إنصاف السادات في زمن الروايات المتناقضة

الأربعاء، 26 نوفمبر 2025 01:48 م
إنصاف السادات في زمن الروايات المتناقضة
يوسف أيوب

الكاتب الصحفى الكبير، الأستاذ أكرم القصاص، نشأ وعاش وتربى ناصرى الهوى، لكنه يختلف عن كثير من الناصريين أنه ناصرى ليبرالي، يتقبل النقد، ويستمع للرأي الأخر ويتفاعل معه ويرد عليه، وينحاز إليه اذا رأه صواباً. لذلك لم استغرب حينما انتهيت من قراءة كتابه "شَعرة معاوية.. السادات وخصومه"، فالكتاب الذى يقلب في إرث الرئيس الراحل محمد أنور السادات بين قصص التمجيد وروايات التشيطن، يحاول أن يقدم طريقاً أخر، يستند إلى الوثائق والوقائع وشهادات المرحلة ومسؤولية السرد التاريخي، هدفها ليس فقط إنصاف الراجل الذى تعرض لظلم كبير، لكن أيضاً، التمسك بفكرة أن التاريخ يجب أن يكتب بالوقائع والمستندات وليس بالعاطفة والانحياز الأعمى، كما أن كاتب التاريخ يجب أن يكون منفتحاً على كل المصادر، والا يغلق الباب على نفسه داخل غرفة واحدة.
 
في الكتاب قدم "القصاص" صورة واقعية للسادات وكل من عاصروه، وتفاعلوا معه وانتقدوه وأيضاً من مجدوه، صورة لا تنحاز إلى طرف ضد أخر، بل تحاول رصد الحقيقة، وهنا وجدت الأستاذ أكرم شديد القسوة في تناوله لموقف الأستاذ محمد حسنين هيكل، من السادات، مستنداً لتناقضات هيكل نفسه قبل أن ينفصل عن السادات وبعد الانفصال، محاولاً وضع مقارنة بين وضعية هيكل في عصر عبد الناصر، ووضعيته مع السادات، وهى المقارنة التي يمكن اعتبارها قراءة مهمة لفهم تحولات "هيكل" تجاه السادات.
 
بالتأكيد فإن السادات كانت له خطايا كثيرة وأبشعها من وجهة نظرى، تحالفه مع جماعة الإخوان، ووثوقه الكامل فيهم باعتبارهم الطرف القادر على مساندته في مواجهة التيار الناصرى والقومى، لكن تبقى المشكلة الأكبر في السادات أنه جاء بعد عبد الناصر، الذى توفى واستخدم كثيرون قميصه للانقضاض على السلطة بأشكال مختلفة، فالسادات ناور داخليا وخارجيا وتعامل بالسياسة وفن الممكن، لكنه أبداً لم يصل إلى المكانة التي وصلها عبد الناصر، رغم أن الأخير كانت له انتكاسات، لكن وجد من يبررها له، في حين السادات الذى حرر الأرض المحتلة، لم يجد من يسوق له ما حققه.
 
مشكلة السادات أن هناك من كان يترصده، لأنه كان يرى نفسه مكان السادات او محركا له من خلف ستار، وهو ما المح إليه كثيراً الأستاذ اكرم القصاص في كتابه مشيراً إلى هيكل، الذى كان أسطورة زمانه، لكنه كان يحلم بالسلطة المطلقة التى تجعله حاكم غير متوج، حاكم يقبض بيديه على الأرشيف والمعلومة والقدرة على التأثير فى عقل وفكر الرئيس، وحقق ما تمناه مع عبد الناصر، لكن السادات لم يكن عبد الناصر، فلم يكن عاطفيا وإنما براجماتي وسياسى داهية، وهو وضع لم يناسب "نرجسية" هيكل، فحدث الصدام.
 
والمشهد الختامى للسادات كان كاشفا عن كثير مما كانوا يدور فى عقول وقلوب من اختلفوا معه إلى حد العداوة، يسار وليبراليين وقفوا مبتهجين بإرهابيين قتلوا رئيس مصر، وبعدما كانوا يعتبرون تحالف السادات مع الاخوان جريمة، سلكوا هم نفس طريق الجريمة باإاحتفاء بالقتلة بل والدفاع عنهم وتبرير فعلتهم الشنيعة.
حتى خطيبة السادات كررها من انتقدوه، حزب الوفد تحالف معهم فى انتخابات مجلس الشعب عام 1984، فخاضت الكتلة البرلمانية للجماعة إلى جانب حزب الوفد الجديد ضمن قانون القائمة المطلقة تحت شعار عودي يا مصر إسلامية. كما أن كثير من الناصريين وضعوا أيديهم فى إيدى من حاول قتل عبد الناصر فى حادث المنشية الشهير، وسلموا الاخوان السلطة بعد 2011، وكان اكثر المشاهد غرابة بالنسبة لى أن يلتحم الناصريين مع الإخوان فى المظاهرات ورافعين صور عبد الناصر ليرددوا هتاف الاخوان "يسقط حكم العسكر"، وكأن عبد الناصر كان مهندسا او طبيبا ولم يكن ضابطا نال شرف الخدمة بالجيش المصرى.
 
بالتأكيد، عبد الناصر كانت له أخطاء وكارثية، لكنه فى نظر مريديه وهم كثر فهو فوق النقد، ومن يتفوه بكلمة عنه فيكون مصيره مدافع تأتيه من كل صوب. قد يكون هدف هولاء أن يظل قميص ناصر مستوعبا لهم رغم أنهم بعيدين تماما عن فكر وفلسفة عبد الناصر الذى تشير الكثير من الوقائع إلى رفضه لسياسات كثيرة فى عهده ، بل أن أكثر الناقدين لنظامه لكن من يتمسكون بقميصه بعد رحيله يضعونه فى منزلة الشخص المنزه عن الخطأ.
 
هكذا يرى الناصريين الرئيس الراحل محمد أنور السادات، ويعتبرونه خائناً للوطن والقضية، رغم أنهم لم يكلفوا أنفسهم جهد قراءة فكرة وفلسفة عبد الناصر نفسه، الذى يشير كتاب "شَعرة معاوية.. السادات وخصومه" لوقائع كثيرة كان عبد الناصر أقرب فيها إلى السياسة من المواجهة، لكن الأجواء لم تساعده، كما أن الدائرة المحيطة به قيدته كثيراً، في حين أن السادات حاول أن يستفيد من الأخطاء التي رصدها خلال قربه من عبد الناصر، فنجح في تحقيق هدف تحرير الأرض، وأخطاء في أمور أخرى، لكن أن نجعل كل تاريخه أخطاء وخيانة، فهذا أمر يحتاج إلى وقفة من منتقديه، ليراجعوا موقفهم، ويقراءوا الأحداث الأن ليحكموا هل كان السادات على خطأ أم اختار الطريق الصحيح!.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة