نكشف بالتفاصيل.. آلاعيب الإخوان الإرهابية ولجانها الإلكترونية استهداف علاقة مصر بالسعودية وأشقائها العرب
الجمعة، 07 نوفمبر 2025 07:50 م
طلال رسلان
لم تعد الساحة الرقمية مجرد ميدان لجدلٍ عابر؛ بل تحولت إلى ساحة حرب نفسية ممنهجة تُدار بأدوات تقنية واعية الهدف: المساس بصلابة الروابط المصرية–الخليجية وزعزعة الثقة الداخلية بالتحالفات الاقتصادية والسياسية.
تدرك جماعة الإخوان الإرهابية أن استقرار المنطقة مبني على علاقات قوية بين مصر وأشقائها العرب خاصة السعودية، ولأنها جماعة تبنى مجدها على الهدم والتخريب، فإنها لا تتأخر لحظة عن تنفيذ مخطط الوقيعة بين القاهرة والعواصم العربية، باستخدام لجانها الإلكترونيّة.
على مدار أيام مضت رصدنا آليات عمل ما يُعرَف بلجان «الإخوان» الإلكترونية، أمثلة حديثة لعمليات تضليلية استهدفت العلاقة مع السعودية خلال الأسابيع الماضية، وقيّمنا أثر تلك الحملات، وخلصنا إلى أن فاعلية هذه الحملات إعلاميًا لا توازي أبداً أثرها الحقيقي على أرض الواقع.
كيف تعمل «اللجان»؟ غرفة عمليات رقمية بخريطة أهداف
من خلال تتبع مئات المنشورات والحسابات وقياسَ صُنع الانتشار على منصّات التواصل، يتضح أن العمل يتم داخل ما يشبه غرفة عمليات رقمية. هذه الغرف تقرر اللحظة المناسبة لإطلاق مادة (فيديو، تصريح، فتوى قديمة، شائعة)، ثم توزّع نسخًا مُعدّة بصيغ متعددة بلغات وأصوات مختلفة، لتخلق انطباعًا بوجود «رأي عام» يدعم الرواية المزعومة. تقنياتها الأساسية:
التقاط واقعة يومية صغيرة ثم تضخيمها بصياغات استفزازية، وإعادة نشر فتاوى أو تصريحات قديمة خارج سياقها لخلق مظهر الأزمة الدينية، تحريك حسابات وهمية ومؤثرة لبدء سجال بين جمهور البلدين.
هذا الأسلوب سبق أن رصدته تقارير محلية ودولية حول قنوات ومنصات تبث من بيئات معادية، وتعمل على صناعة محتوى ينهش النسيج الاجتماعي.
نموذج عملي: فيديو «المعتمر» وكيف تحوّل الحدث إلى أزمة مصطنعة

مؤخرًا انتشر مقطع يصوّر مشادة بين معتمر مصري وفرد أمن داخل الحرم. المشهد في مجمله يوحي بأنه حادث انتهى سريعًا، لكن عناصر غرفة العمليات الإخوان الإرهابية رأت فيه «وقودًا» لنسج حملة تنال من صورة السعودية وتثير حساسية المصريين في آنٍ واحد. ما حدث عمليًا كان التالي:
انتشار المقطع على نطاق واسع عبر حسابات متزامنة.
إضافة تعليقات مغلظة ومزاعم عن «إهانة ممنهجة» للمصريين.
تحويل الانتباه إلى جدل ديني وطني بدل تسوية الأمر عبر القنوات الرسمية.
الرد الرسمي لم يتأخر؛ وزارتا الخارجية والجهات المعنية راقبتا التطورات وقالتا إن الوضع بسيط وانتهى بتصالح الطرفين، وأن الالتزام بتعليمات الأمن في الحرم عبادة كما أكدت جهات دينية سعودية. لكن الآلة الإعلامية الموجهة استمرت في ضخ روايات بديلة لعدة ساعات، مما خلق توترًا لا يتناسب مع حجمه الواقعي.
إعادة تدوير «فتاوى» قديمة: محاولة لصبّ شك دينيّ على مناسبات مدنية

ذات أسلوب رائج: إذا ما أقيم حدث مصري–خليجي أو احتفالية وطنية كبيرة، تتعمد هذه اللجان إلى استدعاء فتوى قديمة أو مقطع صوتي خارجي أحيانًا بدون سياق يزعم تحريم زيارة المتاحف أو المشاركة في تلك الفعاليات، مثلما حدث مع الحدث التاريخي بافتتاح المتحف المصري الكبير، يتم تصوير القضية كأنها صراع «قِيَم» بين المجتمع والدولة.
هذه المحاولات، وإن حملت مظهرًا دينيًا، إلا أن هدفها في الجوهر سياسي: تحويل حدث ثقافي سياحي ناجح إلى مادة خلافية تُقلّل من رواج المبادرات المشتركة.
رصدنا تداولًا واسعًا لفتاوى ومقتطفات على مجموعات وصفحات عربية أثارت بلبلة مؤقتة على السوشيال.
استهداف الاستثمارات الخليجية: شائعات تُقوّض دون أن تُعطِل الواقع الحقيقي
أحد أخبث أهداف هذه الحملات هو المسّ بالاقتصاد وخاصة الاستثمارات الخليجية. التوجّه الاستثماري الخليجي إلى مصر خلال السنوات الأخيرة كان واضحًا، ودفعات استثمارية ضخمة انعكست إيجابًا على البورصة والسوق المحلي، لكن الحملات الرقمية لا تتوانى عن بث شائعات تهدف إلى:
تصوير الاستثمارات على أنها «استحواذ» أو «ابتلاع» يؤدي إلى فقدان السيادة، وتناقل شائعات عن انسحابات أو تعطيل مشاريع بهدف بث الخوف لدى المستثمرين المحليين والأجانب.
الواقع الاقتصادي يُظهر ثقة متنامية: جلسات تداول نشطة ودخول استثمارات خليجية لمشروعات كبرى، لكن بعض عمليات الانسحاب أو تأجيل مشروعات التي قد تعود لأسباب فنية أو مالية تُوظَّف رقميًا كدليل على «فشل التعاون» بناءً على روايات مختصرة ومضلّلة.

لماذا تفشل هذه الحملات في إحداث ضرر دائم؟
رغم الضجيج الإعلامي، هناك أسباب منطقية لعدم تحول هذه الشائعات إلى انهيار حقيقي:
الصلابة الرسمية: مؤسسات الدولة والأطراف الخليجية تتواصل على مستوى رسمي رفيع، وتُدار العلاقات من خلال قنوات دبلوماسية واقتصادية لا تنهار بسبب «هاشتاغ».
العائد الاقتصادي الواضح: الاستثمار الخليجي يُبنى على معايير ربحية طويلة الأمد، والحوافز في مصر لا تزال قائمة، مما يجعل المزاعم الإعلامية قصيرة النفس.
وعي الجمهور والخبرة الإعلامية: الجمهور لم يعد يقبل الرواية الأولى؛ تطور ثقافة التحقق والردود الرسمية السريعة حدّ من مفعول الشائعات.
أدوات التضليل: مِن الحشد العاطفي إلى استهداف المعلنين والاقتصاد الثقافي
الآثار ليست فقط سياسية؛ فهنالك استهداف ممنهج لقطاعات حساسة: السياحة، الإعلام، قطاع الإبداع. ترويج فكرة أن «الزائرين يرفضون زيارة مصر» أو أن «السياحة تعرضت لخطاب معادٍ» يُستخدم لمحاولة خلق تأثير ثانوي يثني المستثمرين أو السياح المحتملين.
لكن تحليلات السوق الأخيرة تُظهر أن الاستثمار الخليجي استمر وأن مؤشرات البورصة استجابت إيجابًا في مناسبات عدة، ما يضع هذه الادعاءات في خانة الدعايات المؤقتة أكثر مما هي تهديد حقيقي طويل الأمد.

من يقف خلف هذه «الغرف»؟ تتبعٌ جغرافي ودعم تقني
التحقيقات التي رصدناها تشير إلى أن بعض المنصات وقنوات البث الإعلامي المرتبطة بالتنظيمات الإخوانية تعمل من بيئات خارجية، وتستخدم قنوات بديلة لنشر المحتوى والتأثير في الجمهور العربي والإسلامي. هذه القنوات لا تتردد في إعادة بث نفس المواد بصيغ متكررة تختلف لفظيًا ولكنها تحمل نفس المعنى التحريضي.
حين تحولت أحداث بسيطة إلى «مواد إعلامية»، دفع ثمن التضخيم مواطنون عاديون: انتقادات لاذعة، تهديدات، دعوات لمقاطعته والتشهير به. المعتمر الذي ظهر في المقطع واجه حملات اتهام رغم اعتذاره وبيانه الهادئ، بينما أصحاب المحتوى الثقافي مثل القائمين على افتتاحات متحف أو معارض تلقوا موجات من الاتهامات غير المبنية على حقائق، ما خلق حالة من التوتر الإعلامي لا مصلحة فيها للدولة أو للشعوب.
لقد أكدت الوقائع أن الحملة الإلكترونية قد تُحدث ضوضاءً، لكنها نادرًا ما تغيّر التوازنات الاستراتيجية أو الاقتصادية إذا وُجِّهت برد واضح ومدروس. العلاقات المصرية–الخليجية قائمة على مصالح متبادلة وتاريخ طويل من التعاون، والاستثمارات الكبرى لا تُحكمها هاشتاغات ولا تُعرقلها شائعات قصيرة العمر. ومع ذلك، فإن التصدي لهذه المحاولات يظل ضروريًا — ليس فقط لصد حملات تضليلية معاصرة، بل لحماية مجالات العمل والثقافة والسياحة التي تُعدّ العمود الفقري للاقتصاد الوطني.