ملف السوشيال المسموم.. كيف تُدير لجان الإخوان الإرهابية مخططًا لضرب العلاقات المصرية-السعودية؟
السبت، 08 نوفمبر 2025 03:00 م
منذ سقوط مشروع جماعة الإخوان الإرهابية في مصر عام 2013، تحوّل التنظيم إلى العمل تحت الأرض سياسيًا، وفوق الأرض رقميًا. ومع اختناق التأثير داخل الشارع المصري، أصبحت منصات التواصل هي السلاح الأهم للجماعة، ليس فقط لنشر الشائعات المحلية، بل لضرب شبكة العلاقات المصرية-الخليجية التي أفشلت أكبر طموحاتهم. وعلى رأس تلك العلاقات تأتي السعودية، التي كانت ولا تزال، شريكًا سياسيًا واقتصاديًا في تثبيت استقرار الإقليم.
فكيف تحوّلت مواقع التواصل الاجتماعي إلى غرفة حرب إلكترونية هدفها إفساد الثقة بين القاهرة والرياض؟ ومن يقف خلف هذه الحملات؟ ولماذا تفشل رغم الضجيج؟
البداية.. من التحريض المحلي إلى استهداف الأشقاء
مع تضييق الدائرة السياسية على الإخوان الإرهابية داخل مصر، لاحظت الأجهزة الإعلامية والبحثية تغيّرًا في نوعية الحملات التي تنفذها اللجان الإلكترونية: لم يعد الخطاب مقتصرًا على انتقاد الداخل أو تشويه الاقتصاد والحكومة، بل انتقل إلى مستوى أعلى: خلق صدام وهمي بين المصريين والسعوديين.
الفكرة بسيطة في ظاهرها، خطيرة في مضمونها: إذا لم يستطعوا التشويش على الداخل، فليضربوا أهم شراكة عربية تحفظ الاستقرار في المنطقة.
فخ “التريند”.. كيف تتحول واقعة صغيرة إلى أزمة كبرى؟
أدوات الجماعة ليست خفية، بل باتت مكشوفة لمن يتابع ما يحدث على مواقع التواصل، اصطياد واقعة فردية: فيديو، مشادة، تصريح صحفي، زلة لسان، وقصّ المشهد من سياقه: حذف تفاصيل، إضافة روايات غير صحيحة، وتضخيم الحدث عبر مئات الحسابات الوهمية، وإطلاق هاشتاجات تستفز المصريين ضد السعوديين والعكس.
ولأن العالم يتابع من خلال الشاشات لا التحقيقات، تتحول الدقيقة المصورة إلى رواية عن “إهانة دولة لشعب”، بينما الحقيقة تكون مجرد خلاف بسيط تم حله في مكانه.
نموذج عملي: واقعة “المعتمر المصري”
حين حدثت مشادة بين معتمر مصري ورجل أمن سعودي، تدخلت الجهات الرسمية في دقائق وانتهى الموقف، وظهر المعتمر لاحقًا في بث مباشر قال فيه: “إحنا ضيوف المملكة.. والشرطة بتحمينا كلنا.. وماحدش غلط فيّ.”
لكن ما الذي فعلته اللجان الإخوانية الإرهابية؟
قصّت الفيديو لاختفاء لحظة التصالح، أضافت عناوين مثل: “إهانة المصريين في الحرم! دفعت حسابات مموهة بأسماء سعودية للرد بغضب، لتبدو المشكلة كأنها “صراع شعبين”.
ورغم أن الحقيقة ظهرت، إلا أن الضرر العاطفي كان قد حدث بالفعل لساعات طويلة.. ملايين قرأوا الأكاذيب، وآلاف فقط شاهدوا الرد الحقيقي.
استدعاء الدين.. سلاح قديم بوجه جديد
لم تكتف اللجان بالحوادث الفردية، بل لجأت إلى سلاح أكثر حساسية: استدعاء الفتاوى القديمة.
فمع افتتاح المتحف المصري الكبير، وهو حدث حضاري وسياحي ضخم، ظهرت فجأة حسابات تعيد نشر فتاوى سعودية قديمة منسوبة بشكل مضلل، تزعم أن زيارة المتاحف “حرام”.
الهدف واضح، تشويه صورة السعودية دينيًا أمام المصريين، تشويه صورة مصر حضاريًا أمام السعوديين، الإيحاء بأن البلدين في خلاف ثقافي أو عقائدي.
لكن المؤسسات الدينية في السعودية ومصر أصدرت بيانات سابقة تؤكد أن السياحة والمتاحف والآثار ليست محرمة شرعًا، وأن الحضارة والتراث ليستا ضد الدين. ومع ذلك، تواصلت الشائعات لأن “المعلومة الكاذبة أسرع انتشارًا من الحقيقة”.
لماذا السعودية تحديدًا؟
السؤال الأهم: لماذا تستهدف اللجان العلاقة المصرية-السعودية تحديدًا؟
السبب سياسي قبل أن يكون إعلاميًا: التحالف الأقوى في مواجهة التطرف، القاهرة والرياض كانتا حجر الأساس في إيقاف مشروع الفوضى في المنطقة بعد 2013.
التنسيق الأمني والسياسي، أي اختراق لهذه العلاقة يعني فرصة جديدة للتنظيم لإعادة رسم المشهد الإقليمي.
الاستثمارات الخليجية في مصر، وهي أوراق قوة اقتصادية تخدم التنمية، وبالتالي تُفشل روايات الإخوان الإرهابية عن “انهيار الدولة”، لهذا نرى أن كل صفقة استثمار، أو تعاون اقتصادي جديد، يقابلها موجة شائعات ممنهجة.
ضرب الاستثمارات الخليجية.. الهدف الأكثر إزعاجًا للتنظيم
حين يتم الإعلان عن استثمارات سعودية أو إماراتية في مصر، يحدث السيناريو نفسه: ترويج شائعة أن “الدولة باعت أصولها”، ادعاء أن “المشروعات بلا عائد”، استغلال أي تأخير إداري باعتباره “فشلًا وانسحابًا”.
لكن ماذا تقول الأرقام؟
مليارات الدولارات من الاستثمارات الخليجية دخلت السوق المصرية في الصناعة والعقارات والطاقة والسياحة، مشروعات مشتركة في الساحل الشمالي والعاصمة الإدارية ومناطق حرة، ارتفاع في معدلات التشغيل والبناء وإنشاء شركات جديدة، هذه الأرقام حقيقية على الأرض، بينما حملات الإخوان الإرهابية “رقمية فقط”، تسعى للتخويف وليس تقديم معلومة.
■ من يحرك هذه الحسابات؟
تتبع محللو الأمن الرقمي آلاف الحسابات، وتوصلوا إلى أن أغلبها، مسجل خارج مصر، يستخدم أسماء سعودية مزيفة لإثارة المصريين، يستخدم أسماء مصرية مزيفة لإثارة السعوديين، بمعنى بسيط: لا مصريون ولا سعوديون يتعاركون، بل لجان تصنع المعركة نيابة عنهم.
■ لماذا تفشل الحملات رغم انتشارها؟
رغم الضجيج، هناك ثلاثة عوامل أساسية تمنع نجاح المخطط: العلاقة السياسية أقوى من حملات تويتر، العلاقات بين الدول تُدار باتفاقيات ومصالح استراتيجية، وليس بتريندات، الوعي الشعبي بدأ يرتفع، كثير من السعوديين والمصريين صاروا يكتبون: “لا أحد يمثلنا.. ولا أحد يوقع بيننا.”، استمرار الاستثمارات رغم الشائعات، لو كانت الحملات مؤثرة حقًا، لتوقفت المشروعات.. لكنها تزداد.
الإخوان يعرفون أن مشروعهم سقط في مصر، وأن العودة مستحيلة دون انهيار التحالفات العربية، لذا يركزون على الحرب النفسية الرقمية.
لكن الواقع يقول: القاهرة والرياض أقوى سياسيًا، الاستثمارات تتحرك، الوعي الشعبي يتقدم، والشائعات تنكشف بسرعة أكبر مما تتخيل اللجان التي صنعتها.
لذلك، ورغم الضوضاء، تبقى الحقيقة واضحة: العلاقة المصرية-السعودية ليست صفحة على فيسبوك.. بل تاريخ، ومصالح، ودولة، وشعبان يعرفان عدوهما جيدًا.