أثرياء بأموال الغلابة.. قيادات "الإخوان الإرهابية" يسرقون تبرعات المسلمين ويحولون العمل الخيري إلى مصيدة مالية تستغل مشاعر الناس
السبت، 22 نوفمبر 2025 11:00 م
ظهور طبقة من الأثرياء الجدد داخل التنظيم تعتمد على التدفق المستمر للتبرعات في تمويل حياة فاخرة واستثمارات عقارية ونشاطات تجارية غير معلنة
99% من تبرعات غزة لم تذهب إلى القطاع وتم تحويلها لدعم أنشطة الإرهابية.. و70% من الحملات الخيرية تدخل مباشرة في قنوات التنظيم المالية
آلة نهب التبرعات الإخوانية تكشف أستخدام جمعيات مثل الهلال الأخضر وسواعد العطاء في تمويل مشاريع شخصية للقيادات بعيدًا عن أي رقابة
في قلب كل أزمة إنسانية، هناك من يرفع شعارات الرحمة والخير، وهناك من يلتقط دموع الناس ويحوّلها إلى ثروة شخصية، وكان من بين هؤلاء كانت جماعة الإخوان الإرهابية، تلك الجماعة التي عرفت كيف تلعب على أوتار الألم، وتحولت إلى آلة مالية منظمة تعمل خلف ستار الإغاثة والدين، حيث تُجمع التبرعات باسم القضايا الإنسانية، لكنها في الواقع تُغذي خزائن قياداتها، وتترك المستفيدين الأبرياء في انتظار بلا جدوى.
من غزة إلى السودان، ومن المكاتب المحلية إلى التنظيم الدولي، يتكرر المشهد ذاته: حملات تبرعات ضخمة تُعلن على أنها لإنقاذ الأرواح، لكنها تتحول سريعًا إلى حسابات سرية، شركات وهمية، واستثمارات شخصية، وهذه عشرات الملايين من الدولارات التي يفترض أن تُخفف معاناة المحتاجين، تُستغل لإثراء قادة الجماعة وتنمية نفوذهم المالي والسياسي.
ولا تكتفي الجماعة الإرهابية باستغلال الأزمات، بل تستخدم الإعلام والدين كأدوات خداعية، شعارات مثل «ادعم غزة» و«تبرع للأيتام» وجميعها ما هي إلا غلاف لتبريرات مالية، بينما الواقع يكشف سرقة ممنهجة، وجمعيات واجهة بلا شفافية، وحقائب مليئة بالأموال تنتقل بين الحسابات دون أي أثر للمعونات على الأرض.
ونحن هنا نزيل الستار عن آلة نهب التبرعات الإخوانية، موثقًا الحقائق والأرقام، ونكشف كيف حولت الجماعة العمل الخيري إلى مصيدة مالية، تستغل بها مشاعر الناس وتعيد صياغة الأزمة الإنسانية لمصلحتها الشخصية، وهنا يبدأ كشف الواقع المخفي وراء الشعارات الرنانة.. الواقع الذي لم يروه المانحون ولم يستفد منه المستضعفون.
ماكينة التبرعات: أداة نهب جماعي
منذ اللحظة الأولى التي أدركت فيها جماعة الإخوان الإرهابية أن الخطاب الديني يمتلك قوة استثنائية في تحريك المشاعر، تحولت التبرعات إلى أحد أهم مصادر نفوذها ووسائل تمويلها، فلم يكن العمل الخيري بالنسبة للجماعة نشاطًا إنسانيًا حقيقيًا بقدر ما كان استثمارًا طويل الأمد يدر الأموال ويمنحها شرعية زائفة لدى الجمهور، ومع مرور الوقت، أصبحت «ماكينة التبرعات» أخطر أذرع الجماعة وأكثرها تأثيرًا، حتى تجاوزت في أهميتها الأجنحة السياسية والتنظيمية.
وتعتمد الجماعة في فلسفة جمع الأموال على مبدأ بسيط لكنه فعال: «استغلال المعاناة» كل أزمة إنسانية تُعد فرصة جديدة لجمع التبرعات، وكل كارثة تتحول إلى منصة مالية. تُطلق الحملات تحت عناوين إنسانية جذابة، بينما لا تصل إلا نسبة ضئيلة جدًا من الأموال إلى المستحقين، أما الجزء الأكبر فيُعاد ضخه داخل هياكل التنظيم، أو يُحوّل مباشرة إلى قيادات الداخل والخارج عبر قنوات مالية موازية لا تخضع لأي رقابة.
وعلى المستوى الداخلي، بنت الجماعة شبكة مالية مغلقة تعتمد على اشتراكات إلزامية من الأعضاء، وتبرعات موسمية، وجمع زكوات محددة القيمة، لكن ما يظهر على السطح على أنه «مساندة للفقراء» هو في الحقيقة غطاء لتمويل القيادات وإدارة أنشطة التنظيم الدولي.
أما الجمعيات والمكاتب الخيرية، فهي في جزء كبير منها مجرد واجهات، فمثلاً حملة «وقف الأمة» التي أطلقها التنظيم الدولي للجماعة، متهمة بتحويل جزء كبير من التبرعات التي تم جمعها باسم غزة إلى خزائن قيادات الجماعة، بينما حملة «منبر الأقصى» و«كلنا مريم» تم اتهامهما باستغلال التبرعات لدعم عناصر التنظيم الدولي، بعيدًا عن المستحقين.
وكشفت تحقيقات يوليو 2025 أن جمعيات مثل “الهلال الأخضر” و”مبادرة سواعد العطاء” و”العروة الوثقى” جمعت أموالًا باسم مساعدة غزة، لكن 99% من هذه التبرعات لم تسجل رسميًا، وتم تحويلها لدعم أنشطة مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين؛ مما يظهر استغلال الثقة في العمل الخيري لتحقيق أهداف سياسية ومتطرفة.
كذلك، إنشاء جمعيات محلية في الأردن مثل «جمعية تمكين المرأة والطفل» و«الجمعية الطبية الإسلامية» تم اتهامها بتشغيلها كواجهات مالية، وتحويل التبرعات إلى مشاريع شخصية للقيادات، في وقت يظن فيه آلاف المتبرعين يظنون أنهم يسهمون في مشاريع إنسانية، بينما الأموال تُحوّل إلى خزائن قيادات التنظيم الدولي للجماعة، في شبكة مالية مغلقة ومعقدة.
وتستثمر الجماعة أيضًا في الرموز الدينية عبر خطاب يعتبر التبرع «بيعة مالية»، ويُحمّل المتبرع مسئولية دينية وأخلاقية، وهذا النوع من الخطاب لا يهدف فقط إلى جمع المال، بل إلى تحويل التبرع إلى طاعة تنظيمية، مما يجعل المتبرع شريكًا في مشروع الجماعة، لا في عمل خيري مستقل، ومع تصاعد اعتماد الجماعة على التمويل الخارجي عبر التنظيم الدولي، تطورت الآليات، وأصبحت الأموال تتحرك عبر شركات غطاء، ومكاتب خدمات، وتحويلات بين جمعيات تعمل في دول مختلفة، مما يمنح الجماعة قدرة كبيرة على تدوير الأموال وإخفاء مساراتها، مع إمكانية ضخ جزء منها في مشروعات تجارية أو عقارية مرتبطة بقيادات التنظيم، بينما يبقى المتبرع العادي مقتنعًا بأنه يشارك في إنقاذ محتاج أو دعم قضية إنسانية.
التناقض بين الخطاب والممارسة صار فاضحًا، فمن جهة، تقدم الإرهابية نفسها باعتبارها «صوت الفقراء والمظلومين»، لكن الوقائع تكشف أن كثيرًا من قياداتها يعيشون مستويات معيشية لا تتناسب مطلقًا مع أي نشاط دعوي أو خيري، بينما العقارات، والشركات الصغيرة، والاستثمارات، ونمط الحياة الفاخر، كلها مؤشرات تكشف أن الأموال لم تُوظف لصالح من جُمعت من أجلهم، بل لصالح من خططوا لنهبها.
شبكة التحويل المالي داخل التنظيم الإرهابي
لا تسلك الأموال التي تجمعها الجمعيات والحملات المرتبطة بتنظيم الإخوان الإرهابي مسارًا بريئًا، بل تمر عبر شبكة مالية مغلقة تتحرك بطبقات متعددة من الإخفاء، حيث تشير تقديرات إلى أن ما بين 55 و70 بالمئة من الأموال التي تُجمع عبر الحملات الخيرية لا تصل إلى أي نشاط إنساني فعلي، بل تدخل مباشرة في قنوات التنظيم المالي.
فمثلاً حملات مثل «وقف الأمة»، «منبر الأقصى»، و«حملة الإغاثة العاجلة»، إلى جانب جمعيات محلية مثل «جمعية التنمية المجتمعية» و«جمعية تمكين المرأة والطفل» و«الجمعية الطبية الإسلامية»، تعمل كمحطات تحصيل أولية، حيث تدر كل حملة ما بين مليوني وخمسة ملايين دولار سنويًا في البلدان التي تنشط فيها، مع تفاوت حسب حجم الأزمة ومدة الحملة.
ومن هذه الحصيلة، يُحوّل الجزء الأكبر إلى شركات واجهة تعرف داخل التنظيم باسم «مكاتب الخدمات»، وتظهر التحليلات أن تحويلات تتراوح بين 30 و40 % من دخل كل حملة تذهب مباشرة في شكل دفعات صغيرة متكررة، لتفادي كشف المسار، بينما بين عشرين وثلاثين بالمئة تتحرك عبر حسابات جمعيات خارجية في دول ذات رقابة ضعيفة أو قوانين تسجيل مرنة.
وكل مليون دولار تجمعه جمعية محلية ينتهي منه في المتوسط ما يقارب 400 إلى 500 ألف دولار لدى شركات الواجهة، و200 إلى 300 ألف دولار في حسابات قيادات التنظيم الدولي عبر تحويلات فرعية، بينما يُستخدم ما بين 150 إلى 200 ألف دولار كقنوات إنفاق داخلية لتسيير النشاط، و10 إلى 15 % فقط قد تُصرف فعليًا للمستحقين.
ما يميز هذه الشبكة هو القدرة على إخفاء المسارات؛ فالأموال تمر عادة عبر ثلاث إلى خمس طبقات تحويل قبل وصولها إلى القيادات، ما يجعل تعقبها بالغ الصعوبة، بالإضافة لذلك، تستغل الجماعة الخطاب الديني والإعلامي لتعزيز هذا الإخفاء، حيث يُقدّم التبرع وكأنه عبادة طوعية، بينما الحقيقة أن معظم الأموال تُستغل داخليًا لتعزيز سلطة القيادات العليا، الذين يعيشون مستويات معيشية لا تتناسب مطلقًا مع أي نشاط خيري، ويظهر أسلوب حياتهم أن التمويل ليس لمشروعات إنسانية بل لتثبيت نفوذهم داخل التنظيم الدولي وتوسيع شبكة مصالحهم المالية.
وتشير التحليلات إلى أن تنسيق الفروع والدول داخل الجماعة يضمن التدفق المستمر للأموال، بحيث تُعد الحملات مسبقًا لتشمل قنوات تحويل محددة من البداية، الجمعيات المحلية تعمل كبوابات تجمع الأموال ثم تُحوّل على الفور إلى الشبكة الداخلية للتنظيم، مع قدرة عالية على إخفاء مسار كل مبلغ عن المراقبين والسلطات، كما أن الحسابات متعددة، وبعضها يستخدم أسماء وهمية أو شخصيات وسيطة، مما يجعل تعقب الأموال شبه مستحيل حتى في حال وجود شبهة استغلال أو فساد، النظام المالي الداخلي محكم، ويعيد استثمار الأموال المنهوبة في مشاريع أخرى تدر أرباحًا إضافية للقيادات، سواء في عقارات، شركات صغيرة، أو دعم أنشطة سياسية وتجارية داخل وخارج الدولة.
تكشف كل هذه الممارسات أن شبكات تحويل الأموال داخل الإخوان ليست مجرد آليات مالية، بل أداة استراتيجية لبقاء التنظيم واستمراره، والأموال التي يُجمعها المتبرعون هي عنصر حيوي لتعزيز نفوذ التنظيم الدولي وتحقيق مصالح قياداته الشخصية وتوسيع قدرته على العمل في الخفاء، ومع وجود تقديرات تشير إلى أن 20 إلى 30 % من الأموال تُنقل سنويًا عبر قنوات غير مصرفية لتقليل فرص التتبع، يصبح واضحًا أن الحديث عن «عمل خيري» مجرد واجهة لآلة مالية ضخمة تستند إلى تدفقات مستمرة، تخدم في النهاية مصالح القيادات وليس المحتاجين.
تحويل التبرعات إلى ثروة شخصية: استثمارات قيادات الإخوان
بعد أن تتدفق الأموال من الجمعيات والحملات الخيرية إلى الحسابات السرية للتنظيم الدولي، تبدأ مرحلة إعادة توزيعها واستثمارها من قبل قيادات الإخوان، لتتحول التبرعات التي كانت مخصصة للمحتاجين إلى ثروات شخصية ضخمة، ما كان يُعلن كعمل خيري أو دعم للمحتاجين أصبح اليوم آلية لتثبيت سلطة القيادات داخليًا وخارجيًا، مع القدرة على إنشاء شبكة مالية جديدة تدعم مصالحهم السياسية والاقتصادية بشكل مباشر.
وتشير تحليلات الأنشطة المالية للجماعة إلى أن القيادات لا تعتمد على المصروفات البسيطة، بل تستثمر الأموال في عقارات وتجهيزات تجارية تدر أرباحًا إضافية، سواء في الداخل أو الخارج، وتشير تقديرات الباحثين إلى أن حوالي 40 إلى 50% من الأموال المنهوبة تُحوّل إلى مشروعات عقارية، تشمل شققًا ومجمعات تجارية ومناطق استثمارية صغيرة، بينما تُخصص نسبة أخرى في مشاريع تجارية صغيرة ومكاتب خدمات تابعة بشكل مباشر للتنظيم الدولي، وهذه الاستثمارات تسمح للقيادات بالتحكم في موارد مالية مستقرة، بعيدًا عن أي رقابة، مع إمكانية إعادة تدوير الأرباح في مشاريع أخرى تابعة للتنظيم.
إلى جانب العقارات، يتم توجيه جزء من الأموال نحو الشركات الصغيرة ومشروعات الخدمات التي تعمل كواجهة لتسييل الأموال وإخفاء مصدرها، التحليل المالي يشير إلى أن هذه الشركات، التي غالبًا ما تُسجّل بأسماء عناصر موالية للتنظيم، تتيح للقيادات القدرة على إدارة سيولة مستمرة، مع ربح إضافي يُعاد استثماره في حسابات قيادات أخرى، في حلقة مغلقة من التدوير المالي الداخلي، وتشير تقديرات إلى أن أرباح هذه الاستثمارات قد تصل إلى 20–25% سنويًا من حجم الأموال المنهوبة، ما يعزز قدرة التنظيم على العمل دون الاعتماد على التبرعات الخارجية أو الرقابة الرسمية.
الجانب الأكثر إثارة للقلق هو الربط بين الأموال المستثمرة والنفوذ السياسي، والعقارات والمشروعات التجارية لا تُستخدم فقط كأداة للربح المالي، بل كوسيلة لتوسيع شبكة النفوذ داخل المجتمعات المحلية وخارجها، حيث تُوظف هذه الموارد لشراء ولاءات، تمويل حملات سياسية، وضمان استمرار التحكم في الجمعيات والمنصات الرقمية التي تمثل واجهات للتنظيم، وبهذا الشكل، تصبح الأموال المنهوبة ليست مجرد ثروة مالية، بل أداة استراتيجية لتثبيت السلطة داخل التنظيم الدولي وخارجه.
تتضمن الاستراتيجية أيضًا استخدام الأموال في مشاريع فردية لعناصر قيادية، تشمل تمويل حياة فاخرة، استثمارات عقارية خارج الدولة، ودعم نشاطات تجارية غير معلنة، ما يخلق طبقة من الأثرياء الجدد داخل التنظيم تعتمد على تدفق التبرعات المستمر، حيث تقول تقارير متداولة إن ما بين 30 إلى 40% من الأموال المنهوبة تتحول في النهاية إلى حسابات شخصية للقيادات، ما يعكس التباين الكبير بين الخطاب العام عن العمل الخيري والواقع الفعلي على الأرض.
كما يُلاحظ أن الجماعة تعتمد على التنويع الجغرافي للأموال، حيث تُستثمر الأموال المنهوبة في دول ذات قوانين مالية مرنة أو ضعف رقابي، بينما تُدار مشروعات مماثلة في الداخل كغطاء لإخفاء التدفقات، وهذا التنوع يضمن قدرة قيادات الإخوان على السيطرة المالية الكاملة، ويصعب على أي مراقب تتبع حجم الأموال الفعلي أو مصادرها، ويجعل أي تدخل قانوني أو رقابي محدود التأثير.
ويكشف التاريخ المبكر للجماعة كيف تم توظيف العمل الخيري كأداة لتعزيز النفوذ السياسي والتنظيمي، وهو ما أشار إليه المؤرخ الرسمي للجماعة ونائب المرشد العام سابقًا جمعة أمين في كتابه أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، حين أشار إلى حرص حسن البنا على تأمين مصادر التمويل من الدولة وتبرعات الأفراد على حد سواء.
ففي المؤتمر الأول للجماعة عام 1934، تقدمت قيادة الإخوان بمطالب إلى الملك فؤاد لتوجيه المخصصات المالية للملاجئ نحو الجمعيات الإسلامية، وكان الهدف الفعلي توجيه هذه الموارد لصالح جمعيات الإخوان أنفسهم، وهو ما أرست له الجماعة توجهًا ثابتًا يرى في العمل الخيري أداة للتغلغل المجتمعي والسيطرة السياسية، لا مجرد وسيلة لدعم المحتاجين.
وعملت الجماعة على استثمار العمل الخيري كغطاء لتوسيع نفوذها عبر استراتيجيات دقيقة تقوم على الاختراق والتطويع والتأسيس، حيث تسللت عناصرها إلى مجالس إدارات الجمعيات القائمة، مؤثرة على أنشطتها لتتوافق مع أهداف الجماعة، في حين أسست جمعيات موازية بالكامل لصالحها.
وقد شملت هذه الاستراتيجية اختراق الجمعيات الكبرى مثل الجمعية الشرعية، والسيطرة على المجالس التنفيذية، وتحويل منشوراتها ومشاريعها الخيرية إلى أدوات دعائية، مثل مشروع كفالة الأيتام الذي توسع ليغطي نحو 18 محافظة بحلول أوائل التسعينيات، مع استخدام المعاهد التدريبية التابعة لهذه الجمعيات لتأهيل كوادر دعوية من عناصر الجماعة.
كما لم تغفل الجماعة استثمار الأحداث السياسية والكوارث الطبيعية لتعزيز حضورها الخيري والدعوي، فسواء زلزال 1992، أو أزمات السيول في البحر الأحمر وسيناء خلال التسعينيات، أو حتى أحداث 2012، فإن تقديم المساعدات الاجتماعية والصحية للفقراء كان وسيلة لتعميق شعبيتها وفتح المجال أمام التجنيد واستقطاب عناصر جديدة، بما يعكس كيفية دمج العمل الخيري ضمن استراتيجية شاملة للنفوذ السياسي والتنظيمي.
التاريخ لا ينسى التبرعات الأفغانية
على مر التاريخ، كان العمل الخيري عرضة للاستغلال والتوظيف في أعمال تتجاوز أهدافه الإنسانية، فقد استخدم كأداة لدعم مشاريع سياسية ودعائية وتنظيمية، بل وعسكرية في بعض الحالات، وهذا النمط من الاستغلال تطور ليصبح في العصر الحديث إحدى الأدوات المركزية التي تعتمدها التنظيمات الإرهابية لتمويل أنشطتها، مستفيدة من الغطاء القانوني والثقة المجتمعية التي تتمتع بها المؤسسات الخيرية.
فقد لجأت الجماعة الإرهابية ونظيراتها من الجماعات المتطرفة إلى إنشاء أو اختراق مؤسسات خيرية تستخدم لجمع التبرعات وتحويلها لتمويل أنشطة سياسية أو عسكرية، وعلى المستوى العربي، تعتبر جماعة الإخوان الإرهابية المثال الأبرز؛ منذ تأسيسها، عملت الجماعة على بناء شبكة واسعة من المؤسسات الخيرية في الشرق الأوسط وأوروبا سمحت لها بجمع الأموال التي استخدمت في أغراض سياسية لدعم التنظيم، وأيضًا لتوجيهها لدعم تنظيمات مسلحة وإرهابية.
وكانت الحرب الأفغانية ضد القوات السوفيتية في ثمانينيات القرن العشرين خير دليل، فقد مثلت نقطة التحول المركزية في تطور استغلال المنظمات الخيرية لأغراض غير إنسانية، حيث نشأت شبكات جهادية عابرة للحدود استخدمت العمل الخيري كأداة رئيسية لتأمين التمويل وتوفير الغطاء اللوجستي لنشاطها العسكري والإعلامي.
وبرزت خلال تلك الفترة العديد من الجمعيات الخيرية الإسلامية التابعة لجماعة الإخوان وجماعات أخرى في باكستان ودول الخليج والولايات المتحدة، مستفيدة من التعاطف العالمي مع القضية الأفغانية لتمويل هذه الحرب، ومن أبرز الأمثلة على ذلك مكتب خدمات المجاهدين، الذي أسسه عبد الله عزام وأسامة بن لادن في بيشاور الباكستانية عام 1984، وكان له الدور الأكبر في تسهيل انتقال المقاتلين العرب إلى أفغانستان، وتجنيد المتطوعين، وجمع التبرعات، ونقل المعدات والأسلحة عبر واجهات خيرية تحمل طابعًا دينيًا وإنسانيًا.
وتمكن هذا المكتب من بناء شبكة دعم داخل الجاليات المسلمة في الغرب، فافتتح أكثر من 30 فرعًا في عدد من المدن الأمريكية، بالإضافة إلى فرع رئيسي لـمكتب الكفاح في بروكلين عام 1986، الذي أصبح لاحقًا أحد أهم الفروع في الولايات المتحدة، وقد استفادت الشبكات المتطرفة من ظروف الحرب الباردة، حيث تقاطعت مصالح الولايات المتحدة وبعض الدول الإسلامية مع أهدافها، ما سهل تدفق الأموال والمقاتلين بسهولة ودون رقابة صارمة، مؤسسًا لنموذج تمويل غير رسمي أصبح فيما بعد أساسًا لتمويل الجماعات الإرهابية الحديثة.
ومن منتصف التسعينيات، بدأت تنظيمات مثل القاعدة استغلال العمل الخيري بشكل ممنهج، مستفيدة من امتداد الجمعيات الإسلامية جغرافيًا، وثقة المجتمعات بها، والدوافع الدينية للتبرع، سواء عبر اختراق هذه الجمعيات أو تأسيس جمعيات كواجهات لتسهيل تمويل النشاط الإرهابي، وهذا التاريخ يعكس بوضوح كيف يمكن أن تتحول التبرعات الإنسانية إلى أداة تمويلية واستراتيجية لتشكيلات مسلحة، مع استغلال الهيكل القانوني والمصداقية المجتمعية للمؤسسات الخيرية لإخفاء الغرض الحقيقي من جمع الأموال.
وختاماً، لم تكتفِ جماعة الإرهابية بسرقة التبرعات، بل صممت نظامًا كاملًا لإخفاء المسارات المالية، عبر شركات واجهة، حسابات متعددة، وجمعيات تعمل في دول مختلفة، كل حملة تُعد مسبقًا لتضم قنوات تحويل دقيقة، تُبقي الأموال بعيدًا عن أي رقابة، مع استخدام الخطاب الديني والإعلامي لإيهام المتبرعين بأن أموالهم تصل مباشرة إلى المحتاجين، بينما الحقيقة هي استغلالهم لخدمة مصالح قيادات التنظيم.
في النهاية، التبرعات الإنسانية لم تعد مجرد أموال تساعد المحتاجين، بل وسيلة لإثراء القيادات، توسيع النفوذ، وضمان استمرار آلة التمويل السري للتنظيم الدولي للإخوان، والواقع الميداني يؤكد أن أي حملة جمع تبرعات، مهما كانت شعاراتها مؤثرة، يمكن أن تتحول إلى مصدر تمويل شخصي وتنظيمي، بعيدًا عن أي غرض إنساني، على المجتمع والمتبرعين والرقابة القانونية أن يدركوا حجم الاستغلال، لأن الاستمرار في هذا الصمت يعني السماح للجماعة باستمرار تحويل العمل الخيري إلى أداة تمكين مالي وسياسي لمصالحها الخاصة.