مشروع محطة الضبعة النووية.. انطلاقة مصر إلى عصر الطاقة النظيفة وتحوّل استراتيجي نحو مستقبل اقتصادي واعد

الأربعاء، 19 نوفمبر 2025 02:25 م
 مشروع محطة الضبعة النووية.. انطلاقة مصر إلى عصر الطاقة النظيفة وتحوّل استراتيجي نحو مستقبل اقتصادي واعد
هانم التمساح

يُعد مشروع محطة الضبعة النووية لتوليد الكهرباء، الواقعة في محافظة مطروح، مشروعاً قومياً استراتيجياً لمصر، يهدف إلى تنويع مصادر الطاقة وتعزيز الأمن الطاقي من خلال توليد كهرباء نظيفة ومستدامة بقدرة إجمالية تبلغ 4800 ميجاوات، عبر أربعة مفاعلات من طراز VVER-1200، وهي مفاعلات من الجيل الثالث المطور تتميز بأعلى معايير الأمان والكفاءة.
 
 ويُعتبر مشروع  "محطة الضبعة للطاقة النووية " تتويجًا لعقود من السعي المصري لإدخال الطاقة النووية ضمن مزيج الطاقة الوطني ، ويمثل المشروع أحد أهم المشروعات   الاستراتيجية في  "رؤية مصر 2030 " للتنمية المستدامة، وهو ثمرة تعاون مصري–روسي واسع في المجال النووي.
 
 كما يعتبر المشروع   تتويجًا لجهود مصرية ممتدة منذ أكثر من أربعة عقود، لإدخال الطاقة النووية السلمية إلى الدولة، في خطوة تُعد الأكبر في تاريخ قطاع الكهرباء والطاقة المصري ، فمنذ نهاية السبعينيات، حين بدأت دراسات اختيار موقع الضبعة، ظل المشروع حلمًا مؤجلًا، حتى أصبحت عام 2017 نقطة التحول الحقيقية ببدء التنفيذ الفعلي للمحطة.
 
وبدأ المشروع بخطوات حاسمة عبر توقيع الاتفاقية المبدئية بين مصر وروسيا في 19 نوفمبر 2015، بحضور الرئيسين عبد الفتاح السيسي وفلاديمير بوتين، حيث تتولى شركة روساتوم الروسية دور المقاول الرئيسي، ويستهدف المشروع إنشاء أربع وحدات نووية بقدرة 1200 ميجاوات لكل وحدة، بتكلفة إجمالية قدرها 20 مليار دولار. وتم إعلان 19 نوفمبر من كل عام عيداً وطنياً للطاقة النووية في مصر .
 
تلا ذلك توقيع العقود النهائية لبناء الوحدات الأربع في نوفمبر 2017، ليبدأ بعدها تنفيذ الأعمال التحضيرية والإنشائية للمشروع.
 
  عقلانية ودقة الدراسات
وموقع الضبعة على الساحل الشمالي الغربي للبحر الأبيض المتوسط،   تم اختياره منذ عام 1983 كأفضل موقع بين المواقع المرشحة في جميع سواحل مصر،وعلى مدار أكثر من أربعين عاماً، أجريت دراسات فنية متكاملة تشمل:الدراسات الجيولوجية والجيوفيزيقية،الدراسات الزلزالية والهيدرولوجية،الدراسات الطوبوغرافية والديموغرافية،والدراسات البيئية والجيوتقنية والبنية التحتية
 
وأكدت هذه الدراسات ملا ئمة موقع الضبعة لبناء المحطة النووية، وقد تم مراجعتها بدقة بالتعاون مع خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية لضمان اتخاذ كافة إجراءات الأمان المطلوبة.
 
وفي مارس 2019، منحت هيئة الرقابة النووية والإشعاعية (ENRRA) إذن قبول الموقع، وهو ما يمثل إقراراً رسمياً بصلاحية الموقع وفق المعايير المصرية والدولية.
 
معايير الأمان والتكنولوجيا المستخدمة
وتتميز محطة الضبعة بتطبيق أعلى معايير الأمان، اعتماداً على مفاعلات الجيل الثالث المطور VVER-1200، والتي تشمل:أنظمة الأمان النشطة: تتطلب تدخل كهربائي أو ميكانيكي عند حدوث أي حادث،وأنظمة الأمان السلبية: تعمل بدون تدخل بشري أو كهرباء، معتمدة على قوانين الطبيعة، مثل نظام إزالة الحرارة السلبي (PHRS) ومصيدة قلب المفاعل (Core Catcher) التي تحتوي المواد المنصهرة عند الحوادث القصوى ،وتضمن هذه الأنظمة حماية البيئة ومنع أي تسرب للمواد المشعة، حتى في حالات الكوارث الطبيعية أو التصادمات.
 
 
الخمسينات والستينات  ومفاعل بحثي في أنشاص
ومشروع محطة الضبعة النووية ليس مجرد محطة كهرباء، بل مشروع دولة يعيد رسم مستقبل الطاقة في مصر، ويضعها في مصاف الدول المتقدمة في الاستخدام السلمي للطاقة النووية،ومع التقدم الكبير في أعمال الإنشاء والوصول إلى المراحل النهائية، تقترب مصر من تحقيق حلم تاريخي طال انتظاره، يؤسس لعصر جديد من التنمية المستدامة والتكنولوجيا المتقدمة.
 
وتعتمد محطة الضبعة على أحدث تقنيات مفاعلات الماء المضغوط PWR من طراز VVER-1200 الروسي (AES-2006)، بقدرة 1200 ميجاوات لكل وحدة، بإجمالي 4 وحدات تنتج مجتمعة 4800 ميجاوات.
ويعد هذا الطراز أحد أكثر المفاعلات النووية استخدامًا في العالم، لما يتمتع به من أعلى معايير الأمان الدولية، المتوافقة مع اشتراطات ما بعد حادثة فوكوشيما.
 
وتتولى هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء (NPPA) ملكية وتشغيل المحطة، فيما تتولى شركة روساتوم الروسية وشركاتها التابعة أعمال الإنشاء، وتوريد الوقود النووي، ودعم التشغيل والصيانة، وإدارة الوقود المستهلك.
 
 
مراحل تنفيذ المشروع 
ويتم تنفيذ  المشروع وفق خطة زمنية دقيقة تنقسم إلى ثلاث مراحل رئيسية:والتى تشمل  تجهيز الموقع، وإنشاء البنية الأساسية، واستيفاء متطلبات التراخيص ،واستغرقت بين عامين ونصف إلى أربعة أعوام ،يليها مرحلة الإنشاء والتشييد،والتى بدأت عقب الحصول على إذن الإنشاء.وتتضمن أعمال البناء والتشييد، وتدريب الكوادر، والتحضير لاختبارات ما قبل التشغيل ، وتمتد لنحو 5 سنوات ونصف ، يعقبها مرحلة الاختبارات والتشغيل، والتى تشمل اختبارات ما قبل التشغيل، ثم التشغيل التجريبي للوحدة النووية ،وتستمر لمدة 11 شهرًا وصولًا للحصول على ترخيص التشغيل النهائي ،وتعتمد سرعة تقدم المشروع على إنهاء التراخيص النووية المعيارية، التي تضمن الالتزام الكامل بمعايير السلامة العالمية.

  
إشادة  دولية وتأكيد على الشراكة
وأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن الرئيس  عبد الفتاح السيسي هو صاحب المبادرة في إعادة إطلاق المشروع، مشيرًا إلى أن الوحدة الأولى ستضيف 35 ألف كيلووات للشبكة القومية ،ووصف بوتين المشروع بأنه ثمرة تعاون تاريخي بين مصر وروسيا، وأنه نموذج للتنمية المستدامة في مجال الطاقة النظيفة.
 
 
أهمية المشروع لمستقبل الطاقة في مصر
 
وتُجمع آراء الخبراء على أن مشروع الضبعة يمثل نقطة تحول استراتيجية، من بينها: أمن الطاقة وتنويع المصادر،إنتاج طاقة ثابتة عالية القدرة لا تتأثر بالظروف الجوية ،تخفيف الضغط عن محطات الغاز والطاقة التقليدية،دعم خطط التنمية الصناعية والاقتصادية.
 
 كما يشمل المشروع على  فوائد بيئية كبرى فهو مصدر نظيف خالٍ من الانبعاثات الكربونية ،ويدعم جهود مصر لمواجهة الاحتباس الحراري وتحقيق أهداف الطاقة النظيفة 2035 ،كما يدعم الصناعة المحلية والكوادر البشرية،مع زيادة المكون المحلي من 20% في الوحدة الأولى إلى 35% في الوحدة الرابعة ،وإعداد جيل جديد من المتخصصين عبر مدرسة الضبعة النووية.
 
 
كل ذلك ، علاوة على توفير آلاف فرص العمل؛ حيث أعلنت وزارة العمل عن 4500 فرصة للعمل بالمشروع برواتب تصل إلى 45 ألف جنيه ، مع مكاسب اقتصادية وتنموية،من  تنمية شاملة لمنطقة مطروح، خاصة مدينة الضبعة ،وجذب استثمارات صناعية وتقنية ،وتعزيز القدرات البحثية والعلمية في التكنولوجيا النووية.
 
 معايير سلامة عالمية
 
وأكدت الدكتورة وفاء علي، خبيرة الطاقة، أن البرنامج النووي المصري التزم بكافة متطلبات الأمن والسلامة وعدم الانتشار ،مشيرتا  إلى إشادات الوكالة الدولية للطاقة الذرية IAEA، خاصة تقرير بعثة INIR لعام 2019، التي أكدت اكتمال البنية التحتية النووية المصرية بما يتوافق مع أعلى المقاييس ،كما حصل المشروع على جوائز عالمية في مجال إدارة المشروعات النووية الضخمة.
 
ونفذت هيئة المحطات النووية مجموعة من مشاريع التعاون الفني مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية،   بناء قدرات هيئة المحطات النووية المصرية لمشروع المحطة النووية في مرحلة الإنشاء 2016،وتطوير إدارة المشروع لبرامج الطاقة النووية أثناء مرحلتي الإنشاء وتجارب بدء التشغيل 2018
طموحات مستقبلية تتجاوز إنتاج الكهرباء
 
لا تقتصر أهمية الضبعة على إنتاج 4800 ميجاوات فحسب، بل تمتد لاستخدامات سلمية أخرى تشمل:التطبيقات الطبية والعلاج الإشعاعي ،والدراسات البيئية ،
 
وتقنيات تقدير عمر الآثار ،ودعم الصناعات التكنولوجية المتقدمة.
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق