أمل غريب تكتب: لماذا يعيد قرار تكساس فتح معركة أوروبا مع الإخوان؟

الأربعاء، 19 نوفمبر 2025 07:10 م
أمل غريب تكتب: لماذا يعيد قرار تكساس فتح معركة أوروبا مع الإخوان؟

لم يكن قرار ولاية تكساس الأمريكية، بتصنيف جماعة الإخوان ومجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية "كير"، كمنظمتين إرهابيتين، مجرد خطوة داخلية، بل إنه تحول إلى محفز سياسي، أعاد تسليط الضوء على نشاط الجماعة داخل أوروبا، خاصة أن القرار رغم صدوره من إحدى أهم الولايات الأمريكية، إلا أنه جاء في توقيت يشهد توترات أوروبية متصاعدة، حول قضايا الهوية والتعددية الدينية، ما جعله قرارا بمثابة إشارة "إنذار" تعيد فتح ملف ظلّ معلقًا لسنوات.

ولفهم هذا القرار الذي جاء متأخرا، لنحو 15 عاما، علينا تفكيك أسباب هذا التفاعل الأوروبي المفاجئ، وقراءة توجهات الحكومات، وتقييم مستقبل العلاقة بين أوروبا والجماعة في مرحلة تبدو أكثر حساسية.

 

أولا: تزايد القلق الأوروبي من النفوذ غير المباشر

يبدو أن أوروبا، بدأت تتحول من مرحلة المراقبة الهادئة لجماعة الإخوان، إلى الاعتراف بوجود نفوذ أوسع مما كان معلنا، خاصة أن التقارير الصادرة عن أجهزة الاستخبارات الأوروبية ومنظمات رسمية وغير رسمية، تتحدث جميعها عن تمدد أيديولوجي داخل مدارس وجمعيات ومراكز دينية، يتم عبر أدوات ناعمة لا تصنف أمنيا بسهولة، لكنها تعيد تشكيل أنماط التفكير داخل بعض الجاليات المسلمة.

هذا القلق الأوروبي يتجاوز الجانب الأمني إلى اجتماعي وسياسي، إذ تخشى العواصم الأوروبية من تأثير هذا النوع من النشاط على قيم الاندماج والولاء المدني، خاصة في ظل صعود اليمين المتطرف وتراجع ثقة المجتمعات في سياسات التعددية.

 

ثانيا: فرنسا نموذج المواجهة الأكثر صراحة

التحركات الفرنسية ليست جديدة، لكنها أصبحت اليوم أكثر وضوحا وحسما، إذ وضح أن قرار حل المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية، ليس مجرد إجراء إداري، بل انعكاس لتوجه سياسي وأمني يرى في جماعة الإخوان مشروعا متكاملا، يسعى لإعادة صياغة موقع الإسلام داخل المجتمع من خلال منظومة تعليمية ودعوية، حيث صدر تقريرا رسميا، حذر من تسلل الجماعة إلى المؤسسات الجمهورية يكشف تحولا مهما، ففرنسا لم تعد تتعامل مع الإخوان باعتبارهم فاعلا دينيا، بل كفاعل سياسي يتحدى بنية الدولة العلمانية، وهذا ما يفسر شدة الإجراءات واتساع نطاقها.

 

ثالثا: السويد والانتقال من التسامح إلى الفحص الدقيق

اتخذت السويد، خطوة جادة بإطلاق تحقيق رسمي في التسلل الإسلامي، ما اعتبر تحولا لافتا في دولة كانت تعد من الدول الأكثر تساهلا مع التنظيمات الدينية والسياسية، إلا أن تراكم تقارير استخباراتية أوروبية، خاصة الفرنسية، أربك ستوكهولم، خصوصًا مع اتهامات بأن الإخوان استغلوا منظومة الرفاه الاجتماعي - مجموعة من الأنظمة والبرامج الحكومية والمجتمعية التي تهدف إلى ضمان حد أدنى من الدعم والحماية لجميع المواطنين، من خلال تلبية احتياجاتهم الأساسية وتمكينهم من المشاركة في المجتمع- والمدارس لتحقيق نفوذ محلي.

وهنا يمكن القول بأن ما يحدث في السويد، يعكس تحولا أعمق، حيث بدأت الدول الأوروبية ذات السياسات الليبرالية، تعيد تقييم علاقتها بالحركات الدينية ذات الطابع السياسي، بعدما ثبت أن الأساليب الديمقراطية، يمكن استخدامها لعكس أهداف النظام الديموقراطي نفسه.

 

رابعا: النمسا وألمانيا التحول إلى تشريعات صارمة

النمسا، كانت أول من حظر جماعة الإخوان، ورغم الهجوم الذي تعرضت له وقتها، فإن السياق الأوروبي الحالي، يشير إلى أنها ربما كانت تسبق موجة قارية قادمة.

أما ألمانيا، والتي تملك واحدة من أكثر الجاليات المسلمة تنظيما، تناقش مشروع قانون الهجرة الجديد، الذي قد يغير قواعد اللعبة، من خلال تصنيف وتشديد الرقابة على أنشطة الجماعة، حيث يسمح القانون للمسلمين المتجنسين الذين يعيشون في الخارج، مثل أئمة المساجد أو طلاب الدين، بالحصول على تصريح إقامة دائم وتسهيل دخولهم إلى ألمانيا.

حيث يشمل القانون الجديد، تغييرات في عملية التجنيس، بهدف تسهيل حصول المسلمين المتجنسين الذين يعيشون في الخارج على الإقامة الدائمة، كذلك سد نقص الأئمة، من أجل معالجة نقص الأئمة المؤهلين في المساجد الألمانية من خلال تسهيل دخولهم إلى ألمانيا.

ويعكس مشروع القانون، النقاش الدائر حول كيفية دمج المسلمين في المجتمع الألماني، مع احترام قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهذا الاتجاه المتصاعد يشير إلى أن أوروبا تتحرك نحو صياغة نموذج موحد للتعامل مع الإسلام السياسي، وإن كان بشكل غير معلن حتى الآن.

 

خامسا: الاحتجاجات الشعبية مؤشر على تغير المزاج العام

المظاهرات التي خرجت في ألمانيا وسويسرا وفيينا وبراغ ولندن وباريس وزيورخ وبروكسل ولاهاي، وصولًا إلى إيرلندا الشهر المقبل، تأتي ضمن حملة دولية تمتد من 11 إلى 24 نوفمبر الجاري، لا يمكن اعتبارها حدثًا منفصلا، فهي مؤشر على أن قطاعا من الشارع الأوروبي بدأ يرى نشاط الجماعة ليس شأنا دينيا، بل سياسيا يؤثر على الهوية والثقافة والقيم الأوروبية، ما يعني أن هذا النوع من الوعي والقلق الشعبي، يهدف إلى تسليط الضوء على خطر الأجندة المتطرفة للجماعة، كما أنه يضغط بدوره على الحكومات ويمنحها مبررا لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة، تشمل فرض عقوبات وتجميد الأصول، ومنع استغلال المراكز الثقافية والمساجد لأغراض سياسية، وهو ما يعبر عن تزايد الوعي داخل المجتمع الأوروبي، تجاه أنشطة الجماعات المتشددة، ويعكس رغبة مشتركة في حماية قيم التعايش ومنع توظيف الدين لخدمة أهداف حزبية أو عابرة للحدود.

 

هل تدخل أوروبا مرحلة إعادة ضبط العلاقات مع الجماعات المتطرفة

تجمع التحركات الأوروبية الأخيرة، سواء كانت التظاهرات الشعبية أو القرارات الحكومية، على نقطة جوهرية، هي أن جماعة الإخوان وأخواتها ومن هم على شاكلتها، لم تعد تعتبر كفاعل ديني أو اجتماعي، بل كقوة سياسية ذات مشروع عابر للحدود، وبالتالي، فعلى القارة العجوز، الاتجاه نحو إعادة صياغة علاقتها بالإخوان على ثلاثة مستويات: "المستوى الأمني، من خلال تشديد الرقابة وتبادل المعلومات، كذلك المستوى التشريعي، عبر إصدار قوانين تحد من التمويل والنشاط، وأخيرا، المستوى الاجتماعي، عن طريق تعزيز خطاب الاندماج مقابل الخطاب "الهوياتي" المغلق، في ظل صدور قرار تكساس، الذي لم يكن إلا شرارة صغيرة، جاءت في لحظة أوروبية مشتعلة، فدفعت العواصم لإعادة فتح ملف طالما ظل مؤجلا، ما يشير بدلالات واضحة، أن أوروبا على ما يبدو، بدأت دخول مرحلة جديدة تتعامل فيها مع جماعة الإخوان باعتبارها تحديا استراتيجيا، لا مجرد ملف أمني عابر.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة