الحرب القذرة.. "الإخوان الإرهابية" تلجأ إلى خطة هجينة لاستهداف العلاقات المصرية العربية وتحالف القاهرة – الرياض
السبت، 15 نوفمبر 2025 11:00 م
الخطة بدأت بحملة تضليل وأكاذيب على السوشيال ميديا وتمريرها للإعلام الإخوانى وتحويلها إلى "نقاش عام"
"صوت الأمة" تتبع خريطة عمل اللجان الإلكترونية واستراتيجيات نشر الشائعات الإخوانية وهدفها ومصادر التمويل
تعمل لجان جماعة الإخوان الإرهابية كذراع تنفيذية في استراتيجية ممنهجة تهدف إلى ضرب العلاقات المصرية‑العربية، وعلى رأسها الرياض، عبر حرب هجينة متعددة الوجوه، وهذه الخطة ليست طارئة ولا عشوائية؛ بل امتداد لتراكمات تاريخية من محاولات الجماعة تقويض الاستقرار الإقليمي وتوسيع نفوذها عبر أدوات الضغط الناعمة: الإعلام، التأثير المجتمعي، واللوبيات السياسية.
المنطق الاستراتيجي وراء الهجمة واضح: يدرك التنظيم أن التحالف المصري‑السعودي يمثل حاجزاً أساسياً أمام طموحاته الإقليمية، خصوصاً بعد فشل مشروعه المباشر في القاهرة عقب أحداث 30 يونيو 2013، لذلك اتجه إلى استراتيجية تفكيك هذا التحالف من الداخل، عبر صناعة مناخات عدم ثقة وتشكيك بين العاصمتين بهدف ضرب الاستقرار السياسي والاقتصادي، ونزع الحاضنة والشرعية الإقليمية عنهما.
وتتبعت "صوت الأمة" خريطة عمل اللجان الإلكترونية واستراتيجيات نشر الشائعات الإخوانية وهدفها ومصادر التمويل، حيث توصلت إلى أن اللجان الإخوانية، تستخدم أدوات محددة ضمن هذه الخطة: استثمار شبكات التواصل لنشر روايات مضللة، تفعيل دوائر دعم في الخارج لتسريب معلومات مدروسة، واستغلال أزمات سياسية واقتصادية لتضخيم الخلافات القائمة، وهذه الآليات مبنية على قراءة تحليلية لارتكازات القوى في المنطقة، وتوظف نقاط الضعف العلنية والضمنية لتوليد انقسامات تؤدي إلى تفكيك التحالفات.
وتندرج خطط لجان الإخوان الإرهابية ضمن منظومة الحرب الهجينة التي تسعى لإعادة رسم موازين القوى الإقليمية لصالح مشاريع موازية للشرعية، حيث صار الفضاء الرقمي والسياسي جبهة من جبهات الصراع. "الإخوان لا يسعون فقط للسلطة المباشرة، بل لتفكيك أية تحالف مستقر يمكن أن يقف ضد مشاريعهم الفوضوية".
حرب استخباراتية في ساحة رقمية
تُمثّل لجان جماعة الإخوان الإرهابية الإلكترونية نموذجاً منظماً وممنهجاً لتحويل الساحة الرقمية إلى جهاز عمل استخباراتي غير تقليدي، ليست هذه مجرد خلايا عابرة من الناشطين؛ بل هي كيان تشغيلي له بنية عملية هرمية ووظائفية، تبدأ بتوجيهات من مراكز قرار تحدد الأهداف الاستراتيجية وتوزع أولويات السرد، ثم تنتقل إلى وحدات تنفيذ متخصصة قوامها صحفيون سابقون، مهندسو شبكات، محللو سلوك جماهيري، ومختصو تسويق رقمي.
ويفسّر هذا المزيج قدرة اللجان على إنتاج محتوى يبدو مقنعاً ويُقرأ بسهولة كحقيقة لدى جمهور واسع، لأن صناع الرسالة يفهمون القنوات والأساليب النفسية اللازمة لاختراق الحُجُب المعرفية لدى المتلقّي.
وتتسم الطبيعة التشغيلية لهذه اللجان بتزامن العمل عبر مناطق زمنية ودول متعددة، ما يضمن استمرارية التداول والاحتفاظ بوتيرة تأثيرية ثابتة على الرأي العام، حيث تعتمد الهيكلية على أتمتة عمليات النشر والتحليل؛ وآلاف الحسابات الحقيقية والافتراضية تُدار بمنصات وأدوات برمجية قادرة على جدولة الرسائل، وتضخيم التفاعلات، ومحاكاة اتجاهات رأي عام اصطناعية عبر شبكات من الروبوتات والحسابات المدعومة، إلى جانب ذلك تُوظَّف تقنيات متقدمة لقياس التأثير: تحليلات بيانات ضخمة تكشف عن نقاط الضعف في الخطاب المنافس، واستهداف دقيق لفئات يمكن استثارتها عبر قصص مُصمَّمة سلفاً.
والتمويل هنا ليس تفصيلاً عرضياً بل عموداً افتراضياً لاستدامة العملية؛ موارد مالية تُوجَّه لشراء بنيات تحتية رقمية - خوادم قوية، تقنيات VPN، حسابات مميزة، لتعويض عامل الخبرة البشرية بأجور محترفين ومقاولين تقنيين، ما يجعل هذه اللجان مؤسسات شبه دائمة قادرة على التحول السريع وتكييف أدواتها مع تغيّر المشهد الرقمي، وهذا الدعم لا يقتصر على تبرعات متفرقة، بل يشمل سلاسل لوجستية مضمونة تحفظ استمرار الحملة الرقمية حتى في وجه محاولات الحظر أو الإغلاق.
وتكتيكياً، تعمل اللجان بثنائية زمنية: هجمات قصيرة الأثر لاحتواء حدث طارئ وإجبار الخصم على رد فعل انفعالي، وحملات طويلة الأمد لزرع سردية متينة تتراكم أثرها مع الزمن، في الهجمة القصيرة تُستخدم مفردات استفزازية ومقاطع مصوّرة مُنتقاة لإحداث صدمة إعلامية؛ أما في المدى الطويل فالمعالجة أكثر تعقيداً: بناء أساطير متكررة، تصميم روايات بديلة تُقدَّم كـ«تحليلات» أو «تسريبات»، وإنشاء منابر إلكترونية تبدو مستقلة لكنها تعمل كامتداد تكتيكي للمخطط المركزي.
وتُظهِر هذه الشبكات قدرة عالية على المزج بين التقنية والمهارة التحليلية، بحيث لا تقتصر مهمتها على نشر محتوى فحسب، بل على صناعة بيئات معرفية جديدة تُحيد فيها مصادر السلطة التقليدية أو تعيد تشكيل دورها بما يخدم السرد البديل، وعندما يتقاطع هذا الأداء مع نقاط ضعف اجتماعية وسياسية حقيقية، تتحوّل الآلية الرقمية من أداة تأثير سطحي إلى عامل إعادة تشكيل مستدام للسلوك العام والمواقف السياسية.
وتتسم هذه اللجان أيضاً بقدرة تكيّف ومرونة تشغيلية متقدمة: هي منظومة تعلم مستمرة تعتمد حلقات تغذية راجعة دقيقة - اختبارات A/B لقياس فاعلية الرسائل، ورصد متغيرات المشاعر العامة عبر تحليل الانطباع، وسرعة تعديل السرد وفق نتائج القياس الرقمي، وتُترجم هذه القدرة إلى استراتيجية ميدانية تقوم على توطين لغوي وثقافي للسرد، وتكييف الرسائل لتتناسب مع خصائص كل جمهور وبيئة إعلامية، مع استثمار شبكات الشتات والنشطاء في المنافي كقنوات تضخيم تبدو محلية ومستقلة. كما تتجنب الاعتماد على منصة واحدة، فتوزع أدواتها عبر منصات مصغّرة، مجموعات مغلقة ومنصات بث مباشرة لتجاوز الحظر وإطالة عمر الرواية.
وعلى المستوى التقني، تطوّر فرق التمويه أساليب متقدمة لإخفاء مصدر الحملة - توظيف سلاسل خوادم متداخلة، حسابات بوت هجينة تتداخل مع حسابات بشرية، واستخدام محتوى مُولد آلياً يمزج بين صور وفيديوهات قصيرة ونصوص مصممة نفسياً - مما يصعّب مهمة التتبّع والتحقّق.
وتجعل هذه الديناميكية الشبكة نظاماً تكتيكياً متكاملاً قادرًا على إعادة إنتاج السرد بسرعة أكبر من قدرة الجهات المضادة على تحطيمه، وبالتالي فإن الردود المبنية على تعطيل تقني لحظي لن تكون كافية، وبالتالي يتبيّن أن التحدّي أمام المؤسسات لا يقتصر على ناحية فنية بحتة، بل يتعداه إلى أبعاد مؤسسية وثقافية؛ فشل رقابي أو قانوني في ترسيخ مساءلة واضحة يترك المجال واسعاً أمام استمرار تراكم السرد المضاد.
حرب إخوانية لضرب التحالف المصري السعودي
تستعين لجان جماعة الإخوان الإرهابية الإلكترونية ببنية عملياتية متكاملة تجعل من ضرب التحالف المصري‑السعودي مشروعًا منظّمًا ذا مراحل واضحة ومنطق تنفيذ محكم، وهنا لا نقف أمام سلسلة عشوائية من التغريدات أو الحملات المتفرقة، بل أمام منظومة هدفها تحويل أي حدث عابر إلى نقطة اشتعال استراتيجية، وتحويل انطباعات الجمهور إلى أدوات ضغط سياسية ودبلوماسية.
وعندما نقرأ هذه الآليات بعمق، نرى تسلسلاً عملياً يتكوّن من بناء أرضية سردية طويلة، رصد نقاط الضعف، اختراع أو تضخيم لحظات الأزمة، وتحويل الضوضاء الرقمية إلى تأثيرات مؤسسة، كل ذلك مدعوم بقياسات رقمية دقيقة وتمويل يحافظ على استمرارية العملية.
تعمل التكتيكات المذكورة ليس كمجموعة أدوات عشوائية، بل كعناصر مترابطة في مخطط استراتيجي واضح: بناء أرضية سردية مديدة يهيئ الجمهور لقراءة الوقائع من زاوية تشكك متعمدة، رصد الشقوق المجتمعية لزرع دوافع غضب محلية يمكن ربطها بالسياسة الخارجية، واختراع لحظات أزمة تحول الانقسام الشعبي إلى ضغط مؤسسي ودبلوماسي.
وبهذا التسلسل، لا تهدف الحملة فقط إلى إشاعة الفوضى المعلوماتية، بل إلى نزع الشرعية الشعبية عن قرارات التحالف الاستراتيجي بين القاهرة والرياض، وإحداث تكاليف سياسية واقتصادية تجعل من استمرار التعاون أضعف وأكلف. بعبارة أخرى، كل تكتيك يخدم مرحلة من مراحل تفكيك الثقة، من التأطير إلى التضخيم ثم التدويل، بحيث يتبدّل الخلاف الافتراضي إلى ضغوط حقيقية على صانعي القرار.
ومن خلال تتبع عمل اللجان، تعمل هذه التجمعات الرقمية في البداية على تأسيس إطارات تفسيرية متكررة تمتد لأيام وأسابيع، أحياناً لشهور: رسائل مركبة تطرح أسئلة عن النوايا، تذكّر بأخطاء قديمة، وتعيد تعريف التأخير الإداري كتقصير مقصود، وهذا التكرار ليس سهوًا؛ هو هندسة لمعاني تجعل الجمهور يقرأ الوقائع من زاوية مُعدة سلفاً، ما يبدو لدى المتلقي كمجموعة تغريدات متفرقة، في واقع الأمر طبقة أولى من بناء "حالة اقتصادية/ سياسية" قابلة للاشتعال لاحقاً.
وتُدار هذه العملية بلغة موجهة ولحن متكرر يتقاطع مع حساسية جمهور محدد، اقتصادية، طائفية، مناطقية، مما يمنح السرد قدرة اختراق أعلى من أي رسالة عابرة، بجانب ذلك، تشتغل فرق التحليل على مسح مستمر لمسارات الخطاب لاكتشاف "شقوق" قابلة للاستغلال: انقسامات داخل مؤسسات إعلامية، احتقان اقتصادي في محافظات معينة، تناقض في بيانات رسمية، أو حتى خلافات بين شخصيات عامة.
وهذه الشقوق تُحلّل وتُرصد كمؤشرات قابلة للربط بسيناريوهات أكبر؛ فمثلاً فقرة إعلامية محلية قد تترجم إلى سؤال موجه عن طبيعة العلاقات بين العاصمتين، والربط الاصطناعي بين الحادث والعلاقة الاستراتيجية هو ما يولّد الشرخ المعنوي أولاً، قبل أن يصل إلى مؤسسات الدولة.
وحين تظهر نقطة قابلة للاشتعال، تُفعَّل غرفة العمليات الرقمية على شكل دفعات زمنية دقيقة: إطلاق وسوم متزامنة، نشر مقاطع قصيرة مُصمّمة لإثارة مشاعر محددة، تفعيل حسابات مؤثرة بترتيب يعطي إحساسًا بوجود جدل شعبي حقيقي، وتشغيل شبكات بوت لإيهام المنصات بوجود تيار واسع.
وهنا الأدوات الفنية لا تُستخدم فقط لتضخيم الأرقام، بل لتشكيل اضاءة إعلامية، تحديد ما يُرى وما يخفى، وبالتالي توجيه أجندة النقاش، حيث يعطي التفاعل المصطنع القصة "تثبيتاً" ممكن للانزلاق نحو تغطية مؤسساتية أو نقاش في محافل خارجية، وهذا هو الهدف الحقيقي: تحويل الرواية من نطاق المنصات إلى نطاق القرار.
ويحدث التحول من ضوضاء رقمية إلى ضغط دبلوماسي عبر آليات متآزرة: أولاً نشر مواد تبدو كـ"تسريبات" أو "وثائق" صغيرة تمنح الحملة هالة مهنية، ثم دفع هذه المواد إلى منابر خارجية - صحف، منظمات حقوقية، أو مجموعات ضغط غربية - التي بدورها تُضفي صفة شرعية على الادعاءات.
وينطبق ذلك على مقال رأي لأيمن نور، رئيس قناة الشرق الإخوانية، تحت عنوان: "د. أيمن نور يكتب: العلاقات المصرية – السعودية بين التوتر والتكامل: نحو شراكة عربية جديدة في مرحلة ما بعد شرم الشيخ وأزمة غزة"، بتاريخ 22 أكتوبر 2025، على موقع أخبار الغد، حاول من خلاله دس السم في العسل، فمن ناحية يتحدث عن ضرورة تماسك العلاقات، لكنه يتحدث عن ثمة توتر موجود، يقول نصًا: "تسعى الورقة إلى فتح نقاشٍ علميٍّ رصينٍ حول مستقبل المنطقة ما بعد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير ٢٠٢٥، وزيارته الرياض وشرم الشيخ، وما ترتّب عليهما من إعادة صياغةٍ للعلاقات العربية – العربية، في ظل أزمة غزة وما بعدها، وخصوصًا ما تشهده العلاقات بين مصر والسعودية من توترٍ يحتاج إلى مقاربةٍ واقعيةٍ وشجاعةٍ تُعيد التوازن إلى الدورين المركزيين للبلدين في الإقليم".
وتصاعد الهجوم تدريجياً، حتى وصل لتصريحات لمحمد ناصر مذيع قناة مكملين الإخوانية، عن وجود تسريبات من داخل البيت الأبيض تتحدث عن توتر العلاقات المصرية السعودية في 26 أكتوبر 2025، في توقيت متزامن مع أيمن نور وغيره، وهي معلومات تكررت لأكثر من حلقة، وصولاً لتكرار الحديث عن توتر العلاقات، فقال في حلقة بتاريخ 10 نوفمبر 2025، وتم نشر مقتطفات منها تحت عنوان: " ناصر: رغم المكايدات السعودية لنظام السيسي.. أذرع المخابرات تتهم الإخوان بالوقوف وراء الخلاف!!"، في محاولة للتنصل من هذه الحرب الإخوانية على البلدين، لكن بالنظر للسياقات تتأكد هذه النظريات.
وعندما تنتقل القصة إلى تقارير أو بيانات دولية، يخرج التضليل من دائرة السوشيال ميديا ويصبح موضوع نقاش رسمي أو شبه رسمي، ما يصعّب عملية الرد المباشر ويضع الطرفين في مفاوضة دفاعية بدلاً من قيادة سردية هادفة، وهو ما ظهر في حالة التدافع على صفحات السوشيال ميديا بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي من البلدين، كنتاج للحرب الإخوانية، بعيدًا عن المواقف الرسمية وعمق العلاقات الشعبية بين البلدين.
ولم تكن التكنولوجيا وحدها كافية لنجاح هذه التكتيكات لولا عنصر التمويل والتنظيم الدولي الذي يضمن الاستمرارية، حيث تبقى موارد مادية غرف العمليات عاملة، تدفع مستشارين ومؤثرين، وتؤمّن أدوات تقنية متطورة - من خوادم وسحب متعددة إلى برمجيات تحليل متقدمة - ما يحافظ على قدرة التكرار والتجريب، وبما أن هذه الموارد موزعة دولياً، فإن تعطيلها يتطلب قدرات تتجاوز الاستجابة المحلية، ما يمنح المبادرة الرقمية ميزة زمنية واستراتيجية.
حرب هجينية
تمثل الهجمة الإلكترونية التي تشنها لجان الإخوان ضد التحالف المصري السعودي نموذجاً متقدماً للحرب الهجينة، حيث تندمج التقنيات الرقمية مع هندسة الرأي العام في حلقة واحدة متصلة، ولا تنتج هذه اللجان محتوىً إعلامياً تقليدياً بقدر ما تخلق بيئة معرفية بديلة، تعيد من خلالها تعريف العلاقات والوقائع ضمن سردية موازية تخدم أهدافها الاستراتيجية، وتعتمد هذه السردية على بناء طبقات متراكمة من الخطاب، تبدأ بالتهيئة النفسية عبر رسائل مختصرة وحساسة عاطفياً، ثم تتصاعد إلى تحليلات مطولة تبدو موضوعية بينما تكرس الإطار التفسيري المعد مسبقاً.
ويحول هذا التدرج المحكم المتلقي من مستهلك سلبي إلى مشارك فاعل في نشر الرواية، حيث يشعر أنه يشارك في كشف "حقائق" وليس في ترويج دعاية.
تكمن براعة الآلية في قدرتها على استغلال الثغرات النفسية والاجتماعية بذكاء. فمن ناحية، تستهدف ما يعرف بالانحياز التأكيدي، حيث يبحث الجمهور – بوعي أو بدون وعي – عن المعلومات التي تدعم معتقداته المسبقة، وتوفر له هذه الشبكات تلك المادة بغزارة وبصياغة تلائم حساسيته الثقافية.
ومن ناحية أخرى، تستثمر حالة "النفور من الخسارة"، وهي ميل طبيعي لدى الإنسان، عبر تضخيم التهديدات الاقتصادية أو السياسية المحدقة، مما يخلق حالة من القلق تزيد من قابلية تقبل الرسائل التحذيرية، كما تخلق هذه الآليات وهم الأغلبية عبر تضخيم الأصوات المحددة وتكرارها عبر آلاف الحسابات، فيظن المتلقي أنه أمام تيار شعبي حقيقي وليس حملة مُدارة.
لا تقف الاستراتيجية عند حد التأثير العاطفي، بل تمتد إلى استهداف البنى الاجتماعية العميقة، فهي تعمل على تحويل الخلافات العادية – سواءً أكانت سياسية أو اقتصادية أو إدارية – إلى صراعات هوياتية، حيث يُعاد تعريف الانتماءات والولاءات بناءً على موقف الأفراد من رواية محددة.
هذا التحول من النقاش الوظيفي إلى الصراع الهوياتي يرفع تكلفة الحوار ويطيل أمد التأثير، لأن الهوية تصبح رهان الصراع بدلاً من المصالح القابلة للتساوم، كما تستغل الآلية الفجوة بين الخطاب الرسمي والواقع المعاش للناس، فتحول الإحباطات اليومية – مثل ارتفاع الأسعار أو البطالة – إلى دليل على "صحة" روايتها حول طبيعة العلاقات بين الدول.
قياس تأثير هذه الحملات يتطلب مؤشرات تتجاوز أرقام التفاعل التقليدية. فالمؤشر الحقيقي للنجاح هو التحول السلوكي، أي تحول الأفراد من التفاعل الرقمي إلى اتخاذ مواقف عملية ملموسة، كالمطالبة بمراجعة التحالفات أو تغيير أنماط الاستهلاك أو حتى المشاركة في احتجاجات.
كما يُقاس الأثر بمدى تشظي الإطار التفسيري الموحد للجمهور، حيث تظهر زوايا تفسيرية متعددة للحدث الواحد تدريجياً محل الرواية الوطنية الموحدة، وهذا التشظي لا يحدث بين النخب فحسب، بل داخل الأسر والجامعات ومؤسسات العمل، مما يعني اختراقاً للنسيج الاجتماعي الأساسي.
وتستلزم المواجهة الفعالة الانتقال من منطق الرد إلى منطق التأسيس، فالتصحيح الآني للسرديات – رغم أهميته – يبقى محدود الفعالية إذا لم يقترن ببناء مناعة معرفية جماعية. هذه المناعة تُبنى عبر دمج التربية الإعلامية والنقدية في صلب النظام التعليمي، بحيث يكتسب المواطن مهارات التحقق والتمييز بين المصادر في سن مبكرة. كما تعتمد على تعزيز الشفافية المؤسسية وسرعة تدفق المعلومات الرسمية الدقيقة، لسد الفراغ الذي تملؤه الروايات المضللة.
وفي الجانب التقني، يتطلب الأمر تطوير أدوات رصد ذكية قادرة على كشف الشبكات المُدارة وآليات التضخيم الاصطناعي، ليس بهدف حذف المحتوى فقط، بل لفهم أنماط عملها وتوقع تحركاتها المستقبلية.
وفي المحصلة، المعركة الحقيقية هي معركة شرعية، شرعية الرواية، وشرعية المؤسسات، وشرعية التحالفات، فالهجمات الإلكترونية لا تنجح إلا عندما تجد تربة خصبة من الشكوك الحقيقية أو الإحباطات المتراكمة؛ لذا، فإن أي استراتيجية مواجهة ناجحة يجب أن ترتكز على معالجة هذه الجذور، عبر سياسات اقتصادية عادلة، وحوكمة رشيدة، وخطاب وطني شامل يجعل المواطن شريكاً حقيقياً في المشروع الوطني.
وبهذا التحليل، يتضح أن لجان الإخوان الإلكترونية ليست مجرد أدوات نشر أو حسابات رقمية عابرة، بل هي منظومة متكاملة تتقاطع فيها الحرب النفسية والاجتماعية والإعلامية، لتصبح هذه المنصات الرقمية أدوات تأثير شديدة الفاعلية على النسيج المجتمعي والسياسي.
وبالتالي فإن فهم هذه الديناميكية لا يقتصر على قراءة المحتوى المنشور فحسب، بل يشمل دراسة البنية التشغيلية، واستراتيجيات التمويل، وأساليب الاستهداف النفسي التي تصمم لإعادة تشكيل التصورات الجماعية، وإثارة الانقسامات داخل المجتمعات، وخلق شكوك مستمرة تجاه المؤسسات والتحالفات الإقليمية.
من هنا، فإن استراتيجية مواجهة هذه الهجمات يجب أن تكون متعددة الأبعاد، تجمع بين التدخل التقني الرادع، وتعزيز القدرة التحليلية على فهم طبيعة الشبكات الرقمية، وبناء مناعة معرفية وثقافية في المجتمع، ويعني ذلك الاستثمار في التربية الإعلامية والنقدية منذ مراحل التعليم المبكرة، لتعزيز قدرة المواطن على التحقق والتمييز بين الروايات الحقيقية والمضللة.
كما يستلزم الأمر تطوير أدوات ذكاء اصطناعي وتقنيات رصد متقدمة لمتابعة النشاط الرقمي الممنهج، ليس بهدف القمع فقط، بل لفهم أنماط العمل والتنبؤ بالتحركات المستقبلية لهذه المنظومة.
على المستوى السياسي والدبلوماسي، تصبح المواجهة الحقيقية معركة شرعية للرواية، وشرعية المؤسسات، وشرعية التحالفات، فالهجمات الإلكترونية لا تنجح إلا عندما تجد أرضية خصبة من الشكوك أو الإحباطات المتراكمة، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية.
ومن ثم، فإن أي خطة فعالة يجب أن ترتكز على معالجة هذه الجذور، عبر سياسات اقتصادية عادلة، وخطاب وطني شامل، وحوكمة رشيدة، تجعل المواطن شريكاً فاعلاً في المشروع الوطني، وتحد من قدرة أي قوة خارجية على استغلال الفجوات الداخلية.
في المحصلة، يمثل الفضاء الرقمي امتداداً للمعركة التقليدية، لكنه يمتلك خصائص مختلفة تتطلب وعيًا استراتيجيًا متقدماً، فإذا ما تم التعامل معه بذكاء، يمكن تحويله من ساحة حرب هجينة تهدف إلى تفكيك التحالفات وإضعاف استقرار الدول، إلى أداة لتعزيز التكامل الإقليمي، وتعميق الثقة بين الشعوب والدول، وحماية المصالح الوطنية.
وعليه، فإن الاستثمار في البنية المعرفية للمجتمع، وربط الردود الرقمية بالمبادرات الوطنية الشاملة، هو الطريق الأمثل لتحويل التهديد إلى فرصة استراتيجية، تعيد رسم خريطة التأثير الإقليمي بما يخدم استقرار المنطقة ويحافظ على توازن القوى العربي.