أما غزة فلا بواكي ولا شندلر لها!

الأحد، 23 نوفمبر 2025 09:00 ص
أما غزة فلا بواكي ولا شندلر لها!
حمدي عبد الرحيم يكتب:

 

المواطن الغزي يعيش تحت وابل الرصاص ووابل المطر والعدو يمنع دخول المساعدات إلا أقل القليل منها ويمنع دخول خيم حقيقية قد تقاوم المطر والبرد

قدمت السينما الأمريكية في العام 1993 فيلم "قائمة شندلر".

يحكي الفيلم عن رجل الأعمال الألماني "أوسكار شندلر" الذي بدأ انتهازيًا يحاول استغلال ظروف الحرب العالمية الثانية ليحقق ثروة كبيرة، انطلق شندلر من موطنه ألمانيا إلى بولندا التي كانت تحت الحكم الهتلري النازي، وأنضم إلى الحزب النازي ليعزز مكانته ويحمي مصالحه، واستخدم العمالة اليهودية لبناء مصنعه وتحقيق أكبر قدر ممكن من الربح (طبعًا الفيلم يقدم اليهود كأنهم من الملائكة أولي الاجنحة!)، في لحظة تنوير يرى شندلر كيف يبطش النازي باليهود الأبرياء!

قام شندلر بالتعاون مع شريك له بإعداد قائمة بأسماء العمال اليهود لكي يصبحوا عمالًا رسميين في مصنعه بما يتيح لهم الإفلات من القتل على يد النازي.

أفلحت القائمة في إنقاذ ألف ومئتي عامل من القتل، فأصبح شندلر من منقذي العالم! فحملة الدعاية للفيلم كانت تحمل عبارة من التلمود تقول: "من أنقذ روحاً فقد أنقذ العالم بأسره".

طبعًا الفيلم كان دعاية صاخبة لدولة الاحتلال وترويجًا لمظلومية اليهود.

مصريًا قررت الأجهزة المعنية منع عرض الفيلم، لأدراكها أن الفيلم هو دعاية لكيان الاحتلال وليس أكثر، رسالة الفيلم انتبه إليها الكاتب الأستاذ رفعت رشاد الذي كتب: "فى عام 1994 كنت فى بعثة دراسية فى الولايات المتحدة الأمريكية بصحبة رفقة متميزة من الزملاء الصحفيين. شاهدنا فى دار السينما فيلم قائمة شندلر، الذي منعت مصر عرضه فى مهرجان القاهرة السينمائي، الذي كان يرأسه وقتها الراحل الكاتب سعد الدين وهبة. صُنع الفيلم بحرفية عالية، خلال مشاهدة الفيلم كان غالبية الموجودين فى قاعة العرض لا يبكون فحسب، بل ينتحبون. لقد حقّق الفيلم الهدف من صنعه، وكانت نهايته السعيدة بميلاد إسرائيل مجسّدة فى طفلة بريئة تحمل زهرة تقدّمها إلى لا شخص.. إلى العالم كله.. وكانت الطفلة الشخصية الوحيدة التي ظهرت بالألوان فى الفيلم".

كنتُ من الذين شاهدوا الفيلم عبر نسخة فيديو مهربة، لم يبق في ذاكرتي منه سوى طنين الدعاية ومشهد واحد، يصور شابًا نازيًا، يقف كسولًا في شرفته، ثم فجأة وبدون أي سبب يتناول بندقيته ويطلق رصاصة تفجر رأس يهودي يمر تحت شرفته!

ستمر عشر سنوات على مشاهدتي للفيلم، ثم سيقوم جيش الاحتلال بمحاولة لاقتحام مخيم جنين، تخيل جيش في مواجهة مخيم، وتخيل صمود المخيم لاثني عشر يومًا، ثم تفشل محاولة الاقتحام ويغادر الجيش المحتل أرض المعركة خائبًا!

ستنشر جريدة أخبار الأدب المصرية القاهرية ملفًا عن المعركة هو ترجمة لشهادات محاربات ومحاربي جيش الاحتلال.

في شهادة لها قالت محاربة ما ملخصه: قاتلت لأسبوعين، وكنت أتحرق شوقًا لشقتي وصديقي، وأخيرًا عدت إلى شقتي، اغتسلت جيدًا وجئت بعشاء شهي، وجاء صديقي ليمضي ليلته معي، مارسنا الحب كثيرًا وعميقًا، غادر صديقي صباحًا وتركني أنعم بنوم طيب، صحوت فاغتسلت وتناولت الفطور، وجلست تحت شمس شرقتي المشرقة، كان الجو صحوًا وكنت منتعشة بفضل العودة وليلة الحب التي منحنيها صديقي، نظرت إلى الشارع فرأيت فلسطينيًا عجوزًا يسير متمهلًا وهو يحمل أكياس الفاكهة والخضروات واللحوم، شعرت بلذة عجيبة، غادرت شرفتي ثم عدت إليها حاملة بندقيتي، ضبطت عدستها ثم صوبت على كعب الفلسطيني اليمين، فقفز في الهواء من شدة الألم، ثم صوبت على كعبه الأيسر، ثم صوبت على أكياسه، فتفجرت وسقط محتواها مختلطًا بالدم والتراب، ثم صوبت إلى تلك السلسلة العظمية التي فوق مؤخرته تمامًا فراح يعوي من الألم، لم أكن أنوي قتله، كنت أريد رؤيته وهو يرقص من الألم، وقد رقص حتى غزتني نشوة غريبة، نعم نشوة حسية كالتي شعرت بها ليلة أمس وأنا بين ذراعي صديقي!.

انتهت شهادة المجرمة التي تعذب الفلسطيني لأنه فلسطيني، هل شاهدت تلك المجرمة شاب فيلم قائمة شندلر وتأثرت به فقلدته؟

القصتان ولدتا من رحم واحدة، إنه القتل من أجل القتل، النازي يقتل اليهودي، والصهيوني يقتل الفلسطيني، ولكن سبحان الله لقد وجد اليهودي شندلر لينقذه، ولكن الفلسطيني لا شندلر له، المواطن الغزي يعيش تحت وابل الرصاص ووابل المطر والعدو يمنع دخول المساعدات إلا أقل القليل منها، إنه يمنع دخول خيم حقيقية قد تقاوم المطر والبرد، وشندلر الألماني متحالف مع العدو، أما شندلر العربي والمسلم فقد خرج من أرض المعركة ولم يعد بعد.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة