قبس من نور المقاومة المصرية
الأحد، 09 نوفمبر 2025 09:00 ص
لا تصدقوا تزيف وتضليل عز الدين فيشر فهو يخوض لأمر في قلبه في شرف إحدى أطهر حركات المقاومة
لحكمة لا يعلمها سوى الله، يؤمن بعض ثقلاء الظل أن ظلهم خفيف الحركة، لطيف الملامح، رشيق القد، أنيق الهندام!
من ثقلاء الظل هؤلاء يبرز اسم الدكتور عز الدين فيشر، كنا نعرفه باسم عز الدين شكري، وهو دبلوماسي سابق، ودارس ومدرس للعلوم السياسية وأديب حاليًا.
الدكتور فيشر لا يحب المقاومة، أي مقاومة، ولم يذق تجاربها ولم يتذوق من ثمارها شيئًا أي شيء، القصة عنده هي هوى نفس وميل قلب، وليست قصة علم أو جهل، فمعاذ الله أن نتهم مثله بالجهل فهو وكاتب ودارس وله كتابات لا تصدر إلا عن عقل مرتب.
كتب الدكتور فيشر ونشر ما نصه: "ليه الحركة الوطنية المصرية تجنبت المقاومة المسلحة ضد الاحتلال البريطاني الغاشم من بدايته سنة 1882 لغاية 1951، واختارت التفاوض والضغوط والاحتجاجات الشعبية، رغم فشلها في إنهاء الاحتلال؟
1 ـ كانوا خونة وعملاء للاستعمار؟
2 ـ ماكانش فرانز فانون ظهر وكتب عن أهمية العنف؟
3 ـ ماكانوش عارفين إنهم تحت الاحتلال؟
4 ـ كانوا بيصحوا متأخر ومش فاضيين؟".
انتهى كلام الدكتور فيشر، الذي ينشع بثقل ظله، فثلاثة اختيارات من الأربعة التي كتبها، هي استعراض لخفة ظل يؤمن هو أنه يتمتع بها، والرد عليها عبث يضيع علينا مساحة المقال المتاحة.
فقط نتوقف عند جلبه لاسم المناضل الحق الدكتور فراز فانون، ابن البرجوازية الفرنسية، الذي تخصص في الطب النفسي، وعندما أضاء نور الحق بصيرته، خلع عن نفسه عار الاحتلال، وأعلن انضمامه لجبهة التحرير الجزائرية، التي كانت تقاوم بالسلاح المحتل الفرنسي، ومن خلال تجربته مع الجبهة رأى فانون حتمية استخدام العنف في أعمال المقاومة وكتب عن ذلك كتبًا، أشهرها عربيًا كتابه "معذبو الأرض".
وقدرت الجبهة مواقف فانون حتى أنها جعلته سفيرًا لها في بلدان إفريقية عديدة مستخدمًا جواز سفر ليبي صدر له باسم عمر إبراهيم فانون. وعندما توفي فانون جرى دفنه وفق وصيته في الجزائر.
طبعًا الدكتور فيشر يعرف هذا وغيره، ولكنه يزيف على ناشئة قد تصدقه لأنها لا تعلم، ولهؤلاء الناشئة أتوجه: لا تصدقوا تزيف وتضليل الدكتور دراس العلوم السياسية ومدرسها، فهو يخوض لأمر في قلبه في شرف إحدى أطهر حركات المقاومة، أعني المقاومة المصرية، فبعيدًا عن أي تعصب أو حمية وطنيه فنحن، أعني بني مصر، لدينا تاريخ عريق مجيد في المقاومة، بل نحن في حالة مقاومة ليل نهار، قد لا نبني على مقاومتنا وقد لا نحصل على النتائج المرجوة ولكننا نواصل المقاومة.
ولله الحمد والمنة فقد وجدت ردًا قديمًا جدًا على زيف مزاعم الدكتور فيشر، فقد نشر الباحث الأستاذ إبراهيم عبد العزيز عرضًا وافيًا لدراسة كتبها الأستاذ الدكتور فاروق أبوزيد ونشرها تحت عنوان "القصة المجهولة للمقاومة الشعبية للاحتلال البريطاني فى سنواته الأولى".
نشر الأستاذ إبراهيم عرضه في عدد الأهرام الصادر في الخامس من إبريل من العام 2019 عن الدارسة وعرضها أنقل: "إذا تتبعنا بدقة أخبار هذه المقاومة السرية للاحتلال فى الصحف المصرية فسوف نفاجأ بالصحف تنشر فى 20 يونيو 1883 خبر القبض على جمعية وطنية سرية تعمل لمقاومة الاحتلال الإنجليزي وعملائه فى مصر من أمثال الخديوي توفيق ونظاره وأعوانه، فتكتب «الوقائع المصرية الرسمية» قائلة: ذكرنا سابقا مرة بعد مرة أن بعض الجهلة والطفيليين قد تجاسروا من صغر عقولهم على إرسال بعض التحارير التهديدية للجناب الخديوي ونظاره الكرام وبعض رجال الحكومة الإنجليزية، ولم يكن من نية الحكومة السنية أن تعيرهم نظر الأهمية، إلا أنه لما كثرت حركتهم اضطرت همة الهمام سعادة عثمان باشا غالب مأمور الضبطية إلى البحث عليهم، فكشف مخبأتهم، وكان مركز هذه الجمعية الخبيثة بيت عبد الرازق بك درويش، ومديرها وكاتبها رجل فرنساوي تسمى باسم محمد سعد منذ تشرفه بالدين الإسلامي من ثلاثة أو أربعة أشهر، ومن أعضائها مصطفى بك صدقي وأخوه حسين بك فهمي، ومحمد بك الجبابى، وقد قبض على هؤلاء ليلة أمس». ويلاحظ أن بعض من قبض عليهم كانوا من أنصار عرابى أو المتعاطفين معه، كذلك يلاحظ أن الحكومة حاولت أن تزج بأحد الفرنسيين فى القضية، وذلك لتشويه التنظيم واتهامه بأنه يعمل لحساب فرنسا".
الكلام واضح، هو يؤكد أن تنظيم أعمال المقاومة قد بدأ بعد أشهر قلائل من تدنيس الاحتلال لأرضنا.
وتنشر صحيفة «المؤيد» للشيخ على يوسف فى 28 يونيو 1891 خبرا تقول فيه: «أنه صدر قرار عطوفتلو رئيس مجلس النظار أمس بإلغاء جريدة «الفلاح» إلغاء مؤبدا بسبب ما نشرته فى عددها الأخير من أن الضباط المصريين تواطأوا فى الجيش مع العساكر على ضرب الضباط الإنجليز بالرصاص عند عمل مناورة".
هل هذه مقاومة مسلحة كلها عنف وقتل ورصاص أم مفاوضات يا دكتور فيشر؟
يضيف الدكتور فاروق أبو زيد: لقد تواصل تشكيل الجمعيات السرية المناهضة للاحتلال فقد نشرت الصحف أسماء المقبوض عليهم من أعضاء جمعية سرية (النشر كان في العام 1883 أي بعد عام واحد من وجود الاحتلال) وكان على رأسهم «سعد أفندى زغلول»، ورغم القبض على هذه الجمعية السرية، فلم تمر سوى عدة أشهر حتى نشرت الصحف فى فبراير 1884 أي بعد سنتين من الاحتلال نبأ اكتشاف الضبطية، 37 كيسا من البارود مهربة إلى بولاق، ويعتقد أن ذلك من فعل جمعية سرية.
أختم كلامي الذي أتوجه به إلى الناشئة، بسطور عن اغتيال السير لي ستاك باشا سردار الجيش المصري.
ففي سياق ردهم على تصريح فبراير 1922 الذي رأوا أنه يكرس الاحتلال الإنجليزي، قامت مجموعة من الشباب المصري في اليوم العشرين من شهر نوفمبر من العام 1924 بإلقاء قنبلة على موكب السير لي ستاك أثناء خروجه من مكتبه بوزارة الحربية قاصدا بيته، كما أطلقت سبع رصاصات فأصيب السردار بجرح خطير في بطنه كما أصيب الياور والسائق.
وفي يوم 21 نوفمبر مات السردار متأثرا بجراحه.
وفي يوم الأربعاء 13 مايو عام 1925 تم تقديم تسعة متهمين للمحاكمة بتهمة اغتيال السير لي ستاك وهم: عبد الفتاح عنايت، طالب بمدرسة الحقوق "22 سنة"، عبد الحميد عنايت طالب بمدرسة المعلمين "19 سنة"، إبراهيم موسى، باش خراط بالعنابر "31 سنة"، محمود راشد أفندي، مساعد مهندس تنظيم "33 سنة"، إبراهيم محمد، براد بالعنابر "22 سنة"، راغب حسن، نجار بمصلحة التلغراف "23 سنة"، شفيق أفندي منصور، محامي "37 سنة"، محمود أفندي إسماعيل "موظف بالأوقاف"، ومحمود صالح محمود "سائق السيارة الأجرة".
صدرت الأحكام على المتهمين الثمانية الأوائل بالإعدام شنقا والحبس سنتين مع الشغل للسائق، ويقول جمال بدوي في كتابة «شاهد عيان» إن "عبد الفتاح عنايت" حكى أن لي ستاك لم يكن الهدف وإنما كان الهدف هو اللورد اللنبى المعتمد البريطاني وقتها.
وأنقل عن الدكتور محمود متولي من كتابه "مصر وقضايا الاغتيالات السياسية" وصفه للحظة تنفيذ الحكم بحق عبد الحميد عنايت الذي قال: "لا يهمني أي شيء، قمت بما هو واجب على خير قيام، لا يهمني الإعدام، أنا قتلت 35 إنجليزيا، إنا لله وإنا إليه راجعون، رب أدخلني جنة النعيم".
مرة ثانية لا تصدقوا تزيف الدكتور فيشر.