغيل»، تطرح هذه الخطوة سؤالًا جوهريًا:

إلى أي مدى يمكن أن تُحدث هذه الشراكات الدولية تحولًا حقيقيًا في شكل المهارات المصرية، وفي موقع التعليم الفني داخل المجتمع؟
 
من التعليم التقليدي إلى اقتصاد المهارة
على مدى سنوات طويلة، ظل التعليم الفني في مصر محاصرًا بصورة نمطية تعتبره «الاختيار الأخير» لمن لم يحصل على مجموع مرتفع في الثانوية العامة. كانت النظرة الاجتماعية والاقتصادية معًا تختزله في كونه طريقًا مسدودًا نحو وظائف منخفضة الأجر، أو مستقبل غامض، لكن خلال السنوات الأخيرة، بدأ يتشكل خطاب جديد حول قيمة المهارة، تقوده الدولة عبر استراتيجيات التعليم 2030، التي تهدف إلى تحويل التعليم الفني من مسار تقليدي إلى منظومة إنتاجية متكاملة.
 
الأرقام نفسها بدأت تتحدث بلغة مختلفة، فعدد طلاب التعليم الفني تجاوز 2 مليون طالب، يمثلون ما يقرب من 45% من إجمالي طلاب المرحلة الثانوية، ومع التوسع في المدارس التكنولوجية التطبيقية، بدأ هذا القطاع يكتسب ملامح جديدة من الجدية والتنظيم، هذا التحول لا يأتي فقط من تعديل المناهج أو تجهيز الورش، بل من تغيير نظرة الدولة والمجتمع لسوق العمل نفسه، بحيث يصبح معيار النجاح هو «الكفاءة والإنتاج»، لا «الشهادة فقط».
 
ملامح الشراكات الدولية الجديدة
الشراكات التي أعلنتها وزارة التربية والتعليم مؤخرًا مع جهات ألمانية، وبريطانية، ويابانية، تمثّل نقلة نوعية في فلسفة إدارة التعليم الفني، فهي لا تقتصر على تبادل الخبرات، بل تمتد إلى بناء مدارس مشتركة، واعتماد مناهج مزدوجة، وبرامج تدريب مهني مرتبطة مباشرة بسوق العمل المحلي والدولي، وأحد أبرز الأمثلة هو التعاون «المصري – الألماني» في المدارس التكنولوجية التطبيقية، والذي يشمل نقل أنظمة التدريب المزدوج التي تعتمد على الدمج بين الدراسة النظرية والتطبيق العملي داخل المصانع.
 
كما تشارك جهات أوروبية في تطوير برامج اعتماد دولية للمعلمين والفنيين المصريين، بحيث تُصبح الشهادات الفنية المصرية معترفًا بها في أسواق عربية وأوروبية، وهو ما يفتح الباب أمام فرص عمل موسّعة داخل وخارج مصر، وهذه الشراكات لا تُعد مجرد اتفاقيات بروتوكولية، بل تُعبّر عن توجه سياسي واقتصادي نحو جعل التعليم الفني أحد ركائز التنمية، خصوصًا في ظل خطط الدولة لجذب الاستثمارات الصناعية الكبرى، حيث تمثّل المهارة العنصر الحاسم في جذب المستثمرين.
 
التعليم الفني وسوق العمل الجديد
التحولات الكبرى في سوق العمل العالمي تفرض واقعًا جديدًا: الوظائف التقليدية في تراجع، والطلب يزداد على العمالة الماهرة والتخصصات التقنية الدقيقة، وفي هذا السياق، تتحرك مصر لتقليل الفجوة بين مخرجات التعليم الفني واحتياجات الصناعة، من خلال إشراك القطاع الخاص في تصميم المناهج وتحديد المهارات المطلوبة، وبدأت الشركات الكبرى بالفعل في التعاون مع مدارس فنية لتدريب الطلبة أثناء الدراسة، تمهيدًا لتعيينهم بعد التخرج.
 
القيمة المجتمعية للتحول
التغيير في التعليم الفني لا يقاس فقط بالبرامج والمناهج، بل بما يُحدثه من تحول اجتماعي في نظرة المجتمع للفني والمهني، فحين تبدأ الأسرة المصرية في أن ترى أبناءها في الزي الفني لا كـ«بديل ضعيف»، بل كصانع مهارة، يبدأ التغيير الحقيقي، وهو ماتلاحظ في السنوات القليلة الماضية، من بدأ تحول الأسر إلى مدارس ذات طابع فني، تعمل تحت راية شركات كبرى، ضمن مظلة وزارة التربية والتعليم، لتخريج جيل فني صناعي قادر على قيادة الاقتصاد الوطني نحو الاستقرار.
 
ويقع على عاتق وزارة التربية والتعليم، بالتنسيق مع وسائل الإعلام المختلفة، مهمة كبرى، تتمثل في التوعية بهذا النوع من الدراسة، وإيجابياته، مع تغيير الصورة النمطية عن التعليم الفني المستقرة في وجدان الأسر والطلاب، وإطلاق حملات توعية تتضمن نماذج من سير خريجين برزوا في هذا المجال، وإبراز الجوانب المضيئة لهذا النوع من الدراسة، مع توفير وسائل التدريب والتأهيل اللازمة للكوادر التعليمية لمساعدتهم على آداء تلك الرسالة بنجاح وإسهام إيجابي في عقول الطلاب وصقل مهاراتهم.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق