المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية.. مفرخة جديدة للإرهابيين برعاية إخوانية
السبت، 08 نوفمبر 2025 09:21 م
الجماعة الإرهابية تستعين بـ"محمد إلهامى" لاستخدام المركز البحثى فى استقطاب الشباب وتجهيزهم فكرياً لتنفيذ المهام
القطبية الجديدة.. أسلوب جديد لتبرير التطرف الفكري والسياسي وإنتاج أدبيات الفوضى الناعمة بلغة علمية مزيفة
ثمة آلة ضخ لا تراها العيون، لكنها تعمل بلا هوادة؛ شبكة متكاملة من أصوات ومنصات ومقابلات تنسق أحداثًا، تضخم حادثة واحدة حتى تصبح قضية كلية، ثم تشن هجومًا مركزًا يُرغم الجمهور على الانقضاض على أي سرد مضاد، وهذه الآلية لا تكتفي بتضخيم المشاعر، بل تزوّد السرد بنصوص انتقائية وتبريرات تاريخية تجعل الرواية تبدو كاملة ومقنعة لمن يتلقاها مسبقًا.
الضخ هنا يحوّل الوقائع إلى أدوات دعائية، والتاريخ إلى مادة عاطفية قابلة للتشكيل، كل حدث يُعاد ترتيبه، كل قصة تُفسّر بما يخدم أجندة مجهولة، لتصبح الجماهير خاضعة لإيقاع مصمّم سلفًا، ووعيها مُستهدَف باستمرار.
وفي خضم هذا الإطار يظهر محمد إلهامي، ليس مجرد ناقل أفكار، بل محور يعيد تركيب السرد، ويلتقط النسيج المهيأ ويعيد صقله بأسلوب يبدو علميًا وتحليليًا، لكنه في جوهره إعادة إنتاج لنموذج سيد قطب المعاصر.. يحوّر التاريخ، يضخم الصراعات، ويعيد تدوير روايات مغلوطة عن الاحتلال الإسرائيلي والسياسات العربية.
لا يكتفي بالتحليل، بل يصنع منهجًا هجوميًا قائمًا على الاستقطاب والتحريف وإعادة صناعة العداء، مواجهة خطاب محمد إلهامي ليست خيارًا فكريًا، بل ضرورة لمواجهة خطر مركب على الفكر العربي والوعي الجماهيري، وإيقاف دورة الضخ التي تعيد إنتاج خطاب التطرف بأسلوب معاصر.
القطبية الجديدة – قناع أخر للتحريض
مفهوم "القطبية الجديدة" عند محمد إلهامي ليس مجرد إطار تحليلي أو نظرية سياسية، بل أداة إستراتيجية لإعادة صياغة الخطاب الإخواني بما يخدم أهدافًا أيديولوجية محددة، ففي سياق الخطاب الإخواني المعاصر، يتم استخدام هذا المفهوم لتقديم العالم على أنه ساحة صراع دائم بين قوى الخير والشر، حيث تتحول القضايا السياسية والتاريخية المعقدة إلى ثنائية بسيطة تُغذي الانقسام والاستقطاب.
والنقطة الجوهرية في خطاب إلهامي هي أنه يحوّل القطبية الجديدة من أداة تحليلية إلى آلة لتبرير التطرف الفكري والسياسي، مستخدمًا لغة علمية مزيفة لتقديم الرأي الفردي على أنه واقع موضوعي، لكن هناك تناقض في خطاباته عند مقارنة استخدامه للقطبية الجديدة بالمبادئ التي تدّعي الجماعة الالتزام بها.
فهو يرفض أي نقد أو تحليل خارجي يخرج عن دائرة "الصراع بين الحق والباطل"، ويحوّل أي موقف معارض إلى دليل على الجاهلية أو الطاغوت، في تكرار صريح لمنهجيات سيد قطب، لكن مع أسلوب معاصر يُضفي طابع الحداثة والمصداقية على خطاب الاستقطاب، وبهذا الأسلوب، يتم تطويع التحليل السياسي والخطاب التاريخي لخدمة سردية واحدة، تبرر أي تحرك جماعي أو أيديولوجي، وتخلق بيئة خصبة لنمو التطرف.
وتشمل الأمثلة العملية على استغلال إلهامي للقطبية الجديدة إعادة تفسير الصراعات التاريخية، تضخيم الصراعات مع الاحتلال الإسرائيلي، وربط الأحداث المعاصرة بالعداء الدائم بين "المؤمنين" و"الأعداء"، وهو ما يجعل كل حدث سياسي مادة لترويج رؤية أحادية، وهذه الأساليب ليست عشوائية، بل جزء من استراتيجية متكاملة لإعادة إنتاج خطاب قطبي على الطريقة الحديثة، حيث تتكامل عناصر اللغة، التاريخ، والتحليل السياسي لإقناع الجمهور بضرورة الانقسام والاستقطاب، وفي الوقت نفسه تقديمه على أنه منهج موضوعي.
وفي إطار هذه الاستراتيجية، يصبح محمد إلهامي شخصية محورية، ليس لأنه يقدم أفكارًا جديدة بقدر ما لأنه يصنع طريقة لإعادة تركيب الخطاب الإخواني. عبر القطبية الجديدة، يعيد إنتاج نموذج سيد قطب بأسلوب حديث، يدمج بين التأثير الإعلامي والفكر الاستراتيجي والتحريف التاريخي، ليضع المستمع أو القارئ في دائرة مستمرة من الانقسام والتحريض، ما يمهد بشكل طبيعي للفصل التالي، الذي سيكشف كيف تتجسد شخصية إلهامي نفسها كنموذج متطور لسيد قطب في السياق المعاصر، مع التركيز على أدواته الفكرية واستراتيجياته العملية.
محمد إلهامي – سيد قطب في نسخة معدلة
في المشهد الفكري الإخواني المعاصر، يبرز محمد إلهامي كرمز للتطرف المعاصر، يجمع بين إرث سيد قطب العدائي وأساليب التحليل الإعلامي الحديث، محوّلًا التاريخ والسياسة إلى أدوات للاستقطاب والتحريض، ومستخدمًا خطابًا يبدو علميًا لكنه في جوهره موجه لتشكيل وعي أحادي ومهيأ لقبول الأفكار الإخوانية دون نقد.
وما يميّزه هو وضوح منهجه في توظيف المفاهيم القطبية مثل الجاهلية والطاغوت والاستقطاب، ليحوّل كل حدث سياسي أو تاريخي إلى مادة لإثارة الفتن وإعادة إنتاج خطاب التطرف، ففي كل منشور أو محاضرة، يُحوّل إلهامي الواقع المعقد إلى ثنائية صارخة بين الحق والباطل، بين المؤمنين والأعداء، وهو ما يجعل القارئ أو المستمع مستهدفًا لاستيعاب سردية أحادية مليئة بالمبالغات والتحريفات.
ولا يقتصر الاستنساخ الفكري بين سيد قطب وإلهامي على المصطلحات أو المفاهيم، بل يمتد إلى المنهجية نفسها في قراءة الواقع وتفسير التاريخ، كما اعتمد قطب على الثنائية الصارخة بين الحق والباطل لتبرير الصراع مع "الجاهلية والطاغوت"، يعيد إلهامي إنتاج نفس الإطار الفكري، مع اختلاف السطح: يستخدم لغة حديثة، أمثلة معاصرة، وتحليل إعلامي يبدو علميًا، لكنه في جوهره نسخ مباشر للفكر القطبي العدائي.
إن ما يفعله إلهامي ليس مجرد اقتباس جزئي، بل تكييف شامل للمنهج القطبي: تبسيط الصراعات المعقدة، تصوير الأعداء كرموز للفساد والشر، وإعادة تفسير الأحداث التاريخية والسياسية لتأكيد مشروع جماعة الإخوان كخيار وحيد، وهذا الاستنساخ الفكري يجعل من إلهامي سيد قطب في نسخة معاصرة، قادر على تمرير نفس الرسائل العدائية، لكن بأسلوب متقن وأكثر قدرة على التأثير في الجمهور المعاصر.
ليس هذا فحسب، بل بلغ به الأمر أن يدّعي أن إسقاط النظام المصري الحالي سيؤدي إلى "فتح من الله"، في دلالة واضحة على تهديدات مباشرة لاستقرار الدولة، وتحريض مبطن على الفوضى، مستندًا إلى خطاب ديني مفخخ يخلط بين الدين والسياسة، ولعل الأخطر من ذلك هو زعمه بأن "احتلال" دولة لأخرى يمثل انتصارًا ربانيًا.
لا يعمل إلهامي في فراغ، بل داخل أروقة "المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية"، المرتبط عضويًا بجماعة الإخوان الإرهابية، حيث يشغل منصب "مدير وحدة الحركات الإسلامية"، وهذا المعهد يقدم نفسه كواجهة بحثية، لكنه في الواقع مختبر لإنتاج أدبيات الفوضى الناعمة، التي تستهدف استقطاب الشباب العربي وتفريغ مفهوم الوطنية لصالح الانتماء للجماعة.
ويعمل هناك جنبًا إلى جنب مع شخصيات إخوانية معروفة مثل سيف عبد الفتاح وعبد الفتاح ماضي ومحمد محسوب وطارق الزمر، ما يؤكد أن مشروع إلهامي ليس فرديًا بل جزء من منظومة أيديولوجية منظمة.
ويمزج خطاب إلهامي في مقالاته ومنشوراته بين التزييف المتعمد للوقائع والتفسير الأحادي للتاريخ، ليعيد صياغة الأحداث المصرية والعربية وفق سردية "الإخوان الضحية"، لا يقدم تحليلًا علميًا أو نقدًا موضوعيًا، بل يعتمد على اللغة العاطفية، التشكيك المنهجي، والتبشير بأن الحل الوحيد يكمن في الإسلام السياسي ممثلًا في الجماعة، متجاهلًا تمامًا الكوارث التي خلفتها الجماعة الإرهابية في مصر وخارجها، وهذا النهج يعكس محاكاة صريحة لمنهج قطب، لكنه بأسلوب معاصر، قادر على التأثير في الجمهور العربي عبر وسائط الإعلام والمنصات الرقمية.
وللتاريخ خلفية شخصية تدعم هذا التحول الفكري: وُلد محمد إلهامي في سوهاج عام 1983، وبدأ في صفوف الجبهة السلفية، قبل أن ينتقل إلى مؤسسة ميدان التابعة للجماعة الإرهابية، ما يعكس تحولًا استراتيجيًا يجمع بين السلفية الجهادية والتنظير الإخواني.
ومع تأسيس المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، برز إلهامي كباحث متخصص في التاريخ والحضارة الإسلامية، واستغل منصبه لتوسيع نطاق تأثيره، مستفيدًا من الأسماء الإخوانية البارزة في المعهد وواجهته البحثية المزيفة لإضفاء شرعية علمية على خطاب التطرف والتحريض.
تفكيك فكر إلهامي
يُنظر إلى خطاب محمد إلهامي كظاهرة منهجية تُفكَّك عبر ثلاثي متكامل من المرجعية الأيديولوجية والبناء التكتيكي وقنوات الانتشار المؤسسية، مع هدف يتجاوز الوصف إلى تقييم قابلية هذه العناصر للترجمة إلى ممارسات فعلية وتأثيرها المحتمل على الأمن القومي والوعي الوطني المصري.
الخطاب لا ينشأ في فراغ؛ فاستلهامه لمرجعية قطبية مفهومة عبر نصوص سيد قطب - وخصوصًا مفهوم «فقه الحركة» كما أورده علي عشماوي في مذكراته «التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين» (دار الهلال، 1993) - يمنحه بعدًا شرعيًا حركيًا لدى جمهور معيّن.
ويشير عشماوي إلى أن قطب كان يرى للحركة الإسلامية «قواعد وأحكامًا فقهية» مغايرة لما هو مقرر في الفقه الإسلامي العام، وأنه خصّص في المسودة غير المنشورة من الجزء الثاني لكتاب "معالم في الطريق" فصلًا كاملًا لهذا المفهوم، قبل أن يُتلف لاحقًا.
وهذا التمييز بين أحكام «فقه الحركة» والفقه العام يفتح الباب لتكييف الأحكام الشرعية لخدمة مقتضيات العمل الحركي، ويحوّل المرجعية الدينية إلى أداة تسويغ أخلاقي تُبرّر أساليب التمكين والاختراق السياسي، ومن ثم، يغدو التسويغ الشرعي عنصرًا تجنيديًا فاعلًا يرفع من قابلية تقبّل السلوك السياسي المتطرف لدى فئة مستهدفة بعينها، ويحوّل النص من خطاب تأملي إلى آلية استنباط تنفيذية.
ويحوّل إلهامي، في مقاربته العملية، العاصمة من رمز إلى هدف تكتيكي محدد، ويضع ما يمكن تسميته «قاعدة العواصم» في صلب أولويات التمكين؛ إذ تُقرأ العاصمة باعتبارها نقطة انقلاب توازن القوة على المستويين الوطني والإقليمي.
فالنص لا يكتفي بالسرد التاريخي بل يرسم خارطة أولوية تنفيذية تجعل من القاهرة محورًا مركزيًا مع الإشارة إلى مدن أخرى بوصفها مراكز ثقل بديلة، أما آليات التمكين فتتوزع بين مسارين متكاملين: التسلل البطيء داخل مؤسسات الدولة والأجهزة الأمنية من جهة، والانقضاض المفاجئ عبر الانقلاب المباشر من جهة أخرى، ولكل منهما متطلباته الخاصة من شبكات داخلية واستعداد أمني ومعلوماتي وجبهات إعلامية ودينية داعمة.
ويحوّل هذا التداخل بين الهدف والوسيلة الخطاب إلى تكتيك عملي يتطلب مستوى تنظيميًا وموارد مؤسسية لا يمكن تحقيقها إلا عبر شبكات مترابطة ومؤسسات ظيفية متخصصة.
كذلك التحول من نص تنظيري إلى خطة قابلة للتنفيذ يتطلب آليات محددة بوضوح، تبدأ ببناء بنية نشر وتعبئة تشمل معاهد ومنصات إعلامية وشبكات معرفية، مرورًا باستهداف الفروع الحيوية للدولة من خلال استراتيجيات اختراق متدرجة، تشمل مؤسسات الأمن والإعلام والمجتمع المدني، وانتهاءً بتهيئة بيئة اجتماعية تتقبل منطق الاختراق عبر خطاب يشرعن «الأولويات الثورية» حتى لو أدّت إلى خسائر مؤقتة في بعض مقومات السيادة.
ولا يكتفي إلهامي بتأطير هذه الآليات نظريًا بل يمنحها صيغًا عملية تتراوح بين الإعداد الأمني والمعلوماتي وبناء شبكات داخلية وإنشاء جبهات إعلامية ودينية لتبرير التحركات المقبلة، ما يجعل الخطاب ذا بعد أمني كلما اقترن بمحاولات نقل الولاء من الدولة إلى منظومة أيديولوجية بديلة.
ويغيّر وجود واجهات بحثية ومنصات مؤسسية، مثل المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، من طابع الخطاب ويمنحه غطاءً بحثيًا وإعلاميًا يوفر له شرعية ظاهرية تُسهّل انتشاره وتطبيعه، وهذه المؤسسات تؤدي ثلاث وظائف استراتيجية مترابطة: إنتاج المادة المرجعية عبر الكتب والدراسات، إعادة صياغة المحتوى في قوالب تحليلية «علمية» تمنحه مصداقية شكلية، وتوزيعه عبر قنوات متعددة تستهدف جمهور الشباب والبيئات الحركية في الداخل والخارج.
النتيجة هنا ليست مجرد انتشار خطاب، بل تشكّل بيئة معرفية قادرة على تطبيع أفكار التمكين والاختراق تدريجيًا وتحويلها إلى جزء من المجال التداولي العام.
على مستوى الأثر، فإن مقولات مثل تهميش الوطنية واعتبارها «حفنة تراب» وإعلاء الولاء للجماعة فوق الولاء للدولة تؤدي إلى تآكل الإجماع الوطني، وإضعاف الحوافز المجتمعية للدفاع عن الدولة، وتسهيل اختراق مفهوم الشرعية الوطنية بتبريرات فقهية أو ثورية، وهذه التحولات لا تبقى حبيسة النظرية بل تنعكس على قدرة المجتمع على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وتزيد من هشاشة الاستجابة الوطنية في الأزمات، ما يجعل الخطاب عامل تفكيك للتماسك الوطني بدلًا من كونه طرحًا دعويًا أو فكريًا.
ومن منظور واقعي، يجب التمييز بين قابلية الفكرة كخارطة طريق وقابليتها للتحقق الفعلي؛ فاستهداف العاصمة وتنفيذ برامج تمكين طويلة الأمد ممكنان نظريًا، لكن نجاحهما يحتاج شبكة داخلية قوية، موارد مالية، دعم خارجي أو تواطؤ محلي، واستراتيجية معلوماتية فعّالة.
وتظهر المعطيات المتاحة أن بعض هذه العناصر متوفرة جزئيًا عبر واجهات بحثية ومنصات إعلامية وشخصيات فاعلة، وهو ما يجعل احتمالية التصعيد واقعية إن لم تُواجَه بأدوات استراتيجية مضادة، لأن وجود المكونات الأولية - ولو جزئيًا - يزيد من قابلية التحول من الخطاب إلى الفعل، ومن ثمّ، فإن خطورة خطاب إلهامي لا تكمن فقط في مضمونه، بل في قدرته على إنتاج بيئة مُمكِّنة له، قادرة على إعادة تدوير الأفكار القطبية القديمة داخل سياقات مؤسسية معاصرة.
إلهامي كمحرّك عملي للهجوم على الدولة المصرية
لم يعد محمد إلهامي محض راوٍ لأفكار؛ بل صار منظّمًا لخطابٍ يُستعمل كسلاح ضد مصر، الفرق بين المحلل والمنفّذ هنا واضح: المحلل يقدّم قراءة؛ إلهامي يقدّم خارطة طريق بلغة تحريضية تترجم عند متلقّيها إلى استعداد عملي. أن يقول إن «دخول إسرائيل لسيناء علامة نجاح الثورة»، أو أن يعلن أن «زوال حكم الرئيس السيسي أهم بالنسبة له من زوال نتنياهو»، ليست جملًا للتسويق الإعلامي، بل إشارة عملية تعيد ترتيب أولويات الصراع وتشرّع قبول خسارة الساحة كمكوّن مرحلي في مشروع أيديولوجي، وهذه لغة لا تُنسَخ في الفراغ؛ تُعاد بثّها عبر منصات وتُستعمل لتبرير فعلٍ محتمل.
إلهامي يخطّ كتيّبًا عمليًا متخفياً في هيئة تحليل: «سبيل الرشاد» ليس مجرد نص؛ هو جهاز إرشاد. في ثنايا كتابه مفاهيمٌ تُحوّل العاصمة إلى هدف، وتضع وسائل تمكينٍ واضحة - من التسلل داخل أجهزة الدولة إلى الانقضاض المفاجئ - مع تحديد أولويات واستنباط لصيغ العمل.
إن ما يصير خطيرًا ليس مجرد الطرح، بل عندما تلتقي هذه الصيغ بواجهات إعلامية ومعاهد تمنحها طابعًا رسمياً، ثم تُوزّع عبر شبكات ونشطاء قادرين على تحويلها إلى ضغوط خارجية أو حركات ميدانية.
الآلية العملية بسيطة وواضحة: صياغة خطاب يبرّر الخسارة، تغليفه بغطاء بحثي أو إعلامي عبر معهد أو منصة، ثم تدويله عبر حسابات مؤدلجة تدفع حشودًا في الخارج أو تثير فئات داخلية، فما شهدناه من محاولات احتشاد أمام بعثات مصرية، وحملات منظّمة لتشويه صورة الدولة، وما جرى من تنسيق إعلامي واستنفار إلكتروني - كل ذلك ليس صدفة أو عصيانًا عفويًا - بل نتاج خطابٍ منظّم يُعرّف الخسارة كوسيلة، ويعلّم جمهورًا كيف يقرأها كنصر مستقبلي.
الخطاب نفسه يعمل كآلة تربوية: يزوّر مقياس الوطنية ويبدّله من علاقة دفاع عن الأرض إلى التزام أيديولوجي يُعطي الأولوية للجماعة على الوطن، النتيجة ليست فلسفية؛ هي عملية تحويل لوجيستي: شبابٌ محتقن يُغذّى بإطار يبرّر المخاطرة، عناصر في المهجر تتلقّى توجيهات ضمنية، ومنصات تضخّ رسائل متكررة تهيّئ الأرضية النفسية لقبول أي فعل يستهدف مؤسسات الدولة أو سيادتها، وبعبارة أخرى، إلهامي يُحضّر «قوات متلقية» لفظيًّا قبل أن تُجنّد عمليًا.
إن النفاق الأخلاقي في المشهد فاضح: صاحب الخطاب يقيم في ملاذٍ آمن بينما يدعو إلى تحمّل الآخر المخاطر في وطنه، وهذا التباين بين المعاش الآمن والتوجيه الخطير يفضح أن ثمة من يوزّع المخاطر ويرسّخها لدى غيره، ويختبئ وراء واجهات بحثية ومنصات إعلامية تمنحه شرعية شكلية، ومن يقرأ هذا بتمعّن يدرك أن كلامه لا يهدف إلى نقد بنّاء وإنما إلى تأجيج قابل للتنفيذ.
ما يجعل الكلام قابلًا للتحول إلى فعل هو قابلية منتجيه على توظيف ظرف سياسي أو أمني: أزمة محلية، تصعيد إقليمي، أو حادث دبلوماسي تصبح ذريعة لتفعيل رسائل «التمكين» التي يروّج لها. حين تتزامن التدوينات التحريضية مع حشود أمام بعثات أو حملات تضييق إعلامي، يصبح واضحًا أن وحدة المعادلة مقصودة: عبارة تُقال، حملة تُدار، ثم ضغط ميداني يُحاك، أي مراقب يجد تتابعًا ممنهجًا بين ما يقوله إلهامي وما تفعله خلاياه أو من يتجاوب مع خطاباته.
لا حاجة للمبالغة في كلامنا: الخطاب يكفي بأنه يشرعن ويطبّع فكرة القبول بالخسارة كوسيلة، ويحوّل الولاء من وطن إلى فصيل، وهذه الخطوة ليست نظرية، بل بوابة لتمزّق النسيج الوطني.. من يقول إن الخضوع أو التفريط يمكن أن يُقرأ كنجاح يضع بذرةً لتقبلٍ اجتماعي يتحوّل سريعًا إلى فعلٍ عند توافر الشبكات والأدوات.
المشهد يكشف أيضًا بوضوح أن إلهامي لا يعمل منعزلًا؛ خلفه هياكلرة نشر وتنسيق، وحلقات تدار بخبرات إعلامية وسياسية. وجود هذه البنية يجعل من تحريضه أداة عملية: لا يكفي أن تُلفظ العبارة، بل أن تُعاد تغليفها وتوزيعها وتوجيهها لمن هم في حاجة إلى مبرر؛ وهذا ما يحدث عمليًا.
النتيجة قاطعة: إلهامي محرّك كلامي يتحوّل إلى خطر عملي، كل مرة يُعاد فيها بث رسالته يتقوّى احتمال أن يتحول الكلام إلى فعل، والفرق بين الصوت والتحرّك ليس في النص فقط بل في البنية التي تنقله، وفي العقلية التي تقبل أن تُبدّل الولاء، وهنا يكمن الخطر الحقيقي: ليس في كلمة تفوه بها رجلٌ في الخارج، بل في شبكاتٍ تجعل من تلك الكلمة خطة عمل