باحثة بمرصد الأزهر: الإسلام يضع القوة تكليفًا وحمايةً لا وسيلةً للهيمنة
السبت، 08 نوفمبر 2025 12:22 م
منال القاضي
قالت ابتسام عبد اللطيف، الباحثة بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف، إنَّ الحديث النبوي الشريف "انما الايمان جنه يقاتل من ورائه ويتقى به" يرسم ملامح العلاقة بين السلطة والقوة في الإسلام، مؤكدةً أنَّ الجنة هنا تعني الوقاية والدرع التي تحمي الجماعة لا السيف الذي يستبد بها.
وأوضحت عبد اللطيف أن هذا التصوير النبوي العميق يقرر أن وظيفة الحاكم أو الإمام هي الحماية والزود عن الحقوق ورد العدوان، ومن ثم فالقوة في المنظور النبوي تكليف لا تشريف، ومسؤولية لا امتياز، وغايتها تحقيق الأمن والعدل وحماية المجتمع من الفوضى والظلم.
وأضافت أن الفقه الإسلامي سبق في وضع ضوابط مؤسسية وأخلاقية لتقييد القوة، فلم يترك السلطة بلا رقابة أو مساءلة، بل قرر مبدأ الشورى أساسًا لمشروعية القرار الرشيد، وأوجب محاسبة المسؤولين والنهي عن الظلم، مؤكدةً أن القوة في الإسلام وظيفة وقائية وعدلية لا وسيلة قهرية واستبدادية.
وأشارت الباحثة إلى أن هذه المبادئ تعيد إلى الأذهان ما يُرى في غزة من استخدام مفرط للقوة بلا رادع قانوني أو أخلاقي، مشيرةً إلى غياب التوازن العالمي في ممارسات القوة. وأضافت أن الالتزام بالمنظور الأخلاقي الذي دعا إليه الوحي والفلاسفة المنصفون كان سيغير ميزان العدالة الدولي.
ووصفت ما يجري من قتل وحصار وقذف عشوائي بأنه نموذج لانفلات القوة من ضوابطها، داعيةً إلى تحرك فكري وديني وسياسي عالمي على كافة المستويات لإعادة بناء نظام دولي عادل يستند إلى مبدأ قوة الحق وردع الظالم والمعتدي، لا للحصول على مكاسب أو رغبات غير مشروعة بالقوة.
وأشارت عبد اللطيف إلى ثلاثة محاور كبرى لبناء إطار مرجعي عالمي لأخلاقيات القوة: أولًا تحديد مشروعية القوة بحيث لا تكون إلا للدفاع عن الحقوق ودفع العدوان، ثانيًا وضع آليات رقابة دولية تضمن محاسبة من يتجاوز حدود العدالة أو يستعمل القوة في الإبادة الجماعية أو الاحتلال، ثالثًا تعزيز ثقافة رَدْعِ الظلم عبر التعاون بين الشعوب والمؤسسات لنصرة المظلوم.
ولفتت الباحثة بأن أي ميثاق عالمي لأخلاقيات القوة لا يكتمل إلا بإدماج بعد قيمٍ إنسانية مشتركة تتفق عليها الشعوب والثقافات، مشددةً على أن الميثاق ينبغي أن يقوم على كرامة الإنسان كقيمة أصلية غير قابلة للتجزئة، وعلى الحرية الدينية والفكرية وحق الشعوب في تقرير مصيرها بعيدًا عن الاحتلال أو الإكراه.
وقالت ابتسام عبد اللطيف إن العالم اليوم أمام مفترق طرق: إما أن يستمر في الانزلاق نحو منطق الغاب حيث تسود قوة الأقوى، أو أن يستعيد إنسانيته ويبني نظامًا عالميًا عادلاً يضع القوة في خدمة الحق لا العكس، مؤكدةً أن أخلاقيات القوة باتت ضرورة وجودية للحفاظ على القيم والإنسانية المشتركة.
https://youtu.be/8ilpUyfgOao?si=rTFes9tFX3YatihN